اللجنة العربية تُسقط من بيانها ذكر «الجماعات المسلحة»
ما الذي جرى في اجتماع اللجنة الوزارية العربية المكلفة بالأزمة السورية في القاهرة امس؟ وما هي حقيقة البيان الصادر عن الاجتماع الذي وزع على وسائل الاعلام وفيه قدر من الموضوعية والحياد وتوزيع المسؤولية على السلطات السورية والمعارضة و«الجماعات المسلحة» التي تمت الاشارة اليها بالاسم، والذي تبين في وقت لاحق انه مغاير للنص الذي وضع على موقع الجامعة العربية، والذي يلقي بالمسؤولية عن نجاح مهمة المراقبة العربية على الحكومة السورية وحدها، ويلوح بوقف هذه المهمة عند انتهائها في 19 كانون الثاني الحالي.
في هذا الوقت، ذكرت وكالة الأنباء السورية (سانا) ان وزير الدفاع السوري العماد داود راجحة زار حاملة الطائرات الروسية «الأميرال كوزنيتسوف» التي وصلت مساء أول امس مع مجموعتها المقاتلة الى مرفأ طرطوس، واطلع على أقسامها واستمع إلى شرح مفصل عن طبيعة المهام التي تنفذها ونوعية السلاح الذي تحمله. وأكد راجحة «على التاريخ العريق للأسطول الروسي والعلاقات التاريخية الروسية ـ السورية القائمة على التعاون والاحترام المتبادل، ودور هذه العلاقات في خدمة السلم والأمن وتعزيزهما في المنطقة والعالم». ونوه «بمواقف روسيا المشرفة إلى جانب سوريا في هذه المرحلة»، مؤكدا «ثقته بصلابة هذه المواقف في وجه المؤامرة التي تتعرض لها سوريا».
بدوره أكد السفير الروسي في دمشق عظـمة الله كـولمحمدوف أن «زيارة حاملة الطائرات الروسية إلى سوريا دليل على عمق الصداقة والتعاون الذي يربط بين البلدين، وتأكيد على الرغبة المشتركة لتطوير التعاون المثمر بينهما في المجالات كافة». وأضاف إن «هذه الزيارة دليل آخر على اهتمام روسيا بما يجري في سوريا، فالاتحاد الروسي يهتم جداً بأن تعود الأجواء الطبيعية إلى سوريا من خلال تحقيق تطلعات الشعب السوري في ما يخص الديموقراطية والحياة الأفضل، والاتحاد الروسي يؤيد هذه التطلعات ويرى ضرورة تحقيقها من خلال الحوار الشامل وتحقيق برنامج الإصلاحات الشاملة الذي تقدمت به القيادة السورية، وكذلك من خلال وقف العنف من أي طرف كان بعيداً عن أي تدخل خارجي».
وفي ختام اجتماع اللجنة الوزارية، في القاهرة، تداولت وسائل الاعلام بياناً جاء فيه ان اللجنة «قررت منح البعثة الحيز الزمني الكافي لاستكمال مهمتها وفقاً لأحكام البروتوكول على أن يقدم رئيس البعثة تقريره في نهاية الشهر الأول من مهمة البعثة إلى الأمين العام للجامعة العربية تمهيداً لعرضه على اللجنة». ودعت اللجنة حسب البيان»الحكومة السورية ومختلف الجماعات المسلحة للوقف الفوري لجميع أعمال العنف وعدم التعرض للتظاهرات السلمية لإنجاح مهمة البعثة». وأشادت اللجنة في بيانها «بالجهود المقدرة والعمل الميداني الذي تقوم به البعثة في سوريا في ظروف صعبة ووسط مخاطر جمة، كما نوهت بدقة المعلومات التي قدمها رئيس البعثة وما اتسم به عرضه من موضوعية وحيادية».
لكن البيان الختامي، الذي نشر على موقع الجامعة جاء مغايراً في نقاط عديدة. وقال «تدارست اللجنة الوزارية العربية العرض الذي قدمه رئيس البعثة الفريق محمد أحمد مصطفى الدابي عن مهمة المراقبين في سوريا وفقاً للمهام الموكلة إليها بموجب البروتوكول الموقع عليه بين الجمهورية العربية السورية والأمانة العامة في 19 كانون الاول».
وأضاف «بعد الاستماع إلى مداخلات رئيس اللجنة والأمين العام (نبيل العربي) ومناقشات رؤساء الوفود، أشادت اللجنة الوزارية بالجهود المقدرة والعمل الميداني الذي تقوم به بعثة مراقبي جامعة الدول العربية في سوريا في ظروف صعبة، ووسط مخاطر جمة. كما نوهت بالعرض الذي قدمه رئيس البعثة. وأعربت اللجنة عن إدانتها الشديدة للتفجيرات التي وقعت في دمشق أياً كان مرتكبوها، ولكل أعمال العنف والقتل الموجهة ضد المواطنين السوريين».
وشددت اللجنة الوزارية على «دعوة الحكومة السورية إلى التقيد بالتنفيذ الفوري والكامل لجميع تعهداتها إنفاذاً للبروتوكول الموقع في هذا الشأن، وبما يضمن توفير الحماية للمدنيين السوريين، وعدم التعرض للتظاهرات السلمية وإنجاح مهمة بعثة مراقبي جامعة الدول العربية إلى سوريا، مع الأخذ في الاعتبار التقدم الجزئي في تنفيذ بعض الالتزامات التي تعهدت بها الحكومة السورية بموجب خطة العمل العربية. ودعم بعثة المراقبين بمزيد من الأفراد والمعدات لأداء مهامها على أكمل وجه».
وأكدت اللجنة أن «استمرارية عمل البعثة مرهون بتنفيذ الحكومة السورية الكامل والفوري لتعهداتها التي التزمت بها بموجب خطة العمل العربية، وإلا أصبح وجودها لا يخدم الغرض الذي أنشئت من أجله». ودعت «الأمين العام للجامعة لمواصلة التنسيق مع السكرتير العام للأمم المتحدة (بان كي مون) من أجل تعزيز القدرات الفنية لبعثة مراقبي جامعة الدول العربية في سوريا».
وأضاف البيان «يقدم رئيس البعثة تقريراً شاملاً في كانون الثاني إلى الأمين العام عن مدى التزام الحكومة السورية بتنفيذ تعهداتها بموجب خطة العمل العربية التي نصت على وقف كافة أعمال العنف من أي مصدر كان حماية للمواطنين السوريين، والإفراج عن المعتقلين بسبب الأحداث الراهنة، وإخلاء المدن والأحياء السكنية من جميع المظاهر المسلحة، وفتح المجال أمام منظمات جامعة الدول العربية المعنية ووسائل الإعلام العربية والدولية للتنقل بحرية في جميع أنحاء سوريا للإطلاع على حقيقة الأوضاع ورصد ما يدور فيها من أحداث».
وطالبت اللجنة الوزارية العربية «كافة أطراف المعارضة السورية تكثيف جهودها لتقديم مرئياتها السياسية للمرحلة المقبلة في سوريا، ودعوة الأمين العام إلى عقد اجتماع تحضيري للمعارضة السورية، وذلك تنفيذاً لقرار مجلس الجامعة الوزاري الصادر في 24 تشرين الثاني الذي دعا الحكومة وأطراف المعارضة السورية إلى عقد مؤتمر للحوار الوطني وفقاً لما تضمنته المبادرة العربية لحل الأزمة في سوريا بهدف الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية لتسيير المرحلة الانتقالية».
وأوصت اللجنة الوزارية، في بيان آخر، «بحث الدول الأعضاء على الإسراع في دفع مساهماتها المالية المخصصة لتمويل الأنشطة الخاصة بتنفيذ خطة العمل العربية، والتوصية برفع المبلغ المخصص لتلك الأنشطة من مليون دولار إلى خمسة ملايين دولار أميركي قابلة للزيادة وفقاً لظروف ومتطلبات عمل بعثة المراقبين».
وكان المراقبون، الذين اقرت مهمتهم في 19 كانون الأول الماضي، قد بدأوا عملهم في دمشق في 26 من الشهر نفسه، بينما وصل آخر وفود المراقبين أول امس قادماً من الاردن لمراقبة تطبيق الخطة العربية للخروج من الازمة التي تنص على وقف العنف.
وقال مصدر دبلوماسي عربي، اطلع على التقرير الذي قدمه الدابي الى اللجنة العربية لوكالة «فرانس برس»، ان التقرير يدعو الى مواصلة عمل البعثة ويشير الى «مضايقات» حصلت من قبل النظام والمعارضة على حد سواء.
وجاء في التقرير ان مراقبي البعثة «تجولوا في معظم المناطق السورية وأن هناك مضايقات تعرضوا لها من قبل الحكومة السورية ومن قبل المعارضة وأن كل طرف يريد ان يقنع البعثة بأنه على حق وأن هناك انتهاكات من الطرف الآخر»، مشيراً الى «ان هناك صوراً لآليات عسكرية على اطراف المدن ولتظاهرات يطلق فيها الرصاص، إضافة الى صور لقتلى وانتهاكات مستمرة في مجال حقوق الانسان».
ونقل المصدر عن التقرير انه «تم رصد وجود آليات عسكرية في معظم المدن التي زارها المراقبون وأن المظاهر المسلحة لا تزال موجودة كما ان القتل لا يزال موجودا، وأن افراداً في البعثة رصدوا وجود قتلى في الشارع تتهم الحكومة المعارضة بقتلهم، في حين ان المعارضة تحمل القوات السورية مسؤولية قتلهم خلال التظاهرات». وأضاف ان «هناك معتقلين لم تفصح الحكومة عن مكان اعتقالهم وهل هم أحياء أم أموات، كما ان الحكومة ابلغت البعثة بالإفراج عن 3484 شخصاً، ولكن لم يتسن للبعثة التحقق مما اذا كانوا معتقلين سياسيين ام من مرتكبي جرائم جنائية». وأشار الى «تضييق على وسائل الاعلام، خاصة المصنفة انها ضد النظام، والمنع شمل ثلاث فضائيات».
وتابع «ينصح التقرير باستمرار عمل البعثة مع تزويدها بعدد كاف من المراقبين والاستعانة بأجهزة تكنولوجية حديثة للقيام بمهمتهم بنجاح». ويطلب من «المعارضة والحكومة ترك البعثة تتحرك بلا وصاية وهي كفيلة برصد كل شيء بمنتهى الحيادية والشفافية».
وقال نائب الامين العام للجامعة العربية السفير أحمد بن حلي، قبيل الاجتماع، إن تقرير المراقبين «يشتمل على صور وخرائط ومعلومات شاملة عن الاحداث التي شاهدها المراقبون على ارض الواقع من اجل إبراز نتائج مهمتهم هناك، الى جانب تقييم الوضع في سوريا والخطوات التي يمكن اتخاذها خلال الفترة المقبلة». وشدد على «ضرورة إعطاء الفرصة الكاملة للمراقبين وتعزيز دورهم من خلال زيادة عددهم ومعداتهم»، داعياً الى «عدم استباق الاحداث».
من جانبه، أكد رئيس غرفة عمليات بعثة المراقبين عدنان عيسى الخضير ان «عدد عناصر البعثة الآن في سوريا بلغ 168 مراقباً وهي مستمرة في عملها وتأدية مهامها بموجب البروتوكول الموقع مع الحكومة السورية في هذا الشأن». وأكد، في بيان، ان «موضوع سحب المراقبين غير مطروح على اجندة الاجتماع الوزاري العربي لأن موضوع سحب المراقبين هو امر يقرره مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية كونه الجهة التي أقرت هذا البروتوكول».
مؤتمر صحافي لحمد والعربي
وكرر رئيس الحكومة وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، في مؤتمر صحافي مع العربي، أن «استمرارية عمل البعثة العربية في سوريا مرهون بتنفيذ الحكومة السورية الكامل والفوري لتعهداتها التي التزمت بها بموجب خطة العمل العربية، وإلا أصبح وجودها لا يخدم الغرض الذي انشئت من أجله».
وقال إن «الدابي سيقدم تقريراً شاملاً في 19 كانون الثاني الحالي عن مدى التزام الحكومة السورية بتنفيذ تعهداتها بموجب خطة العمل العربية»، موضحاً أنه «سيتم عقد اجتماع للجنة ومجلس وزراء الخارجية لمناقشة هذا التقرير في 19 أو 20 الحالي». وأضاف «لن نعطي مزيداً من المهل، أول تقرير يأتي إلينا ولم يحدث موقفاً سيكون لدينا موقف». وتابع «إننا نتعامل بحرص شديد وبعاطفة لأن أي دم يسفك في دولة عربية عزيز علينا. ما زلنا نأمل أن تتمكن البعثة العربية من أن توفق في عملها». وتابع «للمرة الاولى تكون بعثة عربية من هذا النوع لمراقبة وضع في دولة عربية، ونجاحها مهم جداً، وهذا يتوقف على الحكومة السورية، من خلال وقف القتل وسحب الآليات من المدن والسماح للإعلام بالعمل والدخول الى الأراضي السورية».
وشدد حمد على أن «البعثة لن تستمر للأبد، إلا أننا حريصون على أن تنجح في مهمتها». وأوضح أنه «لم يتم الاتفاق على إرسال أفراد من الامم المتحدة إلى سوريا بل تم الاتفاق على أن توفر الأمم المتحدة تدريباً للبعثة العربية».
وحول انتقاداته للبعثة العربية، قال حمد «التصريح لم ينقل بالكامل، فأنا قلت هذه أول بعثة عربية من هذا النوع والخبرات تنقصنا، وهناك أخطاء في عمل اللجنة. ولقد تكلمنا في الاجتماع عن بعض الأخطاء، لأن البعثة مهمتها مراقبة وقف الحكومة السورية والتزامها بتعهداتها. لا نريد للبعثة التحول إلى قضايا إنسانية وإطلاق معتقلين بل التركيز على مراقبة وقف إطلاق النار زيارة السجون والمستشفيات ورصد سحب الآليات من المدن والأحياء».
ولفت حمد، الذي انتقل من القاهرة الى نيويورك، الى أن «مجلس الامن يمكن أن يصدر قراراً من دون إحالة الملف من قبل العرب. وقال «كثر يروجون اننا نسعى لإحالة الملف إلى مجلس الامن، ولكن الحقيقة أننا ندفع سوريا للالتزام».
من جانبه، قال العربي إن «الدابي لم يقدم تقريراً رسمياً للجنة بل ملاحظات». ودعا «المعارضة السورية لتقديم رؤيتها للمرحلة المقبلة»، مشيراً إلى «وقوع خلافات بين أطرافها في هذا الشأن»، رافضاً «ما يقال عن تواطؤ الجامعة العربية مع الحكومة السورية، وعندما نلتقي المعارضة لا يقولون شيئا ضد الجامعة العربية ولكن يريدون إحالة القضية لمجلس الأمن». وأضاف «لا يوجد دولة في العالم مستعدة لاستخدام القوة، والدول العربية حريصة على حل الأزمة في إطار عربي».
ورداً على تصريحات الشيخ حمد وقوله «أنادي الحكومة السورية بوقف القتل ووقف الاعتقال»، مضيفاً «نرجو ان يكون للقيادة السورية قرار تاريخي تلبية لتطلعات الشعب السوري»، اعتبر السفير السوري لدى القاهرة ومندوبها الدائم لدى الجامعة العربية يوسف احمد أن «المسؤول القطري عكس موقفاً مسبقاً ومنحازاً لبلاده من الأزمة في سوريا لا يتناسق مع موقعها كرئيس للمجلس الوزاري العربي وللجنة الوزارية العربية المعنية بالأوضاع في سوريا».
واعتبر «أن رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها وضع نفسه وبلاده في موقف حرج حين حاول أن يتحدث باسم الشعب السوري، رغم أنه يعلم تمام العلم موقف الأغلبية الساحقة من الشعب السوري الرافض للتدخل الخارجي في شؤون سوريا والرافض للدور السلبي وغير البناء الذي يلعبه الشيخ حمد بن جاسم شخصياً ورسمياً باسم دولة قطر في الأزمة التي تشهدها سوريا من خلال ممارسة التصعيد السياسي والإعلامي ضد سوريا والتناغم مع مواقف بعض الاطراف التي تسعى إلى استدعاء التدخل الخارجي في الشأن السوري بأي ثمن، حتى لو كان على حساب الدم السوري، إضافة إلى ذهابه بعيداً في مسألة فرض العقوبات الاقتصادية العربية على سوريا، وهي العقوبات التي تركت أثراً سلبياً مباشراً على حياة ومعيشة وغذاء ودواء الشعب السوري الذي يحاول بن جاسم الحديث باسمه اليوم».
وطلب أحمد «من المسؤول القطري بيان أي جهة من الشعب السوري قد منحته تفويضاً للحديث باسمها أو الدفاع عنها»، مؤكداً أنه «لو علم الشيخ حمد بن جاسم الموقف الحقيقي للأغلبية الساحقة من الشعب السوري تجاه الدور السلبي الذي يلعبه في الأزمة التي تشهدها سوريا لنأى بنفسه بعيداً عن إطلاق مثل هذه التصريحات، وامتنع عن التدخل غير البناء في الشأن السوري الداخلي، طالما أنه لم يعد قادراً أو راغباً في اتخاذ مواقف إيجابية تعكس رغبة عربية حقيقية في مساعدة سوريا وشعبها على الخروج من هذه الأزمة».
وشيعت السلطات السورية في موكب رسمي وشعبي كبير في دمشق السبت جثامين الضحايا الـ26 الذين سقطوا الجمعة في تفجير انتحاري استهدف حي الميدان بوسط العاصمة. وتعهدت وزارة الداخلية السورية بالرد بيد من حديد على تصعيد الهجمات الإرهابية.
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد