الكاستيلو.. طريق التسوية والحرب؟
يقدّر إعلاميون ومراقبون واكبوا حملة الجيش السوري وحلفائه في شرق حلب لاستعادة طريق الكاستيلو عدد شهداء الجيش وجرحاه بحوالي 350 شخصاً، وذلك في معارك الكاستيلو وحدها، من دون الحديث عما تلاها في الراموسة و «غزوة ابراهيم يوسف» التي استهدفت الكليات الحربية التي استعيدت لاحقا، باعتبار أن ما جرى في الراموسة كان بمثابة ارتداد لما جرى في الكاستيلو، وصنف حينها باعتباره تبادل أثمان تركياً ـ روسياً، قبل المصالحة الشهيرة التي جرت بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، حليف دمشق، والتركي رجب طيب أردوغان، عدوّها.
يتردد الرقم «350» على صفحات الإعلاميين والناشطين تردّداً متصاعداً، مع أخبار الهدنة منذ يومين، لكن وتيرته تراكمت أضعافاً أمس، بعدما بدأ الجيش السوري بتنفيذ التزامه تجاه اتفاق الهدنة الذي جرى بين الروس والأميركيين، ونصّ على تراجع قوات الجيش عن الطريق الذي سيطرت عليه بالدم في معركة طويلة وشرسة.
هاشتاغ «لا لهدنة العار»، الذي أطلقه إعلاميون وناشطون تزامناً مع اتفاق الهدنة، هو انعكاس لما يواجهه الكثر من صعوبة في استيعاب الأثمان التي تدفع لتحقيق تقدم في مفاوضات سياسية تجري على مسافة آلاف الكيلومترات، ويديرها نافذون في الملف، تتداخل مصالحهم في أكثر من بقعة من بقع العالم، بعيداً عن المقاتلين المرابضين على الجبهات والمحاصرين فيها، أو المدفونين في ثراها.
ووفقاً لما كتبه أحد أبرز المرافقين لقوات الجيش و «حزب الله» في معارك محافظة حلب، مراسل «شبكة الميادين» رضا الباشا، فإن «أكثر من 350 شهيداً قدّمهم الجيش السوري في معارك الملاح والكاستيلو لإحكام الطوق على المسلحين شرق حلب»، مشيراً إلى أن هذه «المعارك بُنيت عليها آمال الحلبيين خاصة وسوريا عامة» مضيفا «يبدو أن ما فشلت الجماعات المسلحة في تحقيقه في المعارك ستحققه لها هدنة العار»، وعبّر كثيرون عن قناعتهم بأن «أي تفكير بسحب سلاح الجيش في أي نقطة من جبهات حلب سيشكل طعنا بدماء الشهداء وتضحيات الجرحى والمقاتلين في الجيش السوري والحلفاء».
لكن الاتفاق الذي لم تنشر تفاصيله بعد بسبب رفض الأميركيين لتداول نصه الكامل، يفرض على الجانبين وأبرزهم المنتصر هنا، وهو الجيش السوري، سحب الأسلحة والمعدات من طريق «الكاستيلو» بما يسمح بمرور المساعدات الإنسانية إلى الأحياء الشرقية، والتي ستأتي من تركيا كما كانت تأتي سابقا قبل تحرير المنطقة، من المعارضة، ولكن تحت وصاية ورقابة روسية.
وبالطبع، ينظر كثيرون للهدنة في سوريا باعتبارها «نكسة أخرى في الحرب»، وذلك بالنظر للتقدم الذي تمكن الجيش من تحقيقه في مناطق عدة، والتي تتكرر فيها المحاججة العسكرية بأنها «تسمح للعدو بمعالجة جرحاه وتحصين مواقعه وإعداد خطط للهجوم بظل فيء الأشجار»، وهذا ما يدفع ربما بواحد من أبرز الناشطين على صعيد الحرب السورية للتعليق بأنه «من دون أي مساعدة تُذكر من (الصديق) الروسي، كنا على بعد أمتار من تحرير آخر مواقع تسيطر عليها عصابات الإرهاب التكفيري». ويضيف اياد الحسين المواكب للجيش وحلفائه في ريف اللاذقية «اليوم عصراً توقف القتال وصدر قرار واضح بوقف إطلاق النار. خلال أيام سيعود العدو ليحشد ويبدأ هجوماً ضخماً على مواقع الجيش السوري على طول محاور المعارك في ريف اللاذقية .. بقيادة جبهة النصرة نفسها التي لا يشملها الاتفاق». ويضيف مخاطباً الروس «الأصدقاء» في حميميم: «لا تنسوا تكتروا العدادات حتى يستوعبوا أرقام الخروقات».
وللمناسبة، سجلّ «عداد» الخروقات (سجل أمس 45 خرقاً بينها ما هو في ريف اللاذقية وحماه) يميل لمصلحة الجيش السوري، الذي تريد قيادته التأكيد مجددا لحليفها الروسي أنها «ملتزمة بكل اتفاقاته وبجميع مطالبه»، لا سيما في ظل سعي موسكو للوصول إلى تمهيد الطريق لتسوية سياسية في جنيف، بدأ مسؤولوها الحديث عن مواعيدها المحتملة خلال أسابيع قليلة.
ويخشى مسؤولون سوريون كثر ضمنا، أن تستمر حلب التي هي «إحدى أهم عقد الحرب والتسوية» في الأزمة السورية، في كونها «ساحة تجريب القوى لتأثيرها»، لا سيما أن الميل العام هو للاعتقاد أن «معارك جديدة ستشتعل، وأن طريق الكاستيلو قد يعود لواجهة الإعلام من بوابة الحرب مجددا». لكن ما يخشونه أكثر هو تحول المدينة «لنموذج تسوية سياسي وعسكري، تتقاسم فيه ذات القوى الداخلية والخارجية مساحات نفوذها، بما يجعلها مقدمة لتسويات مشابهة على مستوى كل البلاد».
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد