الحلقة الثامنة من كتاب"عشرة أعوام مع حافظ الأسـد" الدبلوماسية السرية وكـارثـة شـبـردسـتـاون
الدبلوماسية السرية .. (4)
حين دخل لاودر لعقد اجتماعه الثاني, و هو يحمل معه أكوام الورق, نظر إلى الرئيس, و قال متذمراً: " لقد ثبت لي أن هذه الأوراق أفضل من الحبوب المنومة. حاولت قرائتها لكن النوم غلبني. إنها مضجرة للغاية! ". ضحكنا جميعاً, و كم كان محقاً. و التفكير بأننا سرنا في هذه العملية على مدى ثماني سنوات طويلة من دون إنجاز أي شيء ذي دلالة على عملية السلام.
بدأ الرئيس الأسد الاجتماع, مخاطباً لاودر بالقول: " الآن و قد قرأتها لنتكلم على الأمن, الأمن لكل الطرفين. أريد أن أكون منصفاً, و أريدك أن تكون أنت منصفاً أيضاً! ", ثم أضاف: " كل خطوة من قبل الإسرائيليين ستُقَابل بخطوة من طرفنا, و تنفّذ بنسب متساوية. أنا مستعد للتخلي عن كل الأسلحة الموجودة لدى سورية, إن تخلى نتنياهو عن ثلث الأسلحة الموجودة لدى إسرائيل ".
كان الإسرائيليون, بالطبع, يكرهون فكرة التبادل, بحجة أن رقعة إسرائيل أصغر جداً من مساحة سورية, و لذلك فإن المناطق المنزوعة السلاح لا يمكن أن تكون متساوية في المساحة في أراضي الدولتين. و لم يكن هذا شيئاً جديداً, فقد سبق أن سمعنا هذه الحجة من كل من جيمس بيكر و وارن كريستوفر.
لتسهيل عملية السلام, وافق الأسد على شرطين جديدين, و لكن بعد أن يلتزم نتنياهو بالانسحاب حتى خط الرابع من حزيران 1967, و ليس إلى حدود 1923:الشرط الأول هو استعداد سورية لقبول حضور أمريكي في محطات إنذار مبكر.
قال الأسد: " أنا شخصياً لا أريد إنذار داخل إسرائيل, و أفضل ألا توجد محطة إسرائيلية داخل سورية ". أمّا إن كان ذلك يسعد الولايات المتحدة, ويجعل إسرائيل تشعر بالأمن, فلا مانع لديه من النظر في ذلك.و الشرط الثاني هو جدول زمني موسع للانسحاب الإسرائيلي. و حين أتى كلينتون إلى دمشق عام 1994, وافق الأسد على بضعة شهور إضافية لانسحاب الإسرائيليين.
إن لاودر مكتفياً بالإصغاء و نقل الرسائل الإسرائيلية, قائلاً لنا باستمرار: " لستُ مخوّلاً باتخاذ قرارات, و أنا هنا فقط لأنقل رسائل من نتنياهو". و هذا أعطاه فعلاً ميزة في المحادثات, إذ لم يكن مطلوباً منه أن يستوعب أي شيء, كل ما كان عليه فعله هو إبلاغنا ما قاله له الإسرائيليون. و لكن حين طرح الأسد شرطيه الجديدين, عرف لاودر أنه استمع إلى شيء ذي قيمة, و طلب أن يحمل المسألة إلى نتنياهو مباشرة. و قد غادر سورية عصر ذلك اليوم و توجه إلى إسرائيل عبر الأردن إجراء مع رئيس وزرائها. و قبل أن يغادر قال مازحاً: " سأعود و أراكم حين عودتي. من المؤكد أنه ليس لديكم ما يشغلكم سوانا, ألييس كذلك, يا سيادة الرئيس؟ ".
ضحك الأسد لدى سماع هذا, وقال: " يبدو لي و كأنه لا شغل لي سوى الأمريكيين هذه الأيام! هذا بالضبط ما يحدث لي. ليس لدي شيء آخر ! ".
قبل أن يخرج, نظر لاودر إلى الأسد و أضاف: " بالمناسبة, يا سيادة الرئيس, هل أخبركم أحد أنكم أقل صعوبة من نتنياهو؟ لقد رأيتكم تبتسمون و تضحكون مرات عديدة خلال يومين, لكنني لم أرَ نتنياهو يضحك سوى مرة واحدة, حين فاز بالانتخابات الأخيرة ".
أعجبت النكتة الأسد فقال: " هذا يعني أنه لا يضحك سوى مرة كل أربع سنوات! ".
ثم قال لاودر: " إن لم ينجح هذا, سيكون الذنب ذنب بيبي **, و ليس ذنبكم! " .
حين عاد لاودر إلى سورية, علق على مدى رحابة القصر الجمهوري, و سأل الأسد: " هل لديكم قاعات أكبر من هذه؟ إنها واسعة و تصلح لرياضة الصباح " .
ابتسم الأسد قائلاً: " نعم, كلما توفر لديّ وقت بين اجتماعين, أسير ذهاباً و إياباً. فهذا يتيح لي تمريناً جيداص في المشي ". ثم سأل لاودر: " كم عُمر البيت الأبيض؟ ".
أشرق وجه لاودر, و أجاب: " لقد بُني عام 1814. و هذا يعني أن عمره 184 عاماً لكنني لست ديمقراطياً, لذلك لم أنم فيه قط! ".
كرّر الأسد ما قاله سابقاً: " لا أريد أن أدخل بين الديمقراطيين و الجمهوريين. ما يهمني هو المبادئ. هناك أشخاص طيّبون و أشخاص سيئون في كلا الحزبين اليمقراطي و الجمهوري ".
انفجر لاودر ضاحكاً: " لا, يا سيادة الرئيس. كل الأشخاص الطيبين هم جمهوريون حتماً! ".
** " بيبي bibi " هو اسم شائع يُدعى به نتنياهو.(1)
الدبلوماسية السرية .. (5)
أحضر لاودر معه وثيقة من عشر نقاط بعنوان " معاهدة سلام بين إسرائيل و سورية ", اشترك هو و نتنياهو في وضعها في إسرائيل. احتوت الوثيقة مقدمة قصيرة تقول إن " سورية و إسرائيل قررتا إحلال السلام المبني على " الأمن و المساواة و احترام كل منهما سيادة الأخرى و سلامة أراضيها و استقلالها السياسي ". حاول لاودر, من دون أن يحقق نجاحاً يُذكر, وضع كلمة " المقارنة " أو " التشابه " بدلاً من " المساواة ", لكننا رفضنا ذلك بحزم, بحجة أنه لا وجود لمثل هذه الكلمة في قاموس عملية السلام. و قال الأسد: " إن الشعب السوري لن يقبل بها أبداً, لأنها لا تخدم مصالح سوى إسرائيل ".
نصّت المادة الأولى في الوثيقة على " إنهاء حالة الحرب " حين توقيع معاهدة السلام السورية - الإسرائيلية. و بيّنت المادة الثانية أن إسرائيل ستنسحب من الأراضي االسورية إلى حدود الرابع من حزيران 1967. و لكن حين قدم لاودر هذه الوثيقة إلى كلينتون, عدّل " لاودر " قليلاً ما جاء في المادة الثانية, و جعله " إلى حدود متفق عليها من الجميع على أساس الخط الدولي لعام 1923 ". و ذكرت المادة الثالة أن الانسحاب سيتم على ثلاث مراحل, بناء على إطار الأسد الزمني البالغ ثمانية عشر شهراً. و جاء في المادة الرابعة أن " لبنان سيوقع, بالتزامن مع الصفقة الإسرائيلية - السورية, اتفاقية مع إسرائيل, و سيبذل السوريون قصارى جهودهم لضمان تفادي انطلاق أية نشاطات شبه عسكرية أو عدائية ضد إسرائيل من لبنان. و سيكون انتشار القوات محدوداً في ثلاث مناطق: منطقة منزوعة السلاح, و أخرى محدودة السلاح, و منطقة خالية من الأسلحة الهجومية.
و أراد الأسد أن يكون عرض هذه المناطق أقل من عشرة كيلومترات. أخيراً, تبقى محطة الإنذار المبكر و المراقبة من الجولان, على أن يديرها فريق متعدد الجنسيات: أمريكي, و فرنسي, و سوري. و إضافة إلى ذلك, ستقام علاقات طبيعية بعد التوقيع على الاتفاقية, و ستعالج حقوق المياه على أساس القوانين الدولية. و سيشتمل التطبيع على تبادل السفراء مع بدء الانسحاب و التطبيع الكامل حين نهايته. وافق الأسد على كلّ ما ورد آنفاً, مشترطاً أن يتوجه لاودر إلى إسرائيل, ثم يعود منها و معه خريطة موقّعة من نتنياهو تظهر بدقة خط الحدود الذي سينطبق على السلام السوري - الإسرائيلي.
و إن لم يستطع تقديم وثيقة كهذه, حينئذٍ يكون كل ما جرى الاتفاق عليه " لاغياً و باطلاً ". عند هذه النقطة, دخلت مهمة لاودر في حالة بالغة من الارتباك. فقد كان يعرف أن نتنياهو لن يلتزم أبداً بحدود 1967, و أن الأسد سيرفض لقاء لاودر مرة أخرى إن لم تظهر الخريطة المطلوبة. و بحسب قول مارتن إنديك, " خطرت لرئيس الوزراء الإسرائيلي فكرة أن يرسم خطاً عريضاً على خريطة صغيرة لترك مجال للمفاوضات حول الموقع الدقيق للحدود " .
و لكن كان معتذراً ذلك من دون مشاركة الجيش الإسرائيلي, فقد كانت الخريطة كهذه تتطلب موافقة وزير الدفاع موردخاي, الذي لم يكن سيقبل أبداً بتلك الخطة الواهية من نتنياهو, فهي في رأي موردخاي ستجعل إسرائيل تبدو ضعيفة و سخيفة في أعين السوريين و الأمريكيين. اعترض موردخاي على تلك الفكرة, و أيد اعتراضَه وزير الخارجية آرييل شارون. ولو أن نتنياهو مضى قدماً بتلك الخريطة المتلاعب بها, لكان من المحتمل أن تسبب سقوط حكومته بأكملها. بعد سنوات كتب صحفي في صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن شارون " أخبر زملاءه من أعضاء الليكود أنه نسف خطط الطرف الثالث مع سورية ", مضيفاً أن شارون حين علم بمحادثات لاودر جابه نتنياهو قائلاً إنه لا يوجد " أساس كافِ لإسرائيل كي تقدَم أية خريطة إنسحاب " . و انهارت محادثات لاودر, إذ لم يتمّ تقديم أية خريطة.(2)
الدبلوماسية السرية .. الجزء الأخير .. دَفن محادثات لاودر .
حين عاد لاودر إلى الولايات المتحدة, أخبر الدبلوماسيين الأمريكيين أن الأسد أظهر مرونة " في ما يخصّ الحدود و التدابير الأمنية, و محطات المراقبة و الإنذار المبكر ". لكن روس لم يصدق ذلك تماماً: " أخرجتُ خريطة و طلبتُ منه / أي من لاودر / أن يريني المرونة في موضوع الحدود, و أشار إليّ أن الأسد مستعد لرسم الحدود محاذية لبحيرة طبرية و لنهر الأردن. ثانياً, سألته عن معنى " التوصل أساساً إلى إتفاق؟ ". و كان جوابه أن 99 بالمئة مما سيريه للرئيس كلينتون متفق عليه مع الأسد. هل كانت الواحد بالمئة تعني خلافاً حول أي من الأمور الجوهرية, أي تعريف الحدود, و مفهوم الاتفاقيات الأمنية, بما فيها الإنذار المبكر, و محتوى السلام, و توقيت تنفيذ كل شيء؟. كان لاودر يعتقد أنه لا وجود لأيّ خلاف هنا " .
اعتقد فريق كلينتون أن وثيقة لاودر " كانت جيدة جداً, بحيث يصعب تصديق أنها حقيقية ". و ساورهم الشك في أن يكون الأسد قد وافق على حدود 1923, انطلاقاً من تصميمه, في كل اجتماع بلا استثناء منذ عام 1990, على التقيد بحدود 1967. سأل روس: " هل ظننتُ أن لاودر يكذب؟.. كلا, فهو صادق, و أعتقد أنه مؤمن بالكثير مما يقوله. لكنني أخشى أنه ليس دقيقاً, و ما يعدُّه اختلافات ثانوية ليس ثانوياً إلى تلك الدرجة. و إضافة إلى ذلك, أعتقد أن بعض الأفكار هنا ليست سوى أماني.أين تكمن شكوكي الكبرى؟ كنت أعرف أن خط عام 1923 هو شيء لا يمكن أن يجد القبول لدى الأسد, كانت تلك حدود استعمار, و هو لن يقبل بها ضمن وثيقة أبداً. كما كان لديّ شك قوي جداً في أن يقر الأسد - و شك أكبر في أن يقبل - بوجود إسرائيلي في محطات الإنذار المبكر فوق هضبة الجولان بعد الانسحاب الإسرائيلي " .
كان دنيس روس يعرف الرئيس السوري جيداً, و من الواضح أن تلك المعرفة لم تتوفر لرونالد لاودر.
دُفِـنّـت مـحـادثـات لاودر, مثل كلّ المحادثات التي سبقتها - في زمانها و مكانها - على الفور بعد انهيارها في خريف 1998. و بعد ثلاث سنوات, نشرت الصحيفة الإسرائيلية بديعوت أحرونوت صورة فوتوغرافية لمسودة لاودر التي تحمل عنوان " معاهدة سلام بين إسرائيل و سورية ", و ذلك في 13 نيسان 2001.
و تظهر الصورة بوضوح أن لاودر اقترح في المادة الثانية " انسحاباً إسرائيلياً من الأرض السورية التي تم الاستيلاء عليها عام 1967, وفقاً لقراري مجلس الأمن الدولي الرقمين ( 242 ) و ( 338 ) ". و قالت الصحيفة إن ذلك الوسيط الأمريكي قدم وثيقة إلى الرئيس كلينتون في 17 تشرين الثاني عام 1998. وبعد سنوات, في حزيران 2004, تكلم لاودر مع صحيفة هآرتس عن " التسريب ", قائلاً إن الآراء في الوثيقة كانت آراءه الشخصية - مُكرراً ما قاله للرئيس كلينتون في أواخر عام 1998 - و أضاف أن نتنياهو رفض الاقتراح رفضاً قاطعاً لأنه أراد حدوداً تعطي إسرائيل أكثر من حدود عام 1923 أو خطوط الرابع من حزيران 1967 ".
و حين ألتفتُ إلى الماضي, أعتقد أن لاودر كان محقاً في هذه النقطة الأخيرة. و صحيح أن نتنياهو لم يرد الالتزام بحدود 1967, فلم يكذب لاودر, و كان صادقاً في قوله, بل كان يقول الحقيقة, و الحقيقة الكاملة, و لا شيء غير الحقيقة, في ما يتعلق بالمسؤولين الإسرائيليين.(3)
كـارثـة شـبـردسـتـاون
حين أصبحت محادثات لاودر الخائبة وراء ظهورنا, أوقفنا محادثات السلام في انتظار أن نرى هل يبقى نتنياهو رئيساً لوزراء إسرائيل بعد انتخابات 1999؟ كانت فرصة ضئيلة, حتى وفق شهادة أقرب مساعديه, و كنا مسرورين, نظراً إلى قسوته البالغة مع الفلسطينين و نفاقه في التعامل مع سورية. و قد بدأ اليسار الإسرائيلي ينتقد نتنياهو علناً لمحادثاته مع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات - التي بالمناسبة لم تحقق أي شيء للفلسطينين - و كان ساسة حزب العمل يعملون ليلاً نهاراً لإسقاطه و إحلال مرشحهم إيهود باراك محله. ثمّ إنّ الإسرائيليين العاديين تخلّوا عن نتنياهو نتيجة سلسلة طويلة من الفضائح, التي جعلت الشرطة الإسرائيلية توصي بمحاكمته بتهمة الفساد, بسبب خدمات كان قد تلقاها مجاناً من مقاول متعاقد مع الدولة بلغت قيمتها 100 ألف دولار.
لذلك لم تكن خسارة بنيامين نتنياهو الانتخابات, و حلول باراك مكانه, مفاجأتين. لقد شغل باراك عام 1995 منصب وزير الداخلية في حكومة إسحاق رابين, ثم أصبح وزيراً للخارجية في حكومة بيريز,و بعدئذٍ حلّ مكانه قائداً لحزب العمل, بعد خسارة بيريز في انتخابات 1996. و كما ورد آنفاً, شارك باراك مدة قصيرة في المحادثات السورية - الإسرائيلية, حين قابل رئيس الأركان حكمت الشهابي في بلير هاوس. كان باراك - و هو أصغر رئيس للوزراء في تاريخ إسرائيل - مثل معلمه و مرشده إسحاق رابين ضابطاً في الجيش الإسرائيلي تقلّد عدداً من الأوسمة, لكثرة تلّطخ يديه بالدماء الفلسطينية.
و في الواقع, وصفته مادلين أولبرايت بأنه " الجندي الذي نال أكبر عدد من الأوسمة في تاريخ أمته ". و لمّا باراك هزم نتنياهو بفارق كبير, فقد آتى إلى السلطة من موقع قوة, و قرر تشكيل حكومة ائتلاف مع حزب شاس الأصولي المتطرف, الذي ربح سبعة عشر مقعداً من مقاعد الكنيست المئة و العشرين, و هو عدد غير مسبوق لذلك الحزب. و كان هذا مصدر قلق شديد لنا في دمشق, بسبب مواقف شاس المناهضة للسلام مع العرب, و خصوصاً مع سورية ( تَرَك الحزبُ الائتلافَ في ما بعد حين لم يتمكّن من التوافق مع باراك على مدى صلاحيات نائب وزير التعليم الذي يمثل الحزب في الوزارة الإسرائيلية الجديدة ). و أقل ما يقال في اختيار باراك حلفاءه هو أنه كان استفزازياً للغاية, و غطى تماماً على وعده في حملته الانتخابية بإنهاء اثنين وعشرين عاماً من احتلال جنوب لبنان, و إعطاء قوة دفع جديدة لمحادثات السلام مع السوريين. لكن أولبرايت لم تحاول إخفاء سرورها بانتخاب باراك, قائلة إن المكتب البيضاوي و وزارة الخارجية الأمريكية " تلقيا الخبر بالابتسامات " . و هي تدّعي أنها حين قابلت باراك أول مرة في عام 1997, و كان وقئذٍ قائد المعارضة الإسرائيلية, أَمِلَت في أن يصبح يوماً ما رئيس وزراء إسرائيل.
لذلك لم يكن أمامنا سوى خيار التعامل مع إيهود باراك, بعد أن تلقينا تاكيدات كنا بحاجة شديدة إليها من إدارة كلينتون بأنه سيتقيّد بوديعة رابين, و كل ما تم الاتفاق عليه منذ مدريد. و وافق باراك على إستئناف المحادثات مع السوريين, مشترطاً أن تكون هذه المحادثات مكثفة, و على مستوى عالٍ. و أضاف أن هناك ضرورة قاطعو لحجبها عن التغطية الإعلامية ليحمي نفسه من المتشدّدين الإسرائيليين. و قد أعطيناه تأكيدات بهذا المعنى, فنحن لم نسرّب أي شيء عن محادثاتنا إلى وسائل الإعلام, حتى ولا محادثات لاودر, التي كان من الممكن أن تعمل لمصلحتنا ضد نتنياهو.
كان الرئيس الأسد رجلاً يحافظ على كلمته, و حين وعد ألاّ تحدث أية تسريبات, فهذا يعني أن سورية لن تجيز أية تسريبات. و لكن لا يمكن تحميلنا مسؤولية ما شقّ طريقه إلى الصحافة القائمة في الولايات المتحدة و إسرائيل. طلب باراك صفقة تعادل 23 مليار دولار تعويضاً عن الانسحاب من الجولان, و مذكّرة تفاهم ترفع مركز إسرائيل إلى حليف استراتيجي للولايات المتحدة.
أمّا في السّر, فقد كان باراك يشعر بالرعب من فكرة التخلّي عن الأراضي المحتلة, مدركاً أن إسرائيل تعتمد على بحيرة طبريا لتزويدها ب 40 بالمئة من احتياجاتها من الماء العذب. و كان يريد الاحتفاظ بما يكفي من الأرض لضمان سيطرة إسرائيل على تلك المياه. و من أجل تحقيق ذلك, كان بحاجة إلى عرقلة أي اختراق مع السوريين أطول مدة ممكنة. و مع أن باراك انتقد نتنياهو لاعتماده المفرط على الأمريكيين في محادثات السلام مع الفلسطينين و معنا, فقد أقد في نهاية المطاف على فعل ما سبق فِعلُه تماماً من قبل, إذ طلب أن تكون أية محادثات تحت رعاية أمريكية. لكنه كان قلقاً من أن الأمريكيين بدأوا يميلون إلى العرب, و أنهم بعد سنوات من المحادثات ذهاباً و إياباً في دمشق و غزة ة رام الله, أخذوا يتعاطفون مع مطالبنا المحقّة. و أراد من الأمريكيين أن يركّزوا على احتياجاته هو, و احتياجاته وحدها, و ليس على احتياجات السوريين و الفلسطينيين .(4)
1- من كتاب الدكتورة بثينة شعبان/ عشرة أعوام مع حافظ الأسد 1990 - 2000 / ص 233
2- من كتاب الدكتورة بثينة شعبان/ عشرة أعوام مع حافظ الأسد 1990 - 2000 / ص 235
3- من كتاب الدكتورة بثينة شعبان/ عشرة أعوام مع حافظ الأسد 1990 - 2000 / ص 237.
4- من كتاب الدكتورة بثينة شعبان / عشرة أعوام مع حافظ الأسـد 1990 - 2000 / ص 238
إضافة تعليق جديد