انطلاق أعمال «الدستورية»
هي لحظة تاريخية بكل تأكيد كما وصفها المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة غير بيدرسون، حيث عقدت أمس في قصر الأمم المتحدة في مدينة جنيف السويسرية الجلسة الافتتاحية للجنة الدستورية التي جمعت لأول مرة ١٥٠ سورياً من الموالاة والمعارضة في بداية مسار لمناقشة الدستور الحالي وإدخال تعديلات عليه أو لصياغة دستور جديد.
بيدرسون الذي افتتح الجلسة بدا منفعلاً بأهمية اللحظة التاريخية التي استغرق التحضير لها ١٨ شهراً من العمل والمفاوضات، وحظيت بنهاية المطاف بدعم دولي شبه كامل، وخاصة من الدول التي كانت تنادي وتعمل من أجل «إسقاط النظام» وفرض الحل العسكري وتستثمر في الإرهاب، وانهزمت أمام صمود الشعب السوري وبطولات جيشه الذي لا يزال على مدار السنوات التسع الماضية يحارب الإرهاب حفاظاً على سيادة الدولة السورية واستقلالية قرارها ولحماية أراضيها.
كلام بيدرسون جاء مفعماً بالأمل، وهي الكلمة التي رددها أكثر من مرة خلال كلمته الافتتاحية، إذ تشير الأجواء في جنيف إلى أن الوفود جميعها وصلت من أجل العمل والتوصل إلى حل، وإطلاق المسار السياسي الذي بات مطلب الدول كافة في حين كانت وحدها دمشق تنادي فيه منذ ٢٠١١.
ومن العبارات التي رددها بيدرسون وعاد وأكد عليها الكزبري، عبارات الملكية السورية للمسار، ومنع تدخل الدول الأجنبية فيه، والحفاظ على وحدة وسيادة سورية على كامل أراضيها.
وكان اللافت بعد انتهاء الجلسة، تعليقات بعض الصحفيين الموجودين عن ضرورة أن يتخلى وفد المعارضات عن أجندات الدول التي وظفتهم وأن تصبح غايتهم بناء سورية، لا تدميرها كما كان هدف مشغليهم.
وفي تفاصيل الجلسة، كان اللافت حضور الوفد المدعوم من الحكومة السورية بانتظامه وثقته بنفسه، وبرصانة كلمة الرئيس المشترك أحمد الكزبري، الأمر الذي دفع المبعوث الأممي الخاص إلى سورية إلى التوجه لمصافحتهم فرداً فرداً بعد انتهاء الجلسة.
وخلال كلمة الكزبري كان بيدرسون يهز برأسه موافقاً على ما جاء في كلمته التي بدت منفتحة جداً على كل الخيارات من دون أن تتجاهل خيار الشعب السوري وتضحياته، وقال الكزبري: «الدستور يشكل اللبنة الصلبة التي تبنى عليها الدول وأعضاء اللجنة سيكونون عند حسن ظن شعبهم ولن يفرطوا بقطرة دم سالت دفاعاً عن سورية».
وأضاف الكزبري: «الشعب السوري قاوم حرباً شرسة فرضت عليه لسنوات وما زال يسجل الانتصارات على الإرهاب، وإن هذه الحرب ستبقى مستمرة إلى تحرير آخر شبر من الأراضي السورية».
وبدأت الوفود بالوصول أمس إلى مقر الأمم المتحدة عند الساعة الحادية عشرة من يوم أمس بتوقيت جنيف (الثانية عشرة بتوقيت دمشق) حيث وصل أولاً وفد المجتمع الأهلي ومن ثم وصل وفد المعارضات وكان الوفد المدعوم من الحكومة السورية آخر الواصلين.وتم استقبال الوفود الثلاثة من قبل مكتب المبعوث الأممي أمام البوابة (C6) التي دخلت منها الوفد الثلاثة إلى قاعات انتظار كل وفد على حدة، بالقرب من أبواب قاعة الاجتماعات التي عقدت فيها الجلسة الافتتاحية.
وكان حشد كبير من الإعلاميين يمثلون جميع وسائل الإعلام العالمية بانتظار وصول الوفود الثلاثة عند بوابة الدخول المحددة مسبقاً من قبل مكتب المبعوث الأممي.
وبعد وصول الوفود الثلاثة ودخولهم إلى قاعات الانتظار لبدء أعمال الجلسة الافتتاحية، وعند الساعة الثانية عشرة بتوقيت جنيف (الواحدة بتوقيت دمشق) بدأت الوفود بالدخول إلى القاعة، حيث دخل أولاً وفد المجتمع الأهلي وما إن أخذ مكانه بالجلوس بدأ وفد المعارضات بالدخول من بوابة أخرى مقابلة للبوابة التي دخل منها وفد المجتمع الأهلي، وكان دخولهم عشوائياً وغير منظم ودخلوا بطريقة تتناسب مع طبيعة أنهم وفد معارضات حيث كل مجموعة منهم تنتمي لتيار معين ولها تمثيلها في الوفد، وكان دخولهم معبراً عن ذلك حيث دخلت كل مجموعة ممثلة لتيار معين وراء بعضها وجلسوا بالقرب من بعضهم وفق تياراتهم.
وكما كان آخر الواصلين إلى قصر الأمم المتحدة بجنيف، كان الوفد المدعوم من الحكومة آخر الداخلين إلى قاعة الاجتماعات، ودخلوا من الباب ذاته الذي دخل منه وفد المجتمع الأهلي، وكان دخولهم منسقاً ومنظماً بحيث دخلوا الواحد تلو الآخر وجلسوا في أماكنهم المخصصة، ومن ثم دخل المبعوث الأممي ومعاونوه والموظفين في مكتبه وبينما جلس بيدرسون على المنصة الرئيسية جلس معاونوه وموظفو مكتبه في مكان مخصص لهم بالقرب من مكان جلوس الوفد المدعوم من الحكومة.
وجلس إلى جانب بيدرسون على المنصة الرئيسية كل من الرئيسين المشتركين الكزبري إلى يمينه وهادي البحرة إلى يساره، ومن ثم ألقى المبعوث الأممي كلمته وتلاه الكزبري الذي ركز في كلمته على الشعب السوري والجيش العربي السوري وصموده وانتصاره وكان يتلو كلماته المنمقة والعميقة بثقة وبثبات المنتصر على الإرهاب، مؤكداً على آمال السوريين في القضاء على آخر إرهابي وتحرير أرضهم وتحقيق مستقبل أفضل في وطنهم.
ومن ثم جاءت كلمة البحرة الإنشائية المبتذلة البعيدة عن واقع سورية والسوريين، إذ إنه لم يتطرق إلى الحديث عن الإرهاب وركز على تفنيد بند في قرار مجلس الأمن الدولي 2254 متجاهلاً أن من يجلس إلى جانبه هو الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المعني بتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي، ما أوحى للإعلاميين المراقبين بأن البحرة أراد من خلال كلمته التأكيد على المدد الزمنية التي في الأساس اتفق المجتمع الدولي على تجاوزها نظراً لتعقيد مسألة مناقشة الدستور وهذا ما أكده بيان الدول الضامنة لمسار أستانا (روسيا، تركيا، إيران) أول من أمس، بعد اجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث مع المبعوث الأممي في جنيف.
وفي هذا السياق عبر ضامنو أستانا في الفقرة الخامسة من بيانهم عن رؤيتهم بأن عمل اللجنة الدستورية يجب أن يحكم بـ«منطق التسوية والانخراط البناء من دون تدخل خارجي ولا جداول زمنية مفروضة من الخارج».
كما حاول البحرة استخدام لغة جسد، بدا خلالها بأن هناك من علمه ودربه وطلب منه أن يتحدث بتلك الطريقة.
الوطن
إضافة تعليق جديد