تحديد جنس المولود.. الذكر في مجتمع ذكوري غاية تبرر الوسيلة
أم محمد سيدة كررت تجربة الولادة من أجل انجاب مولود ذكر فها هي ترزق هذا العام بالمولودة الثامنة على التوالي إنها امرأة تؤمن أن الغيب أمر بيد الله، أما بالنسبة لقضية الانجاب فإن (الحبل لايزال على الجرار)
إنها تحلم بمولود ذكر يكون امتدادً للعائلة ويرعى هذا الحشد من الاناث. هذه حالة من بين الكثير من الحالات التي تخوض تجربة الانجاب ولاسيما عندما يتكرر إنجاب الاناث، وفي ضوء هذا الواقع فإن العلم قد تطور وقدم احتمالات وطرقاً لتحديد جنس المولود، إما عن طريق اتباع حمية غذائية، وإما عن طريق الالقاح بواسطة طفل الانبوب.
ويبقى السؤال: لماذا يفضلون المولود الذكر عن الأنثى؟ وهل أثبتت طرق تحديد جنس المولود نجاحها أم أن قضية الاحتمالات تلعب لعبتها دوماً ....
تقول فاطمة محمد: تزوجت منذ 7 سنوات ولجأنا لطريقة تحديد جنس المولود وبعد عملية الزرع اجهضت وعانيت الأمرين فترة الحمل حتى رزقني الله بمولود ذكر.
يقول فاضل موصللي: رزقت من زوجتي الأولى 5 بنات وتحت إلحاح الأهل تزوجت من شابة أخرى وأيضاً عانيت الأمرين لأن الله لم يشأ أن يعطيني إلا إناثاً أما بالنسبة لزوجتي الثالثة فقد تم اختياري لها لأنها مطلقة ولديها طفلان ذكور الأمر الذي أرغبني بالزواج منها فهي قادرة على إنجاب الذكور لكن حظي السيء تكرر معها وانجبت طفلتين الأمر الذي وضعني في موقف حرج مع زوجتي الأولى والثانية .
أما محمد خليل فيقول: رزقت بـ 6 بنات وسلمت أمري لله وقررنا وضع مانع لكن أمر الله شاء أن تحمل زوجتي بالرغم من وجود المانع وفعلاً رزقت بولد وهوالآن في الصف الثاني الابتدائي ويؤكد محمد خليل أنه يتعامل مع ابنه بمنتهى الجدية وبعيداً عن الدلال خوفاً عليه وعلى مستقبله، وأنه يولي كامل حبه ودلاله لبناته أيضاً .
تقول أم مريم: تزوجت منذ 15 عاماً ولم يرزقنا الله إلا بالإناث ولايزال المجتمع من حولي ينظر لي نظرة تقصير، ان الانجاب ارهقني تماماً وانجاب 10 بنات أمر ارهقنا مادياً ومعنوياً.
أما د.صائب فيقول: أكرمني الله بخمس بنات وكان المولود السادس هو ابني محمد ان النظر في قضية الذكر والانثى ليست مرتبطة بطبقة ثقافية معينة فالقانون والدين والارث المجتمعي يحض على إنجاب الذكر وهدفي من إنجاب الذكر أن يحمل اسمي بعد مماتي وأن يرثني وأن يبقى سنداً لأخواته البنات، أمابالنسبة لطرق تحديد جنس المولود فإن الوازع الديني يردعني فأنا لاأقف في وجه مشيئة الله .
ويقول د. عصام: رزقت بـ 7 بنات قبل ابني لؤي والحمد لله أنا أفخر بكل اولادي ذكوراً وإناثاً لكن الله حقق أمنيتي في إنجاب الذكر ليكون عوناً وسنداً لإخوته بعد مماتي.
وبالنسبة للرجال الذين يكررون تجربة الزواج بذريعة حاجتهم لإنجاب الذكور يقول د. محمد أمين درويش اختصاصي النسائية والتوليد و معالجة العقم: إحصائياً فإن الرجل يحمل 50٪ من النطاف الأنثوية و 50٪ من النطاف الذكرية أما بالنسبة للمرأة فإن بيوضها حيادية بمعنى إذا اجتمعت نطفة ذكرية ولقحت بيضة المرأة تشكل الجنين «ذكر» وإن كان جنس النطفة القادمة من الزوج أنثوية شكلت جنيناً «أنثى» وبمعنى أدق أن المسؤول عن إنجاب الذكور والإناث هو الزوج ولاعلاقة للزوجة بذلك .
ولدى سؤالنا عن وجود عائلات اكثر انجاباً للاناث من الذكور أجاب د. درويش: وجد عند بعض الأزواج بتحليل النطاف أن نسبة النطاف الانثوية تفوق بكثير ما يحملون من نطاف ذكرية وبالتالي ففرصة إنجاب الأجنة الإناث عند هؤلاء الأزواج تكون غالبة على إنجاب الذكور نظراً لقلة النطاف الذكرية عند الرجل .
أما عن الطرق المتبعة في تحديد جنس المولود فتحدث د. محمد أمين درويش قائلاً: أجريت منذ سنوات دراسات على طرق لتحدد جنس المولود ووجد أن بعض الشوارد مثل الصوديوم والبوتاسيوم تتحكم باختيار النطفة سواء الذكرية أو الانثوية من الرجل وعلى هذا الأساس صدرت برامج غذائية لحمية المرأة على طعام معين لزيادة نسبة الشوارد المرغوبة عندها والتي تتحكم أو تساعد على وسط يناسب الجنس المرغوب وهذه الطريقة (الحمية الغذائية) ظهر لها حماس منذ عشرين عاماً لكن حالياً لم يلحظ هناك دقة لهذه الطرق .
وأكد د.درويش: أن هناك طرقاً مذكورة في بعض المجلات والكتب كطريقة الحقن المهبلية بتغيير حموضة السائل المفرز من المرأة وطريقة توقيت العلاقة الزوجية لتكون متوافقة وقريبة مع موعد الإباضة أوالاعتماد على الجداول الصينية، لكنها جميعاً لم تثبت دقتها ولايعول عليها بشكل علمي لاختيار الجنس المرغوب .
أما عن الطريقة العلمية فهي الطريقة التي تعتمد على الالقاح خارج جسم المرأة «طفل الانبوب» حيث يلقح عادة أكثر من بيضة وتفحص البيوض الملقحة من الناحية الخلوية الوراثية لمعرفة إن كانت البيضة الملقحة ذكراً أم أنثى فإن كانت من الجنس المطلوب «ذكر» مثلاً فإنها تزرع في الرحم لتنمو وتشكل جنيناً ذكراً وإن كانت البيضة الملقحة أنثى تستبعد من الزرع.
إن اللجوء الى طفل الانبوب لتحديد جنس المولود يحتاج الى تحريض الإباضة عند المرأة لقطف عدد كاف من البيوض وتلقيحه خارج الجسم وهذه المنشطات «الادوية الهرمونية المنشطة» لها مخاطر على السيدات مثل فرط التحريض وفرط استثارة المبيضين، وهو تناذر قد يكون خطراً على حياة الأم.
كذلك فإن الأم معرضة للحمل التوءمي الذي قد يكون ثلاثياً أو رباعياً وهذا مايحمل نسبة عالية من الاسقاط وكذلك يعرض الأم إلى خطر المداخلات الجراحية .
وكذلك فإن اللجوء إلى طفل الانبوب لمثل هذه الحالات مكلف مادياً وغير مضمون النتائج من حيث الحمل فنسبة الحمل تتراوح بين 25٪ حتى 35٪ حسب المراكز. وهذا يعني أن الأم قد تتعرض لمحاولات متكررة لطفل الانبوب بقصد الحمل.
أما عن فوائد تحديد جنس المولود بواسطة طفل الانبوب يقول د. عبد الله أبو بكر: ان هناك مجموعة من الأمراض تنتقل عن طريق الصبغيات الجنسية وبواسطة تحديد جنس المولود عن طريق طفل الانبوب يمكن أن نستبعد كل الاضطرابات المحمولة على الصبغيات كالمورثات المنغولية وغيرها.
إن تجربة تحديد جنس المولود بواسطة طفل الانبوب تنجح بنسبة 100٪ كاختيار طفل الانبوب المطلوب لكن نسبة نجاح الحمل هي النسبة العادية التي يستخدم فيها الإخصاب المساعد.
اي ما يشكل نسبة نجاح 37٪ للاعمار المتوسطة اي تحت 35 عاماً وكلما زاد العمر فإن نسبة النجاح تخف حتى تصل الى 20٪.
كما وترتفع نسبة النجاح الى 45٪ عند النساء الصغيرات في العمر وأكد د. ابو بكر: ان طريقة التشخيص ماقبل الزرع PGD وجدت لاستبعاد مجموعة الامراض المحمولة على الصبغيات والتي يمكن ان تكون أمراضاً وراثية متكررة في بعض العائلات وتفيد هذه الطريقة في الحد من الامراض وذلك لكشفها عن الأجنة المصابة وبالتالي عدم ارجاعها للرحم وفي سياق هذه الطريقة يمكن ان تحدد نوعية الصبغي الجنسي وبالتالي معرفة نوع الجنين المراد ارجاعه للرحم وبالتالي نحن نشجع الزراعة عندما تكون الغاية تلافي الامراض الوراثية.
وتتضمن التجهيزات تحضير مخبر طفل الانبوب بما فيها من مجاهر وحواضن وتجهيزات حقن يضاف للمجموعة مجموعة تجهيزات لتشخيص ماقبل الارجاع PGD وبهذه المجموعة وبعد الحصول على خلية واحدة من الجنين يمكن ان نكشف مجموعة من العيوب التي تصيب الصبغيات ومن خلال الدراسة يمكن معرفة جنس الجنين صاحب الخلية المدروسة.
أما بالنسبة للتكاليف فإنها تنقسم الى قسمين هي تكاليف المخابر وتكلفة الادوية التي تعطى لتحريض المرأة ....والتكلفة الوسطية تقدر بحوالي 100 الف ل.س في سورية متضمنة الادوية والمخبر وفي حال اختيار جنس المولود تضاف الى هذه التكاليف الدراسة على الأجنة والخلايا .
أمابالنسبة للخطوات الاساسية للاخصاب المساعد فيقول د. عبد الله ابو بكر: ان الاخصاب المساعد يقوم على تحريض المبيضين عند المرأة للحصول على البيوض القابلة للتلقيح وأخذ هذه البيوض عند نضجها وتلقيحها.
كما يشكل نسبة مرض العقم 30٪ من مرضى العيادات النسائية ويشكل الازواج الراغبون بتحديد جنس المولود 5٪ من مرض الاخصاب المساعد.
ويقول د. ابو بكر: إن انخفاض نسبة الازواج الراغبين بتحديد جنس المولود يعود الى العامل الاقتصادي والوازع الديني.
وفي تناولنا لموضوع انجاب الذكر من الناحية النفسية بالنسبة للأبوين تجيبنا المحللة النفسية مارسلينا حسن:
إن الموضوع قديم حديث فبنية المجتمع تقوم على أن الرجل هو الذي يتوارث عبر الأجيال وأن الطفل يحمل اسم الأب وليس الأم كما أن الموروث الديني له علاقة بالتصنيفات الموجودة بالتشريع كموضوع الإرث وهذا يكرس بالتنشئة النفسية والتربوية للأبوين والموروث الثقافي الشفهي كمصاعب البنت فجسد البنت متعب للأبوين.
وبتعبير أدق إن المشاكل التي تصادف المرأة تظهر على جسدها فوراً أما الرجل فليس هناك مشكلة تعترضه .
بالاضافة الى ان المرأة لاتزال اجتماعياً غير منافسة للرجل بالعلاقة الزوجية واحساسها بأنها اقل من زوجها الأمر الذي خلق لديها رغبة بإنجاب الذكر.
وتؤكد المحللة النفسية مارسلينا حسن: ان المرأة اكثر رغبة بإنجاب الذكر لانها تعتقد انها تعزز العلاقة الزوجية بإنجاب طفل وأحياناً هناك حالات عكسية ففي حالة وجود مشاكل بين الزوجين تولد ردة فعل بعدم تمنيها انجاب طفل.
وان حالات كثيرة من الاكتئاب مابعد الولادة يأتي نتيجة انجاب طفلة.
ومن جانب آخر تحدث الباحث الاجتماعي والتربوي زهير خليل عن الأثر الاجتماعي لإنجاب الذكر قائلاً: إن المجتمع لايزال ذكورياً ويستمد نظرته ومرجعيته من موروث اجتماعي جاهلي يستند لعدد من المفاهيم ومنها:
إن عار البنت إذا أخطأت ستنال الخطيئة الأسرة والعائلة وربما العشيرة والبلدة مع أن الشرع ساوى بالثواب والعقاب بين الذكر والأنثى وأن الذكر يحمل اسم الأب أو العائلة وليست الأنثى بالاضافة إلى أنه في مجتمع كان قانون الغاب وقانون العشيرة هو السائدة فالذكور هم الحصن الحصين للدفاع عن العائلة والعشيرة .
ومن الشائع ان الولد سر أبيه والبنت سر أمها والحيازة الاقتصادية غالباً للذكر والانثى منتقصة الملكية.
واكد الباحث الاجتماعي زهير خليل: ان تغيير الأوضاع الاقتصادية والثقافية وانتشار التعليم الالزامي وكسر الحدود الجغرافية العالمية بوسائل الاتصالات والمواصلات والحاسوب والنت والفضائيات وتلاقح الثقافات وانتشار المنظمات الحقوقية المحلية والدولية التي تنادي باحقاق الحقوق والعدالة الاجتماعية وتمكين المرأة والانصاف، هذا التغير المتسارع يبدو أنه ساهم بشكل أو بآخر في تغيير النظرة والسلوك والمفاهيم والثقافة ومع ذلك فإنه لايزال في بعض البيئات أومعظمها ينظر النظرة الدونية للانثى أوللمرأة لا لشيء فقط لانها أنثى علماً ان اتاحة فرص التعليم ومشاركة المرأة بالادارة أو بصيغ القرار أو بالمنابر الثقافية أوالقانونية اثبت انها تساوي الذكر وتقدمت عنه في كثير من المجالات .
و من الناحية القانونية فيقول المحامي غفار العلي: ان حاجة العائلة لانجاب الذكر قد ترتبط باجراءات قانونية كالإرث مثلاً فالمولود الذكر يحجب الأعمام والعمات في حالة وفاة الأب أوالاخوال والخالات في حالة وفاة الأم ان يرثوا منها اما المولود الانثى فلا ؟
وهناك حالة اخرى للحجب غير المولود الذكر مثل: تحجب الجدة الثابتة بالأم مطلقاً والجدة البعيدة بالجدة القريبة والجدة لأب الأب، ويحجب اولاد الأم والاب بالجد العصبي وإن علا وبالولد وولد الابن وإن نزل والحجب هو أن يكون لشخص أهلية الارث ولكنه لايرث بسبب وجود وارث آخر.
تغريد جباوي
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد