السينما الفلسطينية في قلب «البرلينالة» والعربية مغفلة.. وخليط أذواق
خصّص »مهرجان برلين السينمائي الدولي« (البرلينالة)، الذي تنطلق دورته التاسعة والخمسون، مساء الخميس، في الخامس من شباط الجاري، للمرة الأولى في تاريخه، يوماً فلسطينياً بامتياز. إذ قرّرت إدارته، بالتعاون مع »الصندوق الدولي لدعم الفيلم« (جناح إنتاجي ذو وزن متنام في أوساط المؤسّسات الأوروبية الداعمة لمشاريع سينمائيي العالم الثالث، يقترب في استراتيجيته من نظيره الهولندي »صندوق هوبيرت بالز«، المرتبط بمهرجان روتردام، والذي يحتفل بعامه العشرين) و»معهد غوته«، اعتبار يوم الحادي عشر من الشهر الجاري تقديماً دولياً لسينما تشهد اجتهادات إخراجية لمجموعة من السينمائيين الفلسطينيين، الذين يواجهون رهاناً عصياً في إنجاز مشاريعهم، نظراً للحصار الإسرائيلي وحروبه المتكرّرة، وآخرها عدوانه على غزّة.
وتستضيف »البرلينالة« في هذه الجلسة مديرة »مهرجان شاشات لسينما المرأة« عالية أرصغولي، والمخرج جورج خليفة، والمنتجة والموزّعة المتخصّصة بأفلام الشرق الأوسط آريت ناديهارت، والمنتجة أرينا أورسيتش، وممثّلاً عن »الهيئة الملكية الأردنية للفيلم«، للمشاركة في ندوة »السينما في فلسطين«، التي يُتوقّع أن تثير سجالاً كبيراً. وبحسب مسؤولي الصندوق، فإن السعي إلى طرح أساليب العمل مع السينمائيين الفلسطينيين ودعم الإنتاج هناك، يُعدّ أولوية هذا اليوم، إذ إن النتاج السمعي/البصري يشهد هبّة غير مسبوقة. ويسند الصندوق هذه الفعالية إلى السمعة الألمانية لأسماء مخرجين فلسطينيين، كإيليا سليمان (»يد إلهية« و»وقائع اختفاء«، ويُنجز حالياً جديده »الزمن المتبقي«) وصاحب »حيفا« و»عيد ميلاد ليلى« رشيد مشهراوي، ومواطنه هاني أبو أسعد (»زواج رنا« و»الجنة الآن«)، إلى مي المصري (»أطفال جبل النار« و»أحلام المنفى«) وآن ماري جاسر (ملح هذا البحر) ونجوى النجّار (المرّ والرمان)، والممثّلة هيام عباس (يعرفونها في ألمانيا لدورها في »شجرة الليمون« للمخرج الإسرائيلي أيراس ريكليس)، ورائد أنضوني (ارتجال) وغيرهم.
باستثناء هذا الحدث، تكاد الدورة الحالية لـ»البرلينالة« تغفل السينما العربية، لولا مشاركة »نهر لندن« للجزائري الأصل والفرنسي الجنسية رشيد بوشارب، الذي يتنافس على جائزة »الدب الذهبي« في المسابقة الرسمية؛ وفيه، يسرد المخرج علاقة ملتبسة بين رجل مسلم وامرأة مسيحية من ضحايا تفجيرات تموز ٢٠٠٥ (تمثيل بريندا بليثن ورشيد زيم وسامي بوعجيلة). ويطلّ العراق وحربه المعقّدة في باكورة كاتب السيناريو والمخرج الإسرائيلي الأصل أورين موفرمان »الساعي« (داخل المسابقة)، حول الأيام العصيبة التي يقضيها الشاب ويل (بن فوستر) في مشفى إعادة التأهيل، بعد إصابته البالغة في العراق. ومع تخلّي حبيبته عنه، وقبل أن يُغرم بأرملة شابة (سامانثا مورتن)، يجد البطل ضالته في مسؤول رفيع يدعى توني (وودي هارلسون)، ليعزّز أمل عودته إلى الحياة الطبيعية، والاعتراف الحكومي بعاهاته و»بطولاته«.
١٨ دولة
من بين الأفلام الستة والعشرين (من ١٨ دولة) داخل المسابقة، هناك ثمانية عشر فيلماً تتنافس على جائزتي »الدبّين الذهبي والفضي«، منها أربعة عشر عرضاً دولياً أول. وفي العروض الخاصة، يُعرض خمسة عشر عملاً طويلاً، منها عشرة عروض دولية أولى. وكان رئيس المهرجان ديتير كوسليك أعلن، قبل شهر، اختياره جديد المخرج الألماني توم تايكوير (»اركضي لولا اركضي« و»العطر«)، بعنوان »الدولي« لافتتاح الدورة هذه: تدور أحداثه حول عميل »أنتربول« (كليف أوين)، مهووس بتعقّب عصابة دولية للنصب على المصارف. وكلّما تورّط في المطاردة، التفت حول عنقه حبائل التصفيات والفساد. في المقابل، سيختتم العمل الجديد لليوناني الأصل الفرنسي الإقامة والجنسية كوستا غافراس (»زد« و»حالة حصار« و»هانا ك«)، بعنوان »عدن هي الغرب«، الدورة نفسها في الخامس عشر من الشهر الجاري: تدور أحداثه حول الهجرة السرّية للشباب الأفريقيين إلى أوروبا، وتبعات هذه المغامرات، التي تنتهي في »قوارب الموت المغربية«.
من العناوين الأخرى، هناك فيلم »الماموث« للسويدي المميّز لوكاس موديسون: عن زوجين تنقلب حياتهما رأساً على عقب، إثر قرار الزوج تغيير قدره خلال زيارة صيفية لهما إلى تايلاند. وأنجزت البيروفية كلاوديا يوسا (لها سابقاً تحفة صغيرة بعنوان »ميدينوسا«) اختراقاً بفيلمها الأخير »حليب الأسى«، في المنافسة على جائزة الدب البرليني: عن فاجعة أطفال مشوّهين نتيجة حليب رضاعة أمهاتهم اللواتي تعرّضن للاغتصاب أو التعذيب. الصيني الكبير كين كايجي يعود إلى برلين مع أجواء عالم الموسيقى وعروض الأوبرا الشعبية الأخّاذة، التي عجّ بها نصّه الأثير »وداعاً خليلتي« (١٩٩٣)، ليسرد سيرة حياة أشهر مغنية أوبرا صينية تدعى ميي لانغفانغ، في فيلمه الروائي الحادي عشر »مسلوب القلب إلى الأبد«. ويُعرض للفرنسي المخضرم برتران تافرنييه نصّه البوليسي »في الضباب المكهرب«، المقتبس عن رواية الكاتب جيمس لي بيرَك، الذي أدّى تومي لي جونز، الممثل المميّز، دور البطولة: عن مخبر يتعقّب سفّاح صبايا في أجواء نيو أورليانز. زميله البريطاني ستيفن فريرز يأتي إلى برلين مع اقتباسه رواية الفرنسية كوليت »شيري« الرومانسية، حول الفتى الذي يتعلّم الرجولة على جسد امرأة، خبرت حياة مجون باريس في عشرينيات القرن الماضي. وعلى المنوال نفسه، مع تغيير العشّاق، سرد البولندي المخضرم أندره فايدا، في »الاندفاعة العذبة«، عذابات الوحدة والإقصاء التي تعيشها البطلة مارتا (الممثلة البولندية الشهيرة كريستينا ياندا)، تحت وطأة انغماس زوجها في عمله كطبيب، قبل أن تعيش مراهقة متأخّرة مع شاب يدعى بوغوس. وتشارك البريطانية الطليعية سالي بوتر بعملها الأخير »هياج« (المسابقة)، بعد إسقاط مشاركتها في مهرجان »كان« المقبل، حول عوالم دور الأزياء وغرائب أجوائها، التي تورّط طالب المدرسة اليافع (يُصوّر أسبوعاً للموضة في نيويورك) في فضول تقصّي ملابسات جريمة قتل. زميلها الفرنسي فرانسوا أوزون يُقدّم طوراً سينمائياً جديداً، يُتوقّع أن يُثير جدلاً، إذ تعقد بطولة جديده »ريكي« إلى رضيع، هو ثمرة حبّ بين شخصيتين مألوفتين.
روائع عالمية
أما البلد المضيف، فيُشارك بعملين في المسابقة: »عاصفة« للمميّز هانز ـ كريستين شميدت، عن التجربة المرعبة التي يخوضها وكيل قضائي، يتعاون مع محكمة لاهاي في الكشف عن المقابر الجماعية في كرواتيا. وتصوّر مواطنته مارين أدي في »كل الآخرين« حكاية الخراب الذي يصيب علاقة بطلين في الثلاثينيات من العمر، عندما يلتقيان في رحلة استجمام في سردينيا، مع ثنائي غامض. فيما يقدّم الإيراني أصغر فرهادي (أثار اهتماماً نقدياً مُعتَبَراً بفضل نصّه الذكي »ألعاب يوم الأربعاء النارية«)، جديده »عن إيلي«، الذي واجه حملة منع عند عرضه في مهرجان فجر السينمائي في إيران، بسبب اعتراض وزارة الثقافة على بطولة الممثلة غلوشفته فرهاني، لظهورها إلى جانب النجم ليوناردو دي كابريو في »كتلة أكاذيب« لريدلي سكوت، قبل أن يتدخّل الرئيس أحمدي نجاد لنصرته: تتبع حكايته خطوات بطلات فيلميه السابقين »رقص في الغبار« و»مدينة جميلة«، حيث نشاهد رحلة عائلات إيرانية إلى شمال البلاد. وبعد المجد الذي حصل عليه فيلم المخرج الروماني الشاب كريستان مونجيو »أربعة أشهر، ثلاثة أسابيع ويومان« (السعفة الذهبية في »كان«)، والمديح النقدي لأفلام مثل »موت السيد لازاريشكو«، يأتي بيتر سيتركلاند »كاتالاين فرغا«، ليُكمل دورة نجاح معتَبَرة للسينما الرومانية المعاصرة، وتؤدّي فيه نجمة المسرح هيلدا بيتر أول أدوارها السينمائية، بتجسيدها شخصية أم شابة، ترحل إلى جبال كربثيان، بحثاً عن والد رضيعها، فتفتح أكثر فصول حياتها سوداوية.
خليط سينمائي غريب الأذواق وغير مفهوم، يجمع المعلّم السينمائي اليوناني الكبير ثيو أنغولوبولس، والمقطع الثاني من ثلاثيته الرعوية التي بدأها في »مروج النحيب« (٢٠٠٣) ويستكملها هذا العام في »غبار الزمن« (١٢٥ د.)، مع هارفي كيتيل وويليام دافوي وبرونو غانز: عن مخرج سينمائي أميركي من أصول إغريقية، يصوّر شريطاً روائياً ضخماً عن سيرة عائلته خلال الحرب الباردة. هناك فيلم هوليوودي باهت بعنوان »بينك بانثر ٢«، حول النمر الوردي وقفشاته البليدة، للمخرج هارالد زوارتر، الذي ورد اسمه إلى جانب كوستا غافراس، وريبيكا ميللر زوجة الممثل دانيال داي لويس، التي تعرض جديدها »الحياة الخاصة لبيبا لي«، ومواطنها ستيفن دالدري وفيلمه »القارئ« السيئ الدراما والشخصيات، وزميلهما الأميركي جورج تيلمان الإبن »نوتوريوس«، حول أشهر مغنّي موسيقى راب، يُغتال نتيجة تصفية حسابات مافياوية.
أجمل مفاجآت هذه الدورة، تخصيص إدارة »كوسليك« تكريمها بإحدى تقنيات السينما خلال خمسينيات القرن الفائت وستينياته، التي بارت مع مرور الوقت وتغيّر الأذواق: شريط الـ٧٠ ملم (سعة الشريط السيليلوزي)، الذي فاق نظيره الـ٣٥ ملم في جودة الصورة وعمق بانورامية مشهدياتها الملحمية. وسنكون من المحظوظين إزاء إعادة مشاهدة روائع عالمية على شاشات عملاقة، تستعيد ألق إحدى المغامرات التكنولوجية التي لم يدعمها أحد، فذهبت إلى المتاحف. من العروض الخاصّة بهذا الاحتفال: »الحرب والسلم« (١٩٦٢ـ٦٧) للروسي سرغي بوندراتشوك، و»بن هور« (١٩٥٩) لوليم وايلر، و»كيلوباترا« (١٩٦١) لجوزيف ل. مانكيويتش، و»لورنس العرب« (١٩٦١ـ ٦٢) لديفيد لين، و»باتون« (١٩٦٨) لفرانكلين جي. شافنر، وغيرها.
زياد الخزاعي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد