الكنيسة جسر للحوار في سوريا
تأثرت الكنيسة، منذ بداية نشأتها، بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في سوريا.
ومع دخول البلاد أزمتها الأخيرة كان للكنيسة مواقف متنوعة، من رأي السلطة، المتمثلة بالكراسي البطريركية الثلاثة في دمشق، وأراء المسيحيين التي قد تتفق أو تختلف مع وجهة نظر «السلطات الروحية» ودورها.
ويقول مصدر كنسي، إن دور الكنيسة خلال الأزمة هو أن تكون جسر حوار بين مختلف الأطراف، وليس مع أي طرف ضد آخر. ويضيف «السلطة الكنسية لم تمارس دورها بالشكل المطلوب منها، فلم يكونوا جسراً مع الفئات الأخرى، فنقطة الانطلاق كانت غير جيدة، ولم تستطع توعية الشباب فعلياً».
ويوضح المصدر «أنه منذ بداية الأزمة كان هناك دعوة للأساقفة، بمختلف طوائفهم، لجمع مثقفين، من المؤيدين والمعارضين، للحوار والنقاش وحتى الجدل حتى نساعدهم لتقبل الآخر». ويتابع «في نظرة على معظم القرى اللبنانية والسورية، عدا القرى ذات اللون الواحد، دائماً هناك مكونان أساسيان، أحدهما يكون في الغالبية هو مسيحي، هذا دليل على أن المسيحي هو صمام أمان ومنفتح على الجميع، والمطلوب هو تقديم المساعدة الإنسانية للجميع، وليس المطلوب أن أساعد المسلح مثلا على شراء السلاح».
وظهرت أسماء الكثير من الرهبان والمطارنة خلال الأزمة ضمن أسباب مختلفة، فما تزال قضية متروبوليت حلب والاسكندرون للروم الأرثوذكس المطران بولس اليازجي ومتروبوليت حلب للسريان الأرثوذكس المطران يوحنا إبراهيم، مجهولة المصير بعد مضي أكثر من سنتين على خطفهما. وفي حمص شهادة الراهب اليسوعي فرانس فندرلخت قبل يوم واحد من الاتفاق على التسوية في حمص القديمة، وهو الذي رفض الخروج من الدير وفضل البقاء وتقديم المساعدة للنازحين فيه. أما الراهب باولو داليليو فكان مثار جدل، نتيجة مواقفه السياسية الداعمة للمعارضة السورية. وتشير التقارير إلى اختطافه وتواجده في محافظة الرقة السورية. كما كان للكهنة في حمص دور في إتمام التسوية في حمص القديمة من خلال تواجدهم داخل الحافلات التي نقلت المسلحين إلى منطقة الدار الكبيرة. وبقي الرهبان في منطقة القلمون في أديرتهم الأثرية، حتى مع دخول المجموعات المسلحة إليها، كما في دير مار يعقوب المقطع.
وشكلت الكنائس مراكز لتقديم المساعدات للنازحين من مختلف المناطق. ففي المناطق الساخنة مثل حمص وحلب والقامشلي، تحولت الكنائس إلى مقار أساسية لتجميع المساعدات، وحتى السكن في قاعاتها.
ويعتبر المصدر الكنسي انه وعلى الرغم من أهمية ما تقدم، لكنه لم يكن بالمستوى المطلوب. ويقول «هناك تقصير من السلطات الكنسية على الرغم من الجهود المبذولة، فكان من الممكن أن تقوم إحدى السلطات ببيع أو تقديم أحد العقارات التي تملكها لمساعدة النازحين وتأمين مراكز عمل». وأشار إلى أنه حين دعا البابا فرانسيس كل رعية أو بيت لاستقبال عائلة مهجرة ونازحة، فسُمع هذا النداء في أوروبا وتمت تلبيته في مختلف الدول، أما في منطقتنا فلم نسمع بأي أحد شارك في تلبية هذه الدعوة الصادرة من أعلى سلطة كنيسة كاثوليكية في العالم.
ويشكل تثبيت المسيحيين في أرضهم الهاجس الأساسي في الكنيسة، التي هي بأساسها قائمة على «الشعب المسيحي». ويوضح المصدر أن الأساس هو تأمين لقمة العيش، المدخل الأول والأهم في تثبت المسيحي، مضيفاً «يمكننا أن نبيعهم كلاماً في المؤتمرات وأن نشبعهم محاضرات عن الرجاء، ولكن إن لم يكن هناك مردود اقتصادي لحياتهم اليومية فلا فائدة لكل الكلام». ويضيف أن «الكنيسة قادرة على خلق مبادرات إن أرادت ذلك، فالمطلوب من مختلف المجموعات المتفرقة، من جمعيات ومؤسسات وغيرها، أن تتساعد مع بعضها لتثبيت الوجود، لتشكل صوتاً وعملاً متكاملا. على الكنيسة أن تشاركهم آلامهم وأحزانهم والدعم في فرص العمل، والكنيسة قادرة بحد ذاتها على خلق هذه المشاريع».
وتكثر المخاوف من أن تنقل الحرب التجربة اللبنانية إلى سوريا، ليصبح لدى المسيحيين زعيم وحزب وتيار مسيحي، لكن المصدر الكنسي يؤكد أن هذا الأمر مرفوض. ويقول «لسنا مع حزب مسيحي، ولكن إن كانت الأمور تتجه إلى الاستقرار، فربما قد تدعو الدولة إلى دستور جديد بعد جنيف 3، حينها ستدعو الدولة مختلف الطوائف للمشاركة بصياغته، ويجب أن يكون لدينا رؤية واضحة ومكتوبة لسوريا الجديدة». ويضيف «نحن نرفض أن نكون نسخة عن تجربة الأحزاب المسيحية اللبنانية لنتحول إلى أحزاب متقاتلة في ما بيننا».
وكثر الحديث بوصف مشاركة القوات العسكرية الروسية في سوريا بأنها تخوض «حرباً مقدسة»، لكن مصدراً كنسياً مطلعاً، وعلى تواصل مع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، يؤكد بأن ما نقل غير دقيق عن موقف الكنيسة.
وسام عبد الله
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد