التصدير الزراعي إلى روسيا واعد... والعراقيل أيضاً!
أن تولد وتكبر في ظل أشجار الحمضيات، كابن إحدى القرى الواقعة على طول الشريط الريفي الساحلي، المواجه لشاطئ اللاذقية، يعني أن تحمل هواجس ومعاناة فلاحي المنطقة المنكوبة بالإهمال. أراض شاسعة تتمتع بتربة خصبة ومياه وافرة، وأشجار تنتج أفضل أنواع الحمضيات. لا شك أنها ميزات نادرة يحلم بها كل فلاح، غير أن الفلاح السوري استثناء. مشكلة الحمضيات السورية لطالما خرجت إلى العلن. اعتصامات قام بها بعض الفلاحين وذووهم على مر السنوات الماضية، بما فيها سنوات الحرب، بعد كل موجة صقيع تضرب المحاصيل.
مفاوضات قصيرة مع المسؤولين يتخللها الكثير من الوعود الحكومية، ويعود أبناء القرى إلى وحشة بيوتهم الباردة، وترميم ما يمكن ترميمه، بأنفسهم، من سبل رزقهم المقطوع. أعضاء في مجلس الشعب من الساحل تعاقبوا على البرلمان لم يجرؤ أي منهم على حمل هم الفلاح الذي انتخبهم. وبقيت أسعار منتجات الحمضيات الساحلية بخسة بالنسبة إلى الفلاح، فيما تدخل منزل المواطن السوري بأسعار مضاعفة، قد تصل إلى 300 ليرة، بحسب جودة البرتقال ونوعه.
جاء الحل؟
المظلة الجوية الروسية أتت بالحل إلى الساحل. حل التقطته الحكومة السورية بلهفة، وأدخلته حيز التطبيق السريع. لم ينتظر التعاون الزراعي بين روسيا وسوريا تأزم العلاقات الروسية مع تركيا، إثر حادثة اسقاط الطائرة الشهيرة.
فتأسيس القرية السورية ــ الروسية، في حزيران الماضي، في اللاذقية وطرطوس، جاء تمهيداً لتنظيم التعاون بين الأسواق السورية والروسية، في ظل توافر منتجات زراعية عالية الجودة، وخالية من المواد الكيميائية. التقط الروس أهمية كنوز الساحل مع دخول سلاح الجو الروسي إلى المنطقة، وبدء اهتمام رجال الأعمال الروس بالمنطقة الجديدة التي تساهم قوات بلادهم في حمايتها. وبدأت الحكومة السورية تستثمر الأمر، إذ آن الأوان لسد حاجات الأسواق الروسية، بعد وقف استيراد الحمضيات التركية، والاستعاضة عنها بالسورية. حلم لم يجرؤ فلاحو المنطقة الساحلية على التفكير بقابليته للتحقيق من قبل، بعد خيبات متلاحقة في ما يخص شأن التصدير وزيادة أرباحهم، حيث فقد بعض الفلاحين الثقة بإدارة حكومتهم لشأن التصدير الزراعي إلى روسيا... حتى إنّ لدى بعضهم شكوك في أنّ الملف سيدار بعكس مصالحهم الصغيرة، بما يفي برعاية مصالح كبار التجار.
