المياه.. الشرارة الدفينة للحرب السورية ومن أسلحتها!

16-04-2016

المياه.. الشرارة الدفينة للحرب السورية ومن أسلحتها!

صحيح أن للحرب السورية أسبابها الكثيرة والمتداخلة، داخليا واقليميا ودوليا، لكن عنصر المياه كان حاسما في تضافر عوامل التفجير، وإشعالها، ولعله مهد لها في ذلك اليوم قبل خمسة أعوام، الى ان تحول خلال الحرب الى سلاح، فيما لم يعد من الممكن النظر الى المستقبل السوري، في ظل مسارات التسوية الجارية حاليا، من دون الأخذ بالاعتبار، مسألة «الأمن المائي» في بقاء سوريا كدولة، ومستقبل أهلها في مواجهة «حرب العطش» التي يعيشونها.
في شهر أيلول من العام 2013، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركيّة تحقيقاً بدا صادماً للرأي العام العالمي الذي كان مشغولاً، حينها، بـ«الثورات الشعبيّة المطالبة بالديموقراطيّة». أعاد التحقيق أسباب الحرب الدائرة في سوريا إلى مشكلة أساسيّة بعيدة عن السياسة، ليفيد بأنَّ «الجفاف» هو أحد أبرز العوامل المسبّبة لهذه الحرب.
التحقيق هذا، جاء كخلاصة دراسة أعدّها الباحثان في مركز «المناخ والأمن» الأميركي، فرانشيسكو فيميا، وكايتلين ويرل، اللذان قدَّما معلومات عن الواقع المناخي في سوريا، وتأثيره على الحياة الاقتصادية، وتالياً دوره في اندلاع الحرب وتفاقمها. قدَّر الباحثان، حينها، أنَّ أزمة الجفاف التي ضربت سوريا، تسبّبت خلال خمسة أعوام فقط (بين العامين 2006 و2011) بفشل 75 في المئة من المزارعين السوريّين، فيما ضرب الجفاف 60 في المئة من الأراضي السوريّة، بالإضافة إلى فقدان 80 في المئة من الثروة الحيوانيّة في الشمال الشرقي لسوريا.
والآن، بعد أكثر من عامين على نشر هذه الدراسة، تزداد رسوخاً فكرة أن «التغيّر المناخي هو السّبب الدفين للحرب والإرهاب». ترددت المقولة خلال انعقاد مؤتمر المناخ العالمي في باريس في كانون الأول الماضي. وفي مطلع شهر آذار الماضي، نشرت وكالة الطيران والفضاء الأميركيّة «ناسا»، عبر موقعها الإلكتروني، دراسة مثيرة للاهتمام، تفيد بأنَّ «الشرق الأوسط يعيش أكثر الفترات جفافاً مُنذ 900 عام».
إذاً، المياه هي أحد أبرز أسباب الحرب الدائرة في سوريا، بسبب ما خلّفته أزمة الجفاف من تبعات اقتصاديّة تتعلّق بالنشاط الزراعي من جهة، وبالتغيّرات الديموغرافيّة التي نتجت من حركات النزوح الداخليّة للسكان، بحثاً عن المياه والعمل، من جهة أخرى. وتُفيد دراسات عدّة بأنَّ أزمة الجفاف التي ضربت سوريا، تسبّبت بنزوح أكثر من مليون ونصف مليون نسمة من الأرياف الجافّة إلى مراكز المدن، ما أنتج ارتفاعاً كبيراً في سوق البطالة، وتعطّل دورة الحياة الاقتصاديّة، وضغطاً متزايداً على مراكز المدن، واختلالاً في التوازن الديموغرافيّ، كلّها شكّلت فتيلاً جاهزاً أشعلته بسرعة موجة «الربيع العربي» التي ضربت المنطقة. كلّ هذه النتائج الكارثيّة للتغيّر المناخيّ ضربت سوريا قبل اندلاع الحرب. فما الذي حدث خلال الحرب؟ وما هي النتائج المتوقّعة للحرب على مستوى الثروة المائيّة السوريّة، في حال توقّفها؟
 تؤكّد المصادر الحكوميّة السوريّة وجود أزمة حقيقيّة في المياه، سواء تلك التي بدأت قبل اندلاع الحرب، أو حتّى التي تفاقمت مع استمرارها، جرّاء استهداف البنية التحتيّة للموارد المائيّة وشبكات الريّ والمياه، وخروج بعض السدود عن السيطرة الحكوميّة، وصولاً إلى استنزاف المياه الجوفيّة نتيجة استجرارها المتزايد لتلبية متطلبات المعيشة في المناطق الخاضعة للحصار، أو تلك التي تعطّلت فيها شبكات المياه.
وزارة الموارد المائيّة، بحسب تصريحات رسميّة، أكَّدت أنَّ «سوريا تعتبر من البلدان الجافة وشبه الجافة»، موضحةً أنَّ «متوسّط هطول الأمطار السنوي في سوريا، يقدّر بحوالي 46.63 مليار متر مكعب. وبعد أخذ الفواقد المختلفة من المنظومة الهيدرولوجية، يصبح متوسّط الواردات المائيّة المتجدّدة (السطحيّة والجوفيّة) القابلة للاستخدام، حوالي 9 مليارات متر مكعب سنوياً، إضافة إلى حصّة سوريا المؤقتة من واردات نهر الفرات التي تشكل 42 في المئة من الكمية الممررة سنوياً، وهي 500 م3/ثا، وفق الاتفاقيات (210م3/ثا حصة سوريا، و290م3/ثا حصة العراق)، وهذه الكميّة تعادل 6.6 مليارات متر مكعب في السنة، وبالتالي يبلغ إجمالي الواردات المتجدّدة القابلة للاستثمار بعد حسم التبخر، حوالي 16.3 مليار متر مكعب سنوياً».
بحسبة بسيطة، ومع الأخذ في الاعتبار أنَّ حاجة سوريا من المياه، سنوياً، تقدّر بنحو (إجمالي الطلب المقدر لكلّ الاستخدامات حالياً 17.7 مليار متر مكعب)، تؤكّد الأرقام الرسميّة السوريّة وجود عجز سنوي في المياه يقدّر بنحو 1.5 مليار متر مكعب سنوياً، وهي أرقام أخذت معزولةً عن تأثير الحرب على بنية الموارد المائيّة السوريّة، ما يعني أنَّ العجز السنوي يفوق هذا الرقم بكثير.
مدير الموارد المائيّة في سوريا، المهندس سامر أحمد، يرى ، أنَّ «هناك ضغطاً حقيقياً على الواردات المائيّة في سوريا، مع الأخذ في الاعتبار الأضرار الناجمة عن الحرب». ويشير، في السياق ذاته، إلى أنَّ «الأضرار طالت بنى تحتيّة مهمة في سوريا، سواء بسبب سرقتها أو تدميرها من قبل الفصائل المسلّحة، أو حتّى سيطرة الفصائل عليها، إضافة إلى توقّف مشاريع مهمة كانت قيد الإنجاز، الأمر الذي يتطلّب تنفيذ استراتيجيّة خاصة ومدروسة بعد الحرب لتلافيها، وتحقيق التوازن المائي».
وتخضع مياه نهر الفرات (الذي يمثل شريان سوريا المائي) منذ اندلاع الحرب في سوريا إلى مزاجية ومصالح تركيا التي تقوم بشكل متواتر بتخفيض نسب تدفق المياه نحو سوريا، الأمر الذي أدى قبل نحو عامين إلى انخفاض منسوب بحيرة الأسد المتشكلة خلف سد الفرات في محافظة الرقة أكثر من خمسة أمتار إثر تخفيض كميات المياه الواردة من تركيا لأكثر من نصف الكمية المعتادة، علماً أن تركيا تهرّبت أكثر من مرة من توقيع اتفاقية مع كل من سوريا والعراق وفق المعايير الدولية الناظمة للاستفادة من الأنهار الدولية، حيث تكتفي تركيا باعتماد اتفاق مؤقت تم توقيعه في العام 1987 يقضي بتمرير تركيا أكثر من 500 متر مكعب في الثانية تستفيد سوريا من نسبة 42% منها وتذهب الـ58% المتبقية إلى العراق، وهو ما قامت بخرقه عدة مرات، وصلت في بعض الأحيان إلى قطع مياه النهر كلياً لعدة أيام متتالية. ويعني ذلك، أن «شريان سوريا» وأحد أبرز موارد الأمن المائي السوري، سيبقى أسير المزاجية التركية، بانتظار تبلور التسويات السياسية بشأن الحرب.

المياه كسلاح!
وقد استخدمت مياه الشرب كسلاح في الحرب خلال السنوات الخمس الماضية على أكثر من جبهة قتال، فأصبح قطع مياه الشرب وسيلة إضافية في الحصار الذي يلحق الأذى بشكل رئيسي بالمدنيين، ومصدر دخل لبعض الجماعات المسلحة، وسوقاً جديدة تحوّلت فيها مياه الشرب إلى سلعة باهظة الثمن، إضافة إلى تحويل هذه القضية إلى وسيلة ابتزاز في حالات عدة.
وتقدر وزارة الموارد المائية الخسائر الناجمة عن الحرب حتى الآن بنحو 74 مليار ليرة سورية (يصعب تحديد قيمتها الفعلية بالدولار بدقّة لكونها قيمة تراكمية في ظل الارتفاع المتواصل لسعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، إلا أن القيمة بالتأكيد تتجاوز النصف مليار دولار). كما تم تسجيل مقتل نحو 250 عاملاً وعاملة في الوزارة تم تسجيلهم كـ «شهداء»، وتعرض أكثر من 60 عاملاً للإصابة، وخطف أكثر من 70 آخرين.
وتمثل مدينة حلب أحد أبرز الأمثلة على استعمال مياه الشرب كسلاح في الحرب، حيث تعرضت لانقطاعات طويلة ومتعددة في مياه الشرب منذ خروج الريف الشرقي للمدينة ومحطة سليمان الحلبي عن السيطرة وما تبعها من عمليات تفجير ضربت البنية التحتية لمياه الشرب، وأحكمت قبضة الفصائل «الجهادية» عموماً على المياه (داعش الذي يسيطر على مصادر مياه الشرب القادمة من الفرات وجبهة النصرة والفصائل التي تؤازرها التي تتحكم بالمضخات في المدينة).
وطيلة سنوات الحرب، استعملت كل من «النصرة» و «داعش» قدرتها على قطع مياه الشرب عن المدينة كوسيلة لتحقيق مكاسب ميدانية، وأخرى مادية، كما حصل مثلاً في العام 2014 عندما تم قطع التيار الكهربائي عن مدينة حلب وتوقيف عمل مضخات المياه في محطة سليمان الحلبي وما تبعها من صفقات استثمرتها «النصرة» في تحقيق مكاسب مادية كبيرة عن طريق الوقود الفائض الذي تم إرساله لتشغيل محطات التوليد وإعادة ضخ مياه الشرب.
مدينة دير الزور هي الأخرى تشكل مثالاً واضحاً على استعمال مياه الشرب كوسيلة لـ «إخضاع المدينة»، حيث تعاني المدينة القائمة على ضفاف نهر الفرات، أهم مصدر مائي في سوريا، من العطش الشديد منذ أن تمكن تنظيم «داعش» من إطباق الحصار على المدينة قبل أكثر من عام ونصف، وزادت سيطرة التنظيم على محطة «الباسل» في البغيلية مطلع العام الحالي. وتؤكد مصادر حكومية وعسكرية سورية أن التنظيم يسعى من خلال إطباق حصاره إلى «إخضاع المدينة»، خصوصاً مع فشل إرسال طواقم الصيانة إلى المحطة أمام منع مسلحي «داعش» هذه الطواقم من الوصول إلى مناطق الأعطال، لتبقى مدينة الفرات عطشى في ظل عدم وجود أية محطة تنقية، وضخ المياه لعدة ساعات فقط في الأسبوع بجهود حكومية لا تروي عطش المدينة.
حالة ثالثة تمثلها مدينة السلمية في ريف حماة لاستعمال مياه الشرب في عمليات الحصار، حيث تعاني المدينة منذ الشهور الأولى لاندلاع الحرب قبل أكثر من خمسة أعوام من انقطاع مياه الشرب انقطاعاً مطولاً ومزاجياً عن طريق استهداف شبكات المياه وتعطيلها، أو تعطيل محطة الضخ في القنطرة، الأمر الذي دفع إلى زيادة الاعتماد على المياه الجوفية، ووقعت عدة حالات تسمم جراء استهلاك مياه غير صالحة للشرب، إضافة إلى نمو أسواق جديدة لبيع المياه بأسعار كبيرة جداً في مختلف المواقع التي تتعرض للحصار.
المياه قبل الحرب
 قبل اندلاع الحرب السورية، ووفق إحصاءات وزارة الموارد المائيّة، كانت البنية التحتية للموارد المائيّة تغطّي احتياجات نحو 92 في المئة من سكّان سوريا، حيث كانت تمتلك الوزارة شبكة مياه على امتداد نحو 65 ألف كيلومتر، 165 محطة ووحدة تنقية. وكان متوسّط حصّة الفرد، 110 لترات يومياً، وعدد المشتركين في شبكة مياه الشرب 3.7 ملايين مشترك، ومتوسط حجم الاستثمارات في قطاع مياه الشرب 12 مليار ليرة سورية، بالإضافة إلى السدود، ومشاريع الري، وغيرها.
إلّا أنَّ الأضرار البالغة الناجمة عن الحرب، أضعفت قدرة مؤسّسات وزارة الموارد المائيّة على تلبية الطلب على المياه، كما تعثّر عدد كبير من المشاريع، وباتت عملية تعقيم المياه «مشكلة» بسبب صعوبة توفير مواد التعقيم بالتزامن مع تلوث المياه في عدة مناطق بسبب التسربات النفطيّة، أو الاستخراج البدائي للنفط وتكريره في المناطق التي تحتوي على آبار نفط وخرجت عن سيطرة الحكومة.
كما ازداد الفاقد المائي بسبب التعدّيات المتتالية على الشبكات، بالتزامن مع اختلالات ديموغرافيّة جديدة تعرّضت لها سوريا، أدَّت إلى تضاعف حجم الطلب في بعض المناطق الآمنة (الساحل ودمشق مثلاً). كما أثّرت الأضرار في شبكة الكهرباء، والانقطاع المتواصل في التيّار الكهربائي وصعوبة توفير الوقود، إلى تعثّر عمليّات تشغيل مضخّات المياه بالشكل المطلوب لتلافي هذه الاختلالات.

 

علاء حلبي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...