الحسكة: تنسيق بين الجيش والأكراد
استعادت قوات الجيش السوري زمام المبادرة في عدد من الجبهات في شرق البلاد التي تواجه فيها تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش»، حيث أطلقت حملة مضادة في مدينة الحسكة ومحيطها بعد الهجوم الذي شهدته الأسبوع الماضي، في وقت استعادت السيطرة على حقل الشاعر للغاز في ريف حمص وعلى عدد من التلال المحيطة به بعد سقوطها بيد «داعش» في 17 تموز الحالي، فيما ظل مصير المفقودين في قاعدة «الفرقة 17» في الرقة غامضاً.
وتزامن اشتداد المعارك في المناطق الشرقية، وتحديداً في الحسكة، حيث دار كرّ وفرّ حول «الفوج 121»، مع عودة التنسيق الميداني بين الجيش السوري و«وحدات الحماية الشعبية الكردية»، وذلك أمام تصاعد تهديد «داعش».
في هذا الوقت، قتل سبعة أشخاص، على الأقل، وأصيب نحو 20، أمس، في تفجير سيارة في مدينة حمص في وسط البلاد، بحسب ما أوردت وكالة الأنباء السورية ـ «سانا». ونقلت عن مصدر في المحافظة قوله إنّ «ارهابيين فجروا سيارة في الشارع الرئيسي في حي الأرمن الذي يشهد عادة حركة نشطة للمارة والسيارات»، فيما قال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إنّ قذيفتين سقطتا على الحي بعد وقوع التفجير.
وفي شرق البلاد، ذكرت مصادر مقربة عدة من الحكومة السورية و«وحدات الحماية الشعبية» أن الطرفين بدآ إعادة تنظيم صفوفهما في الحسكة عبر استقدام تعزيزات للحواجز المشتركة أو عبر تبادل السيطرة على بعضها بحكم الأولويات الميدانية. كما نجحا، وفقاً للمصادر، في استعادة «محطة تحويل الكهرباء وسجن الأحداث ومقبرة الشهداء والأحراش المحيطة»، فيما قال بيان للجيش السوري إنّ قواته تمكنت أيضاً من القضاء على عشرات المسلحين وتدمير آلياتهم ومصادرة ثلاث سيارات مزودة برشاشات ثقيلة.
واستقدم الطرفان مؤازرة مشتركة للمرابطة على تخوم «الفوج 121»، المعروف باسم «الميلبية» جنوب الحسكة، بهدف استعادته، إثر تعرّضه لهجوم واسع من قبل «داعش» منذ الخميس الماضي. ورددت مواقع إخبارية موالية، أمس الأول، أنّ «انسحابات جرت من محيط البوابة الرئيسية للفوج 121 الى قرية العريشة»، ولكن من دون إشارة من «داعش» إلى أمر مشابه.
ولا تخفي مصادر في مدينة الحسكة أجواء التوتر العام القائم بعد سلسلة أحداث جرت خلال الأيام الماضية، بينها اقتحام مقر «حزب البعث» في قلب المدينة، والتفجير الذي سبقه لبوابة المدينة الرئيسية المعروفة بـ«البانوراما»، والاشتباكات في محيط المدينة على محاور ثلاثة، هي الشدادي والهول ومحطة أبيض، كما الاستيلاء على «الفوج 121» أيضاً، والذي لا يبعد عن مداخل المدينة أكثر من 13 كيلومتراً.
وتشهد المدينة انتشاراً أكثر من اعتيادي للحواجز المشتركة بين الجيش و«قوات الحماية الكردية»، والتي ترفع أعلاماً مشتركة. وبلغ عدد ضحايا العسكريين منذ بدء الاشتباكات في المحافظة 29، توزعوا بين الجيش و«الدفاع الوطني» و«لجان الحماية».
وتابعت قوات الجيش السوري عملياتها في الحسكة، أمس، بقصف مواقع تمركز «داعش»، ولا سيما في الشدادي قرب معمل الغاز، كما قصفت مناطق عدة محيطة بـ«الفوج 121» لقطع «طريق الإمداد لمقاتلي التنظيم»، ولاسيما قرب منطقة جبل كوكب التي تحظى بأهمية عسكرية.
من جهتها، قالت مواقع معارضة إنّ قائد «الفوج 121» اللواء مزيد سلامة ونائبه العميد الركن نضال أحمد محمّد قُتلا مع جنود آخرين وعناصر من «حزب الاتحاد الديموقراطي»، الذي «استقدم تعزيزات من ريف مدينة رأس العين»، وفقاً لما ذكرت مصادر قريبة منه.
كما تمكن الطرفان من تحقيق تقدّمهما الأخير «بعد قصف تمهيدي بالمدافع والطيران الحربي والمروحي للجيش». وقطع «الحليفان»، أمس، طرق «الفيلات الحمر وقرى أبو بكر والفلاح والطوشان» بهدف إطباق الحصار على خط إمداد «داعش» من معبر السبع سكور، وفقاً للمصادر السابقة.
وأدّت الاشتباكات في مدينة الحسكة الى عدم تسلم القسم الأعظم من موظفي الدولة رواتبهم، بسبب إغلاق الطرقات إلى المحافظة من الشمال، فضلاً عن مشاكل الكهرباء والماء. كما أدّت المعارك إلى حرائق في مناطق متفرّقة تضمّ أسواقاً للمحروقات، فيما استمرّ حريق في أحد مراكز القطن ليومين، مخلفاً خسائر بمئات ملايين من الليرة السورية.
وليس بعيداً عن الحسكة، لا يزال الغموض يلفّ مصير جنود «الفرقة 17»، التي استولى «داعش» على القسم الأكبر من مقارها في الرقة منذ يومين، واحتلّ مباني القيادة فيها ومساكن الضباط ومواقع كتيبتي «الكيمياء» و«الإشارة».
ونشرت مواقع مقربة من «داعش» صوراً لمقاتلي التنظيم في هذه المواقع، وصوراً أقل لضحايا من جنود الجيش. وبرغم أن مواقع قريبة من «الدولة الاسلامية» تحدثت عن 160 ضحية للجيش، إلا أن أي تأكيدات من مصادر مستقلة لم تصدر، فيما ذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن «19 قضوا بتفجيرين انتحاريين، و50 بكمين، وعشرين بالاشتباكات، فيما بقي مصير 200 مجهولاً»، بعد تمكن القسم الأكبر منهم الانسحاب، بناءً على إيعاز من القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة. وكان عناصر الجيش السوري وقياداتهم انسحبوا في مجموعات وفي أوقات متفاوتة، وتمكن حوالي مئة منهم من الوصول سيراً على الأقدام إلى قطع عسكرية مجاورة، ولاسيما «اللواء 93» في منطقة عين عيسى، أو إلى حواجز تابعة الى «قوات الحماية الشعبية» في مناطق قريبة.
على صعيد آخر، تمكّنت قوات الجيش السوري، وفي «عملية سريعة»، من استعادة حقل الشاعر للغاز في ريف محافظة حمص الشرقي، وذلك بعد سيطرة «داعش» عليه الأسبوع الماضي. وقال مصدر حكومي، أمس، إنّ أضرار الحقل ليست كبيرة، ويمكن إصلاحها في غضون أسبوعين، مشيراً إلى أنّ «فريق استقصاء» وصل الى الحقل وقام بمعاينته بعد انتهاء المعارك، التي جرت ليل أمس الأول، وشاركت فيها وحدات عدة من الجيش، مصحوبة بالعتاد الثقيل ومن ثلاث مناطق.
وأكد المصدر أن الهجوم «انتهى سريعاً، ولم يسفر سوى عن بعض الجرحى» في صفوف الجيش و«قوى الدفاع الوطني»، موضحاً أنه تمت ملاحقة مجموعات «داعش» إلى عمق البادية، حيث يتمركز قسم كبير منه في تجمعات صحراوية.
ويوم أمس، قالت مصادر التنظيم إن مقاتليه أشعلوا النار في حقول الغاز في جبل الشاعر قبل الانسحاب، إلا أن مصدراً اطلع على وضع الحقل قال إنّ الحرائق التي وقعت كانت في كمية من الغاز السائل المعزول والممتدّ على مسافات واسعة، مشيراً إلى أنه «تمّت السيطرة عليه، وأنه تمكن إعادة الحقل للعمل خلال أسبوعين، إن تمكّنت فرق الصيانة من العمل في ظروف يومية مناسبة».
ولم يتبين عدد قتلى هجوم «داعش» على حقل الشاعر، برغم أن مصادر التنظيم رفعت الرقم إلى 270 قتيلا للجيش. وعلمنا أنه تم إحصاء تسعة جنود بين مجهولي المصير في الهجوم الأول، فيما لم يرغب أي مصدر في إعلان رقم صريح لعدد الضحايا الكلي.
وثمة احتمالات في أن يكون بين المفقودين من تمكن من الاختباء لدى البدو، علماً أن احتمال «اختطافهم ضعيف» بسبب فرار عناصر «داعش» سريعاً. ووفقاً لما علمناه، سارع الجيش السوري إلى استعادة المبادرة في «الشاعر» لتقليل «الصدمة المعنوية السلبية» التي تركها سقوطه على ما يبدو.
ويرى مراقبون متابعون للنشاط الميداني الكثيف في سوريا أنّ «الحرب النفسية» تبدو أكثر غلبة من الحرب العسكرية في بعض المعارك. وقال مصدر إنّ 160 مهاجماً فقط هم الذين استولوا على حقل الشاعر، وإنّ 40 منهم قتلوا، فيما فرّ آخرون بسرعة كبيرة، ودون مقاومة كبيرة باتجاه عمق البادية.
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد