بلال صابوني: من قتل السينما السورية

22-01-2008

بلال صابوني: من قتل السينما السورية

مئة سنة مضت على معرفتنا بالسينما، كان ينظر إليها على أنها مشروع وطني شامل وضرورة لاقت الاهتمام و«الاحترام» من قطاعات الدولة كافة ومن القطاع الخاص، لكن ما وصلت إليه السينما السورية اليوم هو جمود في المكان وتراجع منذ عدة سنوات لم تستطع فيها المؤسسة، بصفتها الجهة الوحيدة المنتجة للسينما في سورية، تأسيس صناعة حقيقية للسينما، ويبدو أنها لن تستطيع إذا لم يحدث إعادة تقييم شاملة لوجود ودور المؤسسة التي لم تحقق المراد لأنها لم تستطع وبعد مرور كل تلك السنوات المساهمة في تأسيس «صناعة سينما سورية»، وهو دورها الأول، ومن جهة لم تستطع خلق مناخات ملائمة لدخول القطاع الخاص، وهنا نتكلم عن «صناعة» واقتصاد يعتبران الأهم في أكثر بلدان العالم، ورغم امتلاكنا للبنية التحتية والكادر البشري، المبدع المتخصص والموهوب نجد أن الكوادر السينمائية السورية وهي كثيرة لا تصنع سينما وهي إما في بيوتها منذ سنوات أو لديها مشاكل مع الإدارة التي حولتهم بشكل أو بآخر إلى «موظفين»، وهذا يفسر الموقف السلبي الذي يأخذه العديد من السينمائيين من المؤسسة، التي تحيل موضوع الفشل إلى عدم تلقي الدعم المادي الكافي للإنتاج في ظل وجود تظاهرة غريبة ومدهشة تكلف الملايين وهي «مهرجان دمشق السينمائي»، الذي يأتي صورة غير منسجمة مع واقع السينما والسينمائيين السوريين ولا ينظر إليه إلا باعتباره هدرا ماديا لأموال «عامة» لا تأتي بمردود أو مقابل.. 
 بلال صابوني من الجيل المؤسس الثاني في «المؤسسة العامة للسينما»، رحلته في السينما عمرها خمسة وثلاثون عاما أنجز خلالها عددا من الأعمال السينمائية «القلعة الخامسة»، «عود النعنع»، وعددا من الأفلام التسجيلية داخل وخارج البلد، وسحبت منه أيضاً عدد من الأعمال التي كان قد بدأ العمل بها، منها عمل عن «حرب تشرين التحريرية» كان بتوجيهات من القائد الراحل حافظ الأسد الذي طلب إنتاج هذا الفيلم بمقاييس عالمية لكن وبعد أن بقي على الجبهة أكثر من سنة ونصف السنة طلب منه توقيف العمل، ويرى أن هناك أزمة حقيقية في «الإدارة» معوقة للسينما، جعلت من أناس بشهادات متواضعة أن يتحولوا إلى مخرجين، في حين الدارسون دفعت بهم الإدارة أن يكونوا خارجها بسبب المزاجية والفردية التي تحكمها، ومهمة المدير انحصرت في تحكمه بأعمال السينمائيين.

هل تعتقد أن المعوق هو وجود مؤسسة للسينما أم إنها مشكلة في إدارة هذه المؤسسة؟
قرأت للسيد وزير الثقافة قوله في إحدى الصحف: «السينما عندنا أمر ميئووس منه ولا يمكن إصلاحه»، وهذا رأي من أعلى سلطة ثقافية تعلن يأسها في إصلاح حال السينما.. وهذا هو إحساسنا لأن كل مطالباتنا وملاحظاتنا، كسينمائيين متخصصين ومهمومين بالسينما كان يرد عليها بكلام معسول ووعود مضى عليها سنوات ونحن ننتظر دون جدوى ولم يتغير الوضع ولم تتقدم السينما والحال في ترد واضح، والبراهين كثيرة، لأنه ولغاية الآن وبعد مرور السنوات لا توجد لدى المؤسسة خطة تسويق أو صالات عرض أو استوديوهات، فأين الأفلام الجديدة والحديثة والمنافسة؟ وأين تشجيع القطاع الخاص الذي نجح في التلفزيون؟ أنا لا أتجنى ولكنني أتكلم من هاجس أنني في الأساس سينمائي لا أعمل في السينما، ودراستي وخبرتي وشهادتي لا يمكن أن تكون إلا في مجال السينما..

