الحرب على إيران تبدأ من هوليود
ما قصّه الأميركي فرانك ميللر في سلسلة رسومه الملحمية، اقتبسه مواطنه زاك سنايدر في شريطه «300» أو «المحاربون الـ 300» وحوّله الى شتيمة بصرية لتاريخ شعوب آسيا وعلى رأسهم الفرس.
عبر استحضار معركة ثيرموبيلاي التي جرت وقائعها في القرن الخامس قبل الميلاد (482 ق.م)، عندما استبسل 300 محارب إسبارطي تحت إمرة الملك ليونيداس (جيرالد بتلر) في صدّ الزحف الفارسي الطامع بالأرض بقيادة الملك أحشويروش (رودريغو سانتورو). تلك المعركة هي محور حبكة فيلم سنايدر الدرامية.
الفيلم الذي بدأ عرضه في الصالات اللبنانية، كان قد أثار ردود فعل غاضبة بين أبناء الجالية الايرانية في الولايات المتحدة وكندا. فيما وصفه المسؤولون الإيرانيون بأنّه «تَعدّ سافر على التاريخ الإيراني يهدف إلى تشويه الحضارة الفارسية». وعلى رغم أنّ شركة «وارنر بروس» المنتجة نفت أن تكون للفيلم أبعاد سياسية تتعلق بمعاداة إيران بسبب برنامجها النووي، فإنّ «300» يرسم منذ جزئه الأول صورتين لا تخرجان عن نمطية مملّة ظلت تلوكها السينما الأميركية طوال عقود: غرب حضاري يعتمد المنطق ولغة الحوار واحترام المرأة، مقابل شرق همجي يرتكز على الخرافة والغريزة في تفكيره وسلوكه.
انطلاقاً من هذه الخلفية، نتابع نشأة الطفل في المجتمع الإسبارطي، حيث لا مكان لمشوّه أو معوق أو ضعيف. عندما يكبر، يدرّبونه على الفروسية ويرمى في ساحة المعارك. يخضع لتربية بدنية قاسية ودروس تعليمية تشد من عضد المحارب الإسبارطي. إذ لا تراجع ولا استسلام، بل طلب لـ «الموت الجميل» في ساحة المعركة لكسر شوكة الوحوش والغزاة وإعلاء قيم الحياة القائمة على الحرية. «قاتل برأسك وبقلبك» يقول الملك ليونيداس، من أجل «مجتمع لا أحد فيه فوق القانون، سواء كان ملكاً او حراً او رعية او عبداً». أما المرأة الإسبارطية فهي ولّادة الرجال وصانعتهم، وحاملة مفاتيح الحكمة والصبر مثل الملكة غورغو (لينا هيدي).
في المقابل، صوّر الشريط جيش الفرس على شكل مسوخ ووحوش كاسرة معزّزة بأفيال وحيوانات منقرضة، ومزودوين بنبال تحجب السماء. فيما تبدو النساء أقرب الى الجواري البشعة، الساقطات في براثن الرذيلة والمتعطشات الى الجنس والدم. أمّا الملابس التي ألبسها المخرج لجيش ملك الملوك أحشويروش فنزعت عنهم كل صفة إنسانية. ويقابل هذا الانحطاط الحضاري والإنساني والاجتماعي لدى الفرس، رُقي معماري عند الإسبارطيين، واجتماعي ترجمه المخرج في ملابس نساء إسبارطة ورجالها.
قرار الحرب يضعه سنايدر في يد المحارب الإسبارطي لأنه وحده حصانة الوطن وكرامة أبنائه. فيما يدخل النشاط السياسي في خانة العمل الدبلوماسي العقيم وما يتطلبه من مساومات وغدر، كما في حال ثيرون الذي يبتز الملكة غورغو بعفّتها مقابل إرسال تعزيزات عسكرية إضافية الى جبهة القتال. ومثل هذه الإشارات ليست سوى صياغات لعقلية عسكرية حُشرت في النص، تذكّر بالتاريخ ودروسه القاسية. أما لمن ترسل هذه الإشارات؟ فالمشاهد سرعان ما تحضر في ذهنه صورة إيران الحالية وتقاطعاتها مع أميركا جراء برنامجها النووي.
يفضي مثل هذا الإسقاط التاريخي الى أنّ الفرس مكتوب عليهم الاندحار، رغم جيوشهم الجبارة وبرنامجهم النووي الحالي. فبسالة المحارب الإسبارطي، ونسخته المعاصرة أي المارينز، كفيلة بدحر الغزاة والبرابرة المدفوعين بعقلية العبيد، مثلما يسرد الشريط. لا حوار بل خضوع، قاتل أو مقتول من أجل «الموت والنيل بشرف الحياة الحرة» مثلما يقول ليونيداس. فالمعارك التي جرى تصويرها وتضخيمها، من دون ديكورات أو استوديوهات كبيرة، وعبر برامج كمبيوتر خاصة، بدت كأنها تستحضر حروباً غيبية هي دليل المخرج سنايدر على عظمة العقل الغربي.
أخيراً، وضع المخرج على ألسن أبطاله الإسبارطيين كل ما يحتفي بالحياة ورغد العيش والبطولة والشجاعة. حتى أجسامهم الضخمة بتقاطعاتها الرياضية تقول إنّنا نشاهد أحفاد هرقل على الشاشة الفضية. فيما يلصق بالآخر كليشيهات عنصرية مثل قول أحشويروش إنّه «نشوان بالدم» مقابل جملة ليونيداس الشاعرية «وكأنها مطر» وهو ينظر الى جيوش الفرس الزاحفة باتجاه الموانئ.
فيصل عبد الله
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد