المستفيدون من أموال مكافحة الإرهاب
الجمل : لدينا في أمريكا مركز مكافحة الإرهاب القومي، ومدير المخابرات القومية، اللذان يتمتعان بصلاحيات هائلة غير مسبوقة، على النحو الذي جعل مركز متابعة ورصد الإرهاب، التابع لجهاز التحقيقات الفيدرالي (FBI)، يتمتع بصلاحيات تتجاوز نطاق وصلاحيات سلطة القانون الأمريكي.
كذلك لدينا قوة المهام الخاصة المشتركة، التابعة لوكالة المخابرات المركزية (CIA)، والتي تختص بمكافحة الإرهاب وأنشطة مكافحة التجسس بوزارة الدفاع الأمريكية، إضافة إلى إدارة الأمن الداخلي، والقسم العسكري في القيادة العسكرية الأمريكية الشمالية.
كل هذا غير كاف، فمن أجل معالجة تسرب المعلومات، أصدرت الإدارة الأمريكية قانون (الولاء الوطني)، الذي استثنى أجهزة المخابرات الأمريكية من نطاق التقاضي وسلطة القانون. وبعد الحادي عشر من أيلول، بررت الحكومة الأمريكية – أو بالأحرى قدمت ما يشبه التبرير، لأن الحكومة الأمريكية أصبحت تعتمد على الافتراض كأساس لإصدار القرارات – بأن العلاقة بين أجهزة المخابرات الأمريكية من جهة، وسلطة تنفيذ القانون الملقاة على عاتق هذه الأجهزة من جهة أخرى، ليست وثيقة، طالما أن المخاطر بدأت تظهر، وتتبلور فيما بعد، لأن ذلك يتعلق بالمخاوف التي تعتري الشعب الأميركي. فمن الواجب أن تكون الحكومة الأمريكية أكثر استعداداً وحيطة، ولن يتم ذلك إلا بالعمل للحصول على المزيد من المعلومات الكافية.. ومن أجل ذلك، لا بد من إقامة "نظام جديد" يتيح لكل الوكالات الحكومية الأمريكية الحصول على ما تريد، ويوفر عليها السعي بحثاً عن المزيد من المعلومات، إضافة إلى أن هذا "النظام" يجعل من الصعب جداً على أي عمل إرهابي القيام باختراق ما.
ثارت ثائرتي، حين رأيت قائداً عسكرياً أمريكياً كبيراً، يقوم بترتيب الأمور المتعلقة بتنفيذ مدفوعات مالية لشركة أمريكية خاصة، وذلك من أجل الحصول على بعض المعدات الخاصة بالإنذار المضاد للعمليات الإرهابية. وقد وزعت قيادة القوات الجوية الأمريكية (وقيادتها الرئيسية في ولاية كولورادو) طلباً تمنت فيه تقديم وإجراء (بحوث حول خطر الإرهاب). وقد ذكرت في طلبها هذا بأنها قد خططت وأقامت قاعدة بيانات تخص الإرهاب، وذلك على النحو الذي يجعلها قادرة على استلام التحذيرات والإنذارات في الوقت المناسب عن طريق أحدث أجهزة الاتصالات الالكترونية.
حصلت شركة إنتيل سنتر (Intel Center) - وهي شركة صغيرة بدأت تنمو ويشتد عودها منذ مطلع التسعينات من القرن العشرين- على عقود تتعلق بتقديم الأجهزة المتخصصة في مجالات مكافحة الإرهاب. كذلك يشير موقع هذه الشركة على الشبكة بأن قاعدة زبائنها الرئيسيين تضم: الوكالات الأمريكية المتخصصة بالشؤون العسكرية والمخابراتية والقانونية، ومثيلاتها في البلدان الأخرى الحليفة للولايات المتحدة.
حالياً، ترغب قيادة القوات الفضائية الأمريكية بمنح شركة إنتيل سنتر عشرين ترخيصاً رسمياً عن طريق الحكومة الأمريكية، تشرف بواسطتها هذه الشركة على قاعدة البيانات، وتقوم بتقديم التحذيرات كل أسبوع عن طريق البريد الإلكتروني للجهات الرسمية في أمريكا، إضافة إلى التحذيرات الاستثنائية العاجلة، عندما يكون ذلك ضرورياً، بحيث تغطي هذه الإنذارات كل "عناصر الإرهاب في العالم": الأفراد، الجماعات، والأنشطة، وعمليات التفجير، والاغتيال، والتهديدات، والجوانب التنظيمية داخل المنظمات والجماعات الإرهابية.
كذلك سوف تقوم هذه الشركة الصغيرة بتقديم تقارير عن التطورات الهامة، التي تشكل موضع اهتمام "الوكالات الأمريكية" في سائر أنحاء العالم، بما في ذلك الجوانب العملياتية، والتطورات المؤسسية والتنظيمية، والمبادرات وعمليات التجسس، والتكنولوجيات الجديدة، إضافة إلى كل المسائل الأخرى ذات العلاقة.
وأخيراً، سوف تحصل هذه الشركة الصغيرة، على كل مادة البث المباشر للبيانات والتصريحات والفتاوى وكل ما تقوم به المنظمات والجماعات والأفراد الناشطين في مجال الإرهاب والتطرف والتمرد، عبر بثه مباشرة من المصدر الأصلي.
إن ثمة تساؤلاً مباشراً يقفز إلى الذهن: ألا تكفي كل قيادات "الحرب طويلة الأمد" الجديدة هذه، إضافة إلى وكالات المخابرات التي سميت في أمريكا بقواعد البيانات و"حقول البيانات الملغومة"، حتى تعطى هذه الشركة ترسانة من الصلاحيات اللازمة للقيام بمهامها الجديدة "المفترضة"؟؟
إذا اعتبرنا أن ما سوف تدفعه الحكومة الأمريكية لهذه الشركة مقابل هذا العمل، يمكن أن يكون فقط ضمن هذه الحدود.. لكن هناك الكثير جداً من عمليات الشراء التي نفذتها الوكالات والقيادات العسكرية الأمريكية مع هذه الشركة "الصغيرة". لذا فالأمر بالنسبة لكل من يفهم، أو يحاول أن يفهم، يشير بوضوح إلى أننا في أمريكا نعاني من "أزمة تعاقدات" أو بالأحرى "كارثة تعاقدات" وبالذات في الأمور ذات الصلة بالأمن القومي الأمريكي.. إضافة إلى وجود أنواع من "المتعاقدين" الذين يعملون بنفس الطريقة التي يعمل بها "المتوحشون" الذين ينقبون حالياً في ثروات العراق والشرق الأوسط، وذلك على خلفية تبرير الإدارة الأمريكية بأن هذه التعاقدات ضرورية جداً، بسبب ارتباطها بالمهمة الأساسية والجوهرية التي تقوم بها القيادات العسكرية والمخابراتية الأمريكية "لحماية الأمن القومي الأمريكي"، على نحو أصبح فيه المطلوب حالياً في أمريكا: سلطة أكبر وأموالاً أكثر لشركة إنتيل سنتر "الصغيرة"، وهذا ما يجعل من (تنظيم القاعدة) مجالاً مربحاً "للبيزنس" والاستثمار لأصحاب العمل "ورجال الأعمال".
وعلى خلفية كل ذلك، علينا أن نتساءل: ماذا يفعل مئات الآلاف من العاملين في "الوكالات" الحكومية الأمريكية، علماً بأن الحكومة الأمريكية تدفع بشكل مباشر لهذه الوكالات 40 مليار دولار، بينما هناك شركة "صغيرة" توفر كل ذلك؟
الجمل : قسم الترجمة
الكاتب: وليم اركين
المصدر: الواشنطن بوست
إضافة تعليق جديد