هل المشكلة في الاستراتيجية العامة التي تضعها المؤسسة أم إنها في عدم تنفيذ الخطط؟
أعتقد أن المشكلة في طريقة التفكير الإداري: كيف ندير السينما السورية؟ فعندما يكون التفكير متخلفا عن حضارة السينما من المستحيل أن نوجد سينما! وإذا سألنا عن خطط المؤسسة فإننا لا نجدها، وتم تحويل «ناس» بلا مؤهلات نهائياً إلى مخرجين، والشيء الأهم أنها خلقت علاقة غير متوازنة وسيئة بين السينمائيين وبين هذه الإدارة، فقد أصبحنا كلنا خارج المؤسسة وهناك العديد من المخرجين يرفضون دخول المؤسسة منذ سنين والإدارة لا تهتم وهؤلاء لا تتم دعوتهم إلى أي مهرجان أو حفل أو مناسبة، فأين أسامة محمد ومحمد ملص ونبيل المالح وأنطوانيت عازاريه؟ كلنا نجلس في بيوتنا ومعظمنا له مشاكل مع الإدارة ولا ندخل المؤسسة!

لماذا لا تستجيب الإدارة لاحتجاجاتكم؟
لأنها لا تنظر إلى «السينما» بشكل جدي وكل السينمائيين وقضاياهم لا تعنيها بدليل أن السينمائيين الكبار لديهم موقف واضح من المؤسسة.. ونحن هنا ندافع عن الإنتاج السينمائي كصناعة واقتصاد يعادل الصناعات المهمة لأنه يمثل قطاعا إنتاجيا قويا سيدعم البلد والدولة، مثلما هو في الكثير من الدول التي يشكل فيها هذا الإنتاج موردا للدخل القومي، كـ«هوليود» و«الهند»، وفي مصر يفكرون الآن بإعطاء قروض من أجل إنتاج السينما، التي كان للكثير من عظماء العالم رأي فيها مثل: غاندي وتشرشل ولينين وكاسترو وجيفارا.. وفي الاتحاد السوفييتي كان للسينما وزارة ووزير بحقيبة!
ألا تعتقد أن وجود المؤسسة كمكان يستهلكه موظفون هو عبء على إنتاج السينما؟
بدون أدنى شك! وهذا ما يشكل الفرق بين شركة تنتج مئات الساعات الدرامية التلفزيونية بعشرة موظفين ومؤسسة سينما لديها 400 موظف وتنتج فيلمين في السنة؟ وأتمنى أن نحصي عدد الذين وظفتهم المؤسسة في السنوات الأخيرة، ونسأل عن مؤهلات وكفاءات هؤلاء الذين أضافتهم المؤسسة إلى أعبائها، وأتساءل أيضاً لو كان لدى المسؤول عن المؤسسة شركة «خاصة» للإنتاج السينمائي هل كانوا سيوظفون كل هذا العدد؟ فهل يبدو تصرف المؤسسة منطقيا؟ وهل هذا سيقلص الهدر؟..
س: ألا يوجد لجان مراقبة أو محاسبة؟
ج: المفارقة المؤلمة التي أراها أنه وبعد كل هذا الفشل والتقصير ليس هناك من يحاسب أو يسأل الإدارة التي يجب أن تسأل وتتابع وضع السينما ليس كإنتاج أفلام ولكن كمنظومة متكاملة يدخل فيها التسويق والإنتاج والاستوديوهات والمعدات وحتى الكرسي الذي يجلس عليه المشاهد ولمبة «البروجيكتور» في جهاز العرض.. كل ذلك أين هو؟ وكيف يتعاملون ويؤهلون العنصر البشري الذي يعتمد عليه الإنتاج السينمائي؟

تشتكي المؤسسة من عدم وجود دعم من الدولة لها؟
هم يحيلون تقصيرهم إلى عدم وجود الدعم من الدولة، وأنا أقول: الدولة مظلومة! فهي تقدم الكثير ولا تبخل والدليل أن مهرجان السينما كانت ميزانيته في السابق بين عشرين إلى اثنين وعشرين مليون ليرة سورية وأصبح الآن على لسان «مدير المؤسسة» سبعة وثلاثين مليوناً، لكن المشكلة بـ«كيف يصرف هذا المال وعلى ماذا»؟ أو كيف يستثمرون المهرجان وكيف سنرد للدولة هذا الذي تصرفه؟ لأنه إذا قارنا استراتيجية المهرجان في سورية وفي مهرجانات أخرى في العالم سنرى أن المهرجان هو مشروع رابح والمهرجان الوحيد الخاسر هو المهرجان السوري! وكل ما نعرفه عن المهرجان أن الإدارة تأخذ المال من الدولة وتصرفه دون النظر إلى ماذا سيحقق لنا هذا «المهرجان» وماذا سيقدم للسينما السورية، ولا نرى فيه أي مظهر يشبه المهرجانات الأخرى مثل «السوق التجاري» الذي تتم فيه صفقات بيع وتسويق، وفي مصر هناك صالة كبيرة تؤجر بالمتر، أين نحن من هذا والأهم: أين هو «السبونسر» أو «المعلن»؟

كيف ترى المهرجان في الوقت الحالي إذاً؟
سأصفه «بالكوميديا السوداء»، لأننا يجب ألا ننسى أن المهرجان السينمائي هو جزء لا يتجزأ من المنظومة السينمائية، التي ليست فقط التعامل مع الإنتاج والميزانيات! من الأجدى لنا أن نهتم بتعزيز البنى التحتية ونبني استوديوهات وصالات عرض ونستقدم أجهزة.. أما إذا سألنا عن «العنصر البشري» الذي يجب أن ترفده وتقويه المؤسسة نجد بأنه آخر شيء ممكن أن تفكر به المؤسسة: أين البعثات وأين المخرجون..؟ من هم الذين يحضرون المهرجانات السينمائية؟

ألا تهتم المؤسسة بإيفادكم إلى المهرجانات العربية والعالمية؟
إدارة المؤسسة دارت العالم باسم السينما.. وأنا أطالب المؤسسة بالتصريح عن الأسماء التي يرسلونها لتتابع السينما وتستفيد في البلاد العربية ومهرجانات العالم!! وقد عبر عن ذلك مرة «أسعد فضة» الذي كان نقيب الفنانين يومها عندما ذهب إلى القاهرة وقال: خجلت عندما وجدت الوفد السوري كله من الإداريين!! وأظن أن الإدارة تتعامل بنفس الطريقة مع الضيوف الذين يتجاوزن المئة من دولة واحدة فقط، وتدعوهم ليس ليتابعوا أفلامنا أو المهرجان أو يديروا ندوات أو يساهموا في الإضافة إلى المهرجان، ولكن فقط تدعوهم كرقم ليحضروا الافتتاح والاختتام ويلبوا دعوات العشاء التي تتحدث عنها الصحف، ونحن الجيل الذي أسس السينما يتم تجاهلنا ولا توجه إلينا أي دعوة لا لحضور مهرجان ولا أحد يطرق بابنا ليدعونا إلى أي حفل أو إلى افتتاح أحد الأفلام.. أعتقد أنها تصرفات معيبة.. إدارة لا تحترم كوادرها فكيف تقيم مهرجاناً لفنهم؟ ولا تحترم «تاريخها» الممثل بالأجيال السابقة..

هل نستطيع الاستغناء عن مهرجان السينما؟
لست مع الإلغاء ولكن يمكننا إلغاءه بشكل مؤقت ريثما نتمكن من تأسيس البنى التحتية، ولست مع أن يكون كل سنة لأنه استمرار لهدر الموال التي لا ريع لها إلا تثبيت المدرسة الطاووسية..

هل تتخيل شكلا آخر للإدارة؟
يجب أن تكون هناك مجالس فنية وإدارية عليا من خارج المؤسسة وأن تكون على كفاءة إدارية فنية واقتصادية يقدرون العمل السينمائي ويعرفون تفاصيله، تكون سلطتها أعلى من سلطة «المدير العام»، الذي ينفذ هذه الخطة، وينبثق عن هذه المجالس لجنة متابعة كل ثلاثة أشهر تحاسب أين وصل التنفيذ وأين يذهب المال المخصص لأنها بالنتيجة «أموال عامة» ومقدرات إنتاج مخصصة للسينما «كمنظومة متكاملة»، يدخل فيها تشجيع القطاع الخاص وجذبه عن طريق خلق منافذ للتسويق لأن لا أحد يغامر بماله من أجل الخسارة، وهذا القطاع كان نشطا في السابق وأذكر أنه في سنة واحدة تم إنتاج 37 فيلماً للقطاع الخاص، ويجب أن تسألوا القطاع الخاص لماذا لا يريد دخول إنتاج السينما الآن.. نستطيع أن نتجاوز الأزمة ولكن نحن بحاجة إلى أناس يفكرون بشكل صحيح ويجربون بشكل ميداني، ومن يكون صادقا تأتي له الأفكار دون عناء..

كيف ترى ما قدمته المؤسسة للسينما؟
جمدتها ولم تطورها.. ولم تأت بجديد..

أنت سينمائي، موظف محال إلى التقاعد! كيف تعيش هذه التناقضات؟
هل سمعت بسينمائي يتقاعد؟ في العالم كله لا يوجد هذا الكلام، ورغم إصدار وزير الإعلام قراراً بتشجيع المتقاعدين على العمل في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، يرفض مدير المؤسسة عمل الفنانين المتقاعدين بحجة الأنظمة والقوانين، والمفارقة أن إدارة المؤسسة تتعاقد مع ناس من خارج ملاك المؤسسة ومن خارج القطر لتنفيذ الأعمال الفنية..

فاديا أبو زيد

المصدر: الوطن

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...