انفجار حارة حريك: العبوة في أبواب السيارة
أوضحت مصادر أمنية لبنانية أن نتائج فحوص الـ«دي. أن. آي»، العائدة للأشلاء التي عثر عليها داخل السيارة التي انفجرت في حارة حريك أمس، من شأنها أن تحسم أسلوب تنفيذ العملية: عبر انتحاري، أم من خلال سيارة مفخخة تم ركنها وفُجّرت عن بعد.
لكن مصادر أمنية واسعة الإطلاع، أكدت أن معلوماتها الأولية المستندة إلى مسح وتحليل مسرح الجريمة، تشير إلى الآتي: الانفجار نفذه انتحاري كان يقود سيارة رباعية الدفع من نوع «غراند شيروكي»، قام بتفجيرها في وسط الطريق، بينما العبوة كانت موزعة وموضبة في أبواب السيارة، التي سبق وحذّر الجيش من خطورتها في برقية عسكرية عمّمت على الأجهزة الأمنية قبل 12 يوماً من التفجير.
وحددت البرقية العسكرية، وفق معلومات نوع السيارة ولونها ورقم لوحتها، والذي تبيّن أمس أن مواصفاتها بدت متطابقة مع السيارة المفخخة. وعن سبب زنة العبوة (بين 20 و30 كيلوغراماً)، مقارنة بالتفجيرات السابقة، يوضح ضباط معنيون أن الوزن لم يكن كبيراً لسبب أساسي: توجس السائق من التفتيش.
بذلك، وتفادياً لتوقيف السائق على أحد الحواجز الأمنية وتفتيش الصندوق، تم اللجوء إلى إخفاء العبوة وتوزيعها في أبواب السيارة، التي لا يمكن لها أن تتسع لكمية كبيرة من المتفجرات. وتشير معلومات إلى أن السيارة دخلت سوريا وتمّ تفخيخها في إحدى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وليس في عرسال، كما يتردد. وأكدت مصادر رسمية أن ر.أ. هو الشخص اللبناني الأخير الذي اشترى السيارة، وقام ببيعها لأشخاص من المعارضة السورية بمبلغ 2900 دولار قبل نحو ثلاثة أشهر.
وفي حين ينتظر المحققون سحب محتوى الكاميرات وتفريغها وتحليلها، بغية تحديد المسار الذي سلكه منفذ العملية، إلا أن الأمن اللبناني، بأجهزته المسؤولة عن حواجز التفتيش، عليه الاعتراف بخطورة الاختراق الذي تعرّض إليه، أمس: كيف استطاعت سيارة تحمل لوحة سبق وتمّ التبليغ عن خطورتها، من اجتياز حواجز أمنية بلا أي تفتيش أو توقيف؟ إلى هذا المستوى من الإهمال والهشاشة وصل الأمن اللبناني، في ذروة المخاطر؟
في مكان التفجير
حواجز حديدية تطوق المكان. يدوّي رصاص في الهواء. نصف ساعة مرّت على وقوع التفجير. صوت أحد المسؤولين في «حزب الله» يتردد من مكبّر للصوت بلكنة بقاعية: «يا شباب، إذا عندكم وفاء لسماحة السيد، رجاء اخرجوا من محيط الانفجار. ثمة احتمال كبير أن تنفجر سيارة ثانية بعد قليل». يزداد عدد الفضوليين.
تختفي الشمس وتسود عتمة في السماء تحجب رؤية الضحايا وسيارات الإسعاف على الأرض. العبوة انفجرت بالقرب من مطعم «الجواد» الشهير في حارة حريك. إلى جانب المطعم، كان يستقرّ المقر الأساس لتلفزيون «المنار»، قبل حرب تموز 2006.
الطريق معروف باسم «الشارع العريض». ليس بعيداً عن موقف السيارات الذي شهد انفجار بئر العبد، وشبه ملاصق لشارع الرويس، حيث انفجرت سيارة مفخخة قبل أشهر. من هنا يمر أطفال وشبان. صغار وكبار. فقراء وأغنياء يمرون من هنا. متعصبون دينياً وعلمانيون. مناصرون لـ«الحزب» ومعارضون. شمالاً ترتفع كنيسة حارة حريك شامخة، ويميناً يوجد «مسجد السيدة زينب». الشارع مُحاط بكنيسة، ومسجد.
يكرر المسؤول في الحزب استغاثاته بضرورة مغادرة «مَن ليس له عمل»، قائلاً: «يا شباب، إذا عندكم وفاء للسيدة الزهراء، رجاء اخرجوا من محيط الانفجار. لدينا معلومات تفيد بوجود سيارة مفخخة ستنفجر بعد قليل. رجاء لا نريد أن نكون هدفاً سهلاً». يزداد عدد الفضوليين، ويغدو صوت المسؤول أكثر حزماً: «يا عالم، يا بشر، إذا عندكم كرامة لله، رجاء اتركوا المكان فوراً!». لا يغادر أحد. يدوّي صوت الرصاص في الهواء. سيدة أربعينية محجبة تقف أمام حاجز يحتشد بالحرّاس غير المسلحين، تلوّح بيديها قائلة: «أريد الاطمئنان عنه أخي». يرفض عناصر الحاجز السماح لها بالمرور، ويردّ عليها أحدهم: «المكان في خطر، نرجوكِ الاطمئنان عنه عبر الهاتف». توضح السيدة أن الشبكة الخلوية معطّلة. يهز الشاب برأسه مواسياً، لكنه يرفض أن تدخل إلى مكان التفجير.
تنظر السيدة عالياً وتشير بإحدى يديها إلى مبنى مهشم. وفيما كان الحارس يتابع حركة أصابعها، قامت بمناورة سريعة واجتازت الحاجز، لكنها سرعان ما أحيطت بعشرات الحراس. «يا حجة نرجوكِ مغادرة المكان، أنتِ تقومين بتصرفات مشبوهة. نقدّر خوفك على أخيك، لكن ثمة توجس من وقوع انفجار آخر». ترفض المغادرة وتتربّع أرضاً، ثم تنهض صارخة وهي تبكي: «أخي في الداخل، إذا أصابني مكروه أنا أتحمّل المسؤولية!». بقبضة جبّارة، تزيح الحاجز جانباً وتتقدم مسرعة.
الدمار المُحاط بمكان التفجير يبدو أقل ضرراً من تفجيري الرويس وبئر العبد. عدد المباني التي أصابها الانفجار، هنا، لا يوازي حجم دمار أو عدد تلك التي دُمرت في التفجيرين السابقين. خلف أحد الحواجز تقف مجموعة من الشبان يتجاذبون أطراف الحديث: «كيف يمكننا أن نسير في الشوارع بعد الآن؟ إذا تبيّن أن التفجير نفذه انتحاري، ذلك يعني أننا معرّضون في أي مكان وزمان، لأن طلبات الغداء مع النبي محمد كثيرة في هذه الأيام»، يقول أحدهم.
تعود السيدة المحجبة من مكان التفجير. تزيح الحاجز جانباً وتتقدم بخطوات سريعة. «ماذا حدث؟»، يسألها الحارس الذي منعها من الدخول قبل قليل. «أخي ليس في المنزل، سأبحث عنه في المستشفيات». تمسح دموعها بإحدى يديها، وتمشي برأس مرفوع.
جعفر العطار
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد