الليث حجو: أغلب المشاهد الخارجية في "الانتظار" صورتها بكاميرا مخفية
مع مسلسل «بقعة ضوء» بدأ الليث حجو ببلورة هوية اخراجية تقوم على الصدق في طرح إشكالات الواقع السوري, وتابعها بعد ذلك في «عالمكشوف» و«خلف القضبان» و«ما في أمل» و«أهل الغرام».
وفي مسلسله الجديد «الانتظار» الذي احتكرت بثه الأرضية السورية خلال شهر رمضان, أغنى المخرج هويته بالغوص في هموم الأحياء العشوائية التي انتشرت في ضواحي العاصمة دمشق من دون رقيب او سند قانوني, وأفرزت مجموعة من العلاقات والسلوكيات والقيم هي بدورها خارجة على القانون.
وقبل هذا وذاك, كان المخرج الليث حجو قد عمل في أوائل التسعينيات في مجال الاعلانات المتلفزة, ثم الفيديو كليب, وانتقل إلى العمل كمساعد مخرج. حول التجارب المتنوعة التي خاضها كان لنا معه هذا الحوار:
€ ذكرت في حوار سابق معك انك قضيت طفولتك في كواليس المسرح برفقة والدك الفنان عمر حجو, فما هي اللحظات التي ما زالت محفورة في ذاكرتك؟
كان والدي عضوا من أعضاء «فرقة تشرين», وكنت دوما برفقته, أتأملهم كيف كانوا ينجزون عروضهم: «ضيعة تشرين» و«كاسك يا وطن» وأثناء العرض, كنت أقف في الكواليس وأشاهدهم كيف يقفون على الخشبة في مواجهة الجمهور ويؤدون أدوارهم. كانت لحظات في غاية الحميمية والتشويق بالنسبة الي, وكان عرض المسرحية الواحدة يستمر حوالى الخمس سنوات, كما كانت العروض تجول في المحافظات والدول المجاورة, فكنت أحفظ الحوارات, والمواقف الكوميدية, وكان هاجسي بعد ذلك أن أراقب كيف يتابع الجمهور العرض, وكيف يتفاعل معه, وما الذي يضحكه وما الذي يؤاسيه. تأثرت بفريق العمل وكيف كانوا يبنون الديكور بأيديهم, ويعملون على النص, وكنت أراهم من وراء الكواليس من دون لحظة راحة أو تأخير, كما كنت ارى حالة الحب السائدة من أجل نجاح هذا المشروع الفني. وبعد انتهاء كل عرض كانوا يجتمعون ويقيّمون جهدهم, تعلمت منهم الكثير... تعلمت أن أعطي كل ما أملك لعملي, وتعلمت ان أراقب جيدا ردود افعال المتلقين.
€ وهل كان لوالدك أثره الخاص في مشروعك الفني؟
تأثرت بشكل غير مباشر في حماسته وتفانيه من أجل مشروعه الفني... تأثرت في ذهنه اليقظ لالتقاط أي فكرة أو مشهد او تفصيل من حياتنا اليومية يمكن ان يخدم مشروعه. وقد اكتشفت بعد ان انتهيت من إخراج الجزء الاول من «بقعة ضوء» أن هذا المسلسل يشبه إلى حد كبير «مسرح الشوك» من دون ان يكون ذلك مقصودا, فتلك اللوحات الانتقادية هي لوحات ذلك المسرح, لكن في زمن آخر هو زمننا.
€ في بداية مشوارك المهني, خضت تجربة الاعلانات المتلفزة والمعروف ان الاعلان عرضه تجاري, في حين ان الدراما غرضها فني ثقافي, فكيف تفسر هذه المفارقة؟ وهل استفدت من هذه التجربة في اغناء مشروعك الاخراجي؟
الاعلان فن قائم بذاته حتى وإن كان الهدف النهائي منه تجاري ربحي, فهو شكل فني لهذه السلعة او تلك, وهو لحظة تركيز كثيفة لمعلومات كثيرة وهدف محدد في أقل زمن ممكن, والتركيز على التفاصيل مع الاختزال... انه معادلة صعبة جدا.
ويروي متذكراً: في التسعينيات, انتشرت ظاهرة الاعلانات, ولفتت نظري, فدخلت هذا العالم من باب الهواية والتجريب, لكنني أحببت هذا الفن كثيرا, وكانت غايتي من دخول حقل الدراما فيما بعد, هي أن أطور أدواتي في حقل الاعلان, فالاعلان كان وما زال مشروعي, ولا أعتبر أن الاعلان هو أقل قيمة من الدراما, طبعا إذا كان اعلانا محترما وأنيقا.
€ أيضا خضت تجربة الفيديو كليب, ولك كليب «ما بقاش انا» مع أصالة نصري الذي اشتهر عربيا.
الفيديو كليب ليس عملا عشوائيا كما يعتقد البعض, انه فن قائم بذاته, ويحتاج إلى جهد كبير ودراسة دقيقة. إنه تركيز لتفاصيل قصة يجب ان نختصرها في أربع دقائق. وتجربتي في هذا المجال محدودة جدا, أما بالنسبة الى كليب «ما بقاش انا» فقد نُفذ في ظرف انتاجي غير متكافئ مع الظروف الانتاجية التي تنفذ من خلالها عادة الفيديو كليبات والتي تحتاج إلى ملايين الليرات, ومع ذلك فقد اخذ الكليب سمعة طيبة حتى في الفضائية المصرية.
€ اشتغلت كمساعد مخرج مع هيثم حقي وحاتم علي, فماذا علمتك هذه التجربة؟
هي المدرسة التي بدأت أتلمس من خلالها مفاتيح فن الاخراج, فمع هيثم حقي في «الثريا» و«خان الحرير» أغرتني فكرة اخراج الدراما وتعلمت فن التعامل مع الممثل والاقتراب من الواقع, ومع حاتم علي تعلمت ان أبحث في كل تجربة عن شيء جديد.
€ من «بقعة ضوء» انطلقت نحو الاخراج التلفزيوني. فماذا تحدثنا عن هذه المغامرة الاولى التي تميزت حينها بجرأة انتقادية عالية؟
في كل عمل جديد أدخله, لا أعتبره خلاصة ما توصلت إليه, بل تجربة جديدة اختبر من خلالها امكاناتي ومعلوماتي. فبعد ان أنهيت اخراج «بقعة ضوء» اشتغلت مساعد مخرج مع مأمون البني في «مرايا». وفي «بقعة ضوء» اختبرت نفسي, ولم أوفر أي جهد يساعد في انجاح المسلسل, قدمت كل ما استطعت بدءا من اختيار النصوص وحتى آخر العمليات الفنية, وكان تأثير «مرايا» فيّ واضحا... أنا أحب هذا النوع من الدراما, وأعتقد أن مخزون مشاعري تجاهها قد ظهر جليا, خصوصا ان العمل لاقى قبولا جماهيريا طيبا.
€ من يتابع مسيرتك الاخراجية يلاحظ أنك تعمل على النصوص التي تثير اشكالات اجتماعية حقيقية, فهل أنت من ينتقي النصوص, أم أنها توكل إليك من قبل الشركة المنتجة؟
النصوص تُقدّم عادة الى الشركات المنتجة, والشركات تقترح عليّ بعضها, وأنا, إما أقبلها أو أرفضها, وأعترف أن أصعب وأطول مرحلة تواجهني خلال العام هي مرحلة اختيار النص الذي سوف أخرجه, فأنا لا يعنيني أبدا أن أقدم دراما بلا مشكلة حقيقية, حتى وإن كانت جميلة من ناحية الشكل الفني, وهذا أمر سبب لي اشكالات كثيرة مع مؤلفي السيناريو, حيث ان بعضهم اتهمني أنني أرفض نصوصهم لعدم فهمها أو لأسباب شخصية! على سبيل المثال قدم الصحفي يعرب عيسى نصوصاً لم تعجبني لـ«بقعة ضوء» وحين رفضتها كتب في جريدة «الثورة» بمناسبة رحيل ممدوح عدوان, ما معناه أنه «انتهى زمن ممدوح عدوان, وجاء زمن يرفض فيه الليث حجو النصوص الجيدة»! كذلك, أُثيرت مشاكل كثيرة بيني وبين هاني السعدي لأنني لم ألتزم تماما بنصه «خلف القضبان» وأنا أعترف أنني تدخلت في النص كثيرا لدرجة أنه لم يعد يشبه الأصل.
€ في مسلسلك الأخير «الانتظار», عالم شائك لم تدخله كاميرا التلفزيون بعد, أعني عالم السكن العشوائي. فماذا تقول في النص وفي ظروف تصويره؟
«الانتظار» هو المسلسل الوحيد الذي قدمه إلي مباشرة مؤلفاه حسن سامي يوسف ونجيب نصير, وأنا اقترحته على الجهة المنتجة ووافقت عليه... فعلت ذلك ليس لأن كاميرا التلفزيون لم تدخل هذه العوالم, فهناك أعمال سابقة قدمت هذه البيئة مثل «بكره أحلى» و«الأيام الحلوة», لكنني في هذا النص, وجدت مادة أكثر اتساعا وأكثر شمولية وتخصصية, عن اشكالات الأحياء العشوائية, فكانت فرصة لأن يكون تعاملي معها من منظور أوسع ودقة أكبر, وكان همي نقل تفاصيل هذه البيئة بكل أمانة وواقعية, وبشكل درامي وفني مناسب, كان هاجسي الأساسي هو البيئة بحد ذاتها, ولذلك كانت ظروف التصوير صعبة, فقد حاولت أن يكون كل شيء أقرب ما يكون إلى الحقيقة... قبل بدء تصوير المسلسل بشهرين تجولت في أمكنة السكن العشوائي, وصورت الحارات والبشر وأنواع من المهن لا تخطر على بال أحد, ووضعت كل ذلك كمادة أرشيفية, وهي مادة أسوأ بكثير مما رآه المشاهد في المسلسل... وحين دارت الكاميرا, وفي كثير من المشاهد, كنت أزج بالممثلين وسط أمكنة حقيقية وبشر حقيقيين, وأضع الكاميرا في مكان بعيد, وبواسطة الزوم, كنت أدخل المكان. مثلا, في الحلقة الثامنة, مشهد الأولاد الذين يلعبون الكرة وسط «المزابل» وبجانب الشاحنات التي تعبر الشارع, وهذا مشهد حقيقي صورته في ساحة حقيقية بـ«دوار الكبّاس»... ومشهد حادث الميكروباص الذي أودى بحياة الاطفال صورته في مكان واقعي, وردود فعل المارة على الحادث لم تكن ردود كومبارس وإنما كانت ردود فعل بشر حقيقيين مروا بالمصادفة بجانب مكان التصوير, واعتقدوا ان الحادث حقيقي. أي مشهد كنت أستطيع فيه أن التقط صورا حية, كنت أفعل ذلك بكاميرا مخفية عن الناس, وأغلب المشاهد التي صورت فيه في الطرقات والساحات العامة هي مشاهد حية, وأعتقد ان أي كومبارس ما كان بإمكانه أن يقوم بردود الأفعال التي التقطتها حية من أناس موجودين على أرض الواقع.
€ هذا يعني أن امكانات الارتجال كانت متاحة بشكل واسع أمام الممثلين أثناء التصوير؟
هذا صحيح... فعلى سبيل المثال, في مشهد «سوق الحرامية», حين نزل الفنان تيم حسن وسط الباعة ووضع بضاعته بينهم من دون أن يعرفوه, كنت أنوي فقط ان أصور حركة السوق, لكن في لحظة ما قرر تيم ان يقول «دورية اهربوا» فتراكض الباعة وأخلوا المكان, وكانت الجملة من ارتجال «تيم», وكل المشهد كان مرتجلا وحقيقيا.
€ في الواقع أن جهد الممثلين في هذا المسلسل كان محط اعجاب الجمهور, فكيف توصلتم إلى صيغة تلك النماذج البشرية المميزة؟
حين اخترت الممثلين, اخترتهم لإمكاناتهم الكبيرة وقدرتهم على خلق شخصيات مختلفة, والعلاقة الطيبة التي سادت بيننا, والمجال الواسع للنقاشات, والاقتراحات الدائمة مع الرقابة, أوصلتنا إلى نتيجة جيدة اغنت العمل ككل.
تهامة الجندي
المصدر: الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد