الدولة السورية بين تحرير إدلب وردع قسد شرقي الفرات.. الحلقة المفقودة
قبل البدء بشرح سياق التطورات السورية والتي أثمرت جملة واسعة من المنجزات السياسية والميدانية، لابد من التذكير بأن تعداد الإرهابيين الذين كانوا متواجدين في محيط دمشق، فضلاً عن مناطق الجنوب السوري، وكذلك في وسط سوريا، يدعوا المتابع إلى التركيز على الاستراتيجية التي اعتمدتها الدولة السورية وحلفاؤها، في إفراغ الكثير من المناطق التي كانت تحت سيطرة الفصائل الإرهابية، خاصة بعد أن أثمرت العمليات العسكرية التكتيكية التي اعتمدت على استهدافات دقيقة ومركزة، الأمر الذي أدى إلى تسارع انهيار هذه الفصائل، ومن ثم محاصرتها ضمن خطوط نارية عسكرية، ليصار لاحقاً إلى ترحيلهم للشمال السوري، ووضعهم ضمن بؤر جغرافية كـ إدلب ومناطق شرق الفرات، لكن في مقابل ذلك، وبعد تعقيدات كثيرة لجهة الحل السياسي من قبل واشنطن وأنقرة، يبدو أن هناك توافقاً روسياً إيرانياً لا يمكن وصفه بالكليّ مع التوجهات الأمريكية في سوريا، حيث أنه وبالمنطق العسكري، فإن روسيا وإيران قد وجدوا ملعباً إقليمياً بمواصفات دولية في سوريا، حيث أن التفوق الروسي والإيراني سياسياً وعسكرياً، قد برز مجدداً من البوابة السورية، وبذلك فإن منطق المصالح الإقليمية والدولية المتضاربة، يُلزم روسيا كما إيران بالسير قُدماً في تحرير ما تبقى من الجغرافية السورية، و في هذا حفاظاً على المكاسب السياسية والعسكرية والاستراتيجية التي حُققت خلال سنوات الحرب على سوريا.
ما دفعنا للقول بأن هناك توافق روسي ايراني مع التوجهات الأمريكية في سوريا، لكنه توافق لا يمكن وصفه بالكليّ، وإنما بُني على نظريات النفوذ ومناطق السيطرة، هو تعقيدات الحل السياسي والعسكري في سوريا، فمن المعلوم بأن ما يُنجز في الميدان يُترجم في السياسية، لكن هذه القاعدة لم تجد طريقاً لتنفيذها إلا ما نذر على إمتداد سنوات الحرب، فإدلب لا تزال تحت سيطرة الفصائل الإرهابية المدعومة تركياً، وكذلك مناطق شرق الفرات لا تزال تحت سيطرة قسد الخارجة عن القانون والمدعومة أمريكياً، تبعا لذلك ما الذي يؤخر مساعي الحل سواء أكان سياسي أم عسكري؟، وما الذي يمنع حلفاء سوريا من الإطباق على الإرهابيين في إدلب وشرق الفرات؟، خاصة أن أعداد الشهداء في صفوف الجيش السوري و كذلك المدنيين في تزايد مستمر، فالاعتداءات الإرهابية من قبل الفصائل المسلحة مستمرة، الأمر الذي يُحتم على سوريا وحلفاؤها خوض غمار الحل العسكري، فالمنطق العسكري ذاته، وهناك استنزاف واضح لقوات الجيش السوري، كل هذا وسط صمت ايراني روسي، في انتظار مؤتمر هنا أو هناك، فـ استانا و سوتشي قد أكل عليهم الزمان و شرب، و بات هذان المؤتمران شماعة تركية للاستثمار في الإرهاب، حتى أن تركيا لا تزال تناور سياسياً و تدفع بالمزيد من قطعانها الإرهابية إلى مناطق إدلب وريف حماه الشمالي، أما شرق سوريا حيث قوات قسد الأمريكية، فواشنطن أيضاً مستمرة بدعم بيادقها وتقويتهم، مع نهب مستمر للثروات السورية وبيعها بأبخس الأثمان، في وقت يعاني فيه الشعب السوري من ويلات الحصار الاقتصادي المفروض من قبل أمريكا.
لن نتكلم في التوجهات الاستراتيجية لحلفاء الدولة السورية، لأنه على ما يبدو بأن منطق المصالح بعيدة المدى قد طغى على الهدف الأساسي لتواجدهم في سوريا، مع التذكير بأن روسيا وإيران متواجدين في سوريا بناء على طلب من دمشق، وهنا لا يمكن لأحد أن ينتقد تواجدهم طالما أنه بموافقة الدولة السورية، وبذلك فالهدف الأساسي لحلفاء سورية، تحريرها من الإرهاب والمحتلين، أي تركيا و فصائلها الإرهابية، وأمريكا وبيادقها الإرهابية، إضافة لمنع تقسيم الجغرافية السورية، لأن كل الممارسات التركية والأمريكية تصب مباشرة في هدف التقسيم، ولا يمكن بأي حال من الأحوال، استمرار الصمت الروسي والإيراني عن الأهداف التركية والأمريكية، وعليه هناك ضرورة ملحة للتحرك الفوري دونما تأخير، نحو البدء الحقيقي بالتطهير الفعلي لبقايا الإرهاب في سوريا، فالدولة السورية وجيشها وشعبها قدموا الكثير من التضحيات، ولابد من إنجاز النصر النهائي الذي لاحت بشائره في الأفق، ووضع كافة المصالح جانباً، لأنه أيضاً في تأخير الحل السياسي أو العسكري في سوريا، هناك التفاف أمريكي تركي على روسيا وإيران، وتفريغ النصر السياسي والعسكري من محتواه الذهبي، والناظم لكافة الحلول.
الممارسات الأمريكية والتركية لا تقف على دعم الإرهاب فحسب، بل تسعى كل من واشنطن وأنقرة ومن مناطق تواجدهم، إلى استنزاف الدولة السورية والعبث بخيراتها، قسد قد سقط قناعها، حيث أن التقرير الذي تم الكشف عنه مؤخرا يؤكد بأن النفط السوري يُباع إلى اسرائيل و تحت اشراف أمريكي مباشر، وكذلك الأثار المتواجدة في الشمال الشوري، تقوم الفصائل الإرهابية بكشف مخابئها و بيعها للأتراك وتسويقها في أوروبا، فضلا عن تجريف ممنهج للمناطق الأثرية السورية وبرعاية تركية، يُضاف إلى ذلك، بأن الخزان الاقتصادي للدولة السورية يقبع في الشمال، فأهم الزارعات الاستراتيجية تُزرع في الشمال السوري، من القمح إلى القطن إلى الزيتون والعديد من الزراعات التي تُشكل مورداً هاماً للخزينة الاقتصادية في سوريا، كل هذا بات تحت سيطرة الإرهاب الأمريكي والتركي،إضافة إلى صمت روسي وإيراني، فالدولة السورية تُعاني منذ أكثر من تسع سنوات، من إرهاب سياسي وعسكري واقتصادي، ولابد من وضع النقاط على الحروف، والبدء الفعلي بتحرير ما تبقى من الجغرافية السورية من الإرهاب، وطرد المحتلين الأمريكي و التركي من سورية.
في المحصلة، يمكننا القول وبالاعتماد على ما ذكره الرئيس السوري بشار الأسد في أكثر من مناسبة، بأن إدلب وشرق الفرات سيعودون حُكماً للدولة السورية، فوحدات الجيش السوري المنتشرة في محيط إدلب وارياف حماه الشمالي واللاذقية الشمالي الشرقي، تشي بأن التحرير الكامل لا عودة عنه، رغم المناورات الأمريكية والتركية، لكن الوقت يبقى رهناً بقراءة دمشق للمعطيات السياسية والميدانية، وتحديداً الوقائع المرتبطة بحلفاء سوريا، حيث أن عملية دخول إدلب ستكون معقدة نظراً لوجود نقاط مراقبة تركية، ولكن بحسب الاتفاقات والتصريحات الرسمية الروسية والتركية والسورية، فإنه من المؤكد عودة إدلب وغرب حلب إلى سيطرة الدولة السورية، والأمر مسألة وقت، فحسابات دمشق عادة وكما لاحظنا في عملية تحرير الغوطة أنها قد تنتظر لوقت طويل ولكنها لا تهمل هدف التحرير، ولن تفيد الأعداد الكبيرة لإرهابيي النصرة في إدلب، لأن قوة الجيش السوري النارية والعددية لن تستطيع أي قوة الوقوف في وجهه، أما بعد إدلب سيُحسم ملف شرق الفرات، وسيوضع الأكراد أمام خيارين، إما العودة لحضن الوطن السوري، أو المواجهة العسكرية النارية، والتي لن تسطيع قسد الصمود أمام القوة النارية للجيش السوري وحلفاءه، ولذلك وانطلاقا من المصالح الاستراتيجية الروسية والإيرانية مع الدولة السورية، لابد من التحرك لقطع يد الإرهاب التركي والأمريكي من سوريا، أو البدء بمضامين الحل السياسي الذي يُجنب الدولة السورية المزيد من الاستنزاف.
د. حسن مرهج
إضافة تعليق جديد