يمشي أبو حسن، الفلاح الستيني، بين أشجار الحمضيات الوافرة في مزرعته. لا يأمل أي فائدة من غلاء الأسعار، إثر بدء تصدير الإنتاج إلى روسيا، ولا سيما بعدما استأجر شبّان من قريته أرضه، مع بدء الموسم قبل أشهر. يضيف الرجل: «لعلّ المستأجرين يستفيدون قليلاً، قبل أن يدخلوا في دوامة ألعاب السوق. إن استمرت تجربة التصدير حتى العام المقبل، فسأرفع سعر الاستثمار، أو ربما أجني المحصول بنفسي». آمال عريضة يحملها العجوز الساحلي، لا يشاركه جاره أيمن في أي منها. تصيب الرجل الخمسيني الحسرة على فرصة ازدهار العلاقات السورية السوفياتية في التعسينيات، «دون أن يجري استغلال ذلك لدعم الاقتصاد السوري، وهذا له أسبابه بالطبع»، بحسب أيمن. ويتابع: «لدينا الكثير من المشاكل التي تتطلب حلولاً على مستوى مؤسسات الدولة. نحن عاجزون أمام ضعف وجود يد عاملة، ما يعني ارتفاع الأجور كي تصل شهرياً إلى 100 ألف ليرة للعامل الواحد». ويضيف: «على الدولة ممارسة رقابة حقيقية على جودة المنتجات المصدّرة، أو نخسر الفرصة الروسية مجدداً، كما خسرناها في التسعينيات». ويمكن ملاحظة أن معظم العمال في المزارع الساحلية هم من أبناء المحافظات الداخلية النازحين إلى المدينتين الآمنتين نسبياً، باعتبار الذكور من أبناء الساحل موزعين بين خدمة العلم والسفر إلى الخارج، وهو سبب قلة اليد العاملة، بحسب فلاحي المنطقة.
تأسيس القرية السورية ــ الروسية جاء تمهيداً لتنظيم التعاون التجاري
يشرح عضو مجلس رجال الأعمال السوري الروسي، الدكتور قتيبة حسن، قدرة الأسواق الروسية على استهلاك الإنتاج السوري كله من محاصيل يشتهر بها الساحل السوري كالحمضيات. ويضيف: «لا تأثير على الأسواق السورية أو الصناعات القائمة على المحاصيل المصدّرة، بسبب فائض الإنتاج السوري منها». ويناشد وزارتي التجارة الداخلية والزراعة التدخل، في ما يخص الرقابة على الأسعار منعاً من التلاعب الذي قد ينتج منه ظلم يقع على الفلاح. ويطرح النقطة الأكثر خطورة، التي تتعلق بضرورة وضع لجنة تتمتع بسمعة جيدة مسؤولة عن المواصفات، تحت إشراف مباشر من وزارة الزراعة. ويكشف حسن أن الشحنة الأولى التي توجهت من اللاذقية إلى مرفأ نوفوروسيسك الروسي، احتوت على 21 حاوية، يحتوي كل منها على ما يقارب 16 طناً من الحمضيات، وقد «رفضت الشحنة الأولى، باعتبارها غير خاضعة للرقابة، وجاءت مخالفة للمواصفات». يمكن تدارك الأمر، بحسب حسن، وذلك من خلال تحرك سريع لوضع نظام للمواصفات الروسية، على الأقل، على الزراعات والصناعات السورية. مشكلة النقل تضاف إلى معرقلات أُخرى تعترض خطوة التصدير الجديدة، بحسب تعبير رجل الأعمال السوري، إذ إن المرفأ السوري يتميز برسوم أغلى من المرفأ اللبناني بما يعادل 800 دولار. والأمر يتطلب، بحسب حسن، تفعيل مشاريع مذكرات تفاهم، وإقرار اتفاقيات اقتصادية تتضمن تسهيلات جمركية خاصة، بالنسبة إلى المنتجات المتجهة إلى المرافئ الروسية، أسوة بتسهيلات كانت تضعها الحكومتين التركية والإسرائيلية على البضائع المصدّرة إلى روسيا، بهدف الحفاظ على هذا التعاون خارج المنافسة، كما لا يقتصر دور مجلس رجال الأعمال السوري ــ الروسي على الاهتمام بالتصدير الزراعي، بحسب توضيح حسن، إنما يعمل على فتح خطوط لمعامل الألبسة في حلب ودمشق مع الأسواق الروسية.
آمال السوريين العريضة بتصدير منتجاتهم الزراعية والصناعية توازيها خيباتهم، بعدم إدارة الملفات العالقة كما يجب، مثل كل مرة. والأمل المنعقد على الأسواق الروسية لتحقيق عدالة ما على مزارعي الحمضيات، يقابلها عدم الثقة باستغلال الحكومة حاجة الأسواق الروسية للإنتاج السوري، