اليوناني الذي رفع حرارة هيفاء بيطار
في يوم قائظ من شهر تموز تقول الأديبة ـــ هيفاء بيطار ـــ صعدت إلى الباخرة التي ستقلّني من اللاذقية إلى أثينا في رحلة بحرية تستغرق ليلتين، كنت في العشرين تحفّ بي أحلام الحب الرومانسي الوردية، وكنت أذرف الدموع تأثراً بالأغاني العاطفية، وكنتُ أشعر أنني أنتظر آلام الحب أكثر مما أنتظر فرحة، وكان الرجل الحلم يتبدل من وقت لآخر متقمصاً شخصية نجوم السينما في ذلك الوقت، خاصة الممثل ريتشارد جير بطل فيلم «قصة حب».. كانت الباخرة تغصّ بالركاب، وحين جلستُ في المطعم بجوار عجوزين لتناول طعام الغداء وفرقة يونانية تعزف موسيقى تفجّر الأحاسيس من ينابيعها العميقة في الروح، تنبهت فجأة لعينين ساحرتين عسليتين تراقبانني باهتمام، أذكر كيف انخلع قلبي من مكانه، كأنه هوى في بئر عميقة، كان شاباً، اعتقدت أنه يوناني سحرني بجاذبيته، تشابكت نظراتنا بولهٍ غامضٍ وقد عجزنا عن فك اشتباك النظرة، أحسست كيف سخنت يداي، وتدفق الدم في وجنتي، وخلال دقائق ما عدت أعي شيئاً سوى حضور ذلك الشاب الغريب الطاغي. نمت تلك الليلة وأنا أشعر أن حمى أصابتني، عرفتُ فيما بعد أنّ هذه الحالة تسمى صعقة الحب، تمنيت بصدق لو تتوه الباخرة في البحر ولا تصل إلى شاطىء الأمان الممل. في اليوم التالي لم تعد نظراتنا مجرد انجذاب، بل صارت حباً صارخاًَ، ولهاً لا يمكن تفسيره، غريبٌ أننا لم نفكر بالتحدث إلى بعضنا، ربما فكرنا أننا لا نتحدث اللغة ذاتها، ترى ألا يمكن للأيدي أن تخلق لغتها.. في فجر اليوم الثالث وصلت الباخرة إلى الشاطىء اليوناني، وبدأ حزن شفيف يرتشح في وجهينا «الغريب وأنا» كنا نقف متجاورين على سطح الباخرة نُمسك الحبل الثخين، فجأة اقترب مني وسألني بالإنكليزية: من أين أنتِ؟
قلت له وأنا أتذوق صوته: من سورية، نظر إليّ بحماسة وقال: وأنا من العراق واسمي مصطفى.. رشحت عيوننا بالدمع.. ضحكنا على بلاهتنا وغادرنا كل في طريق!!!
روزالين الجندي
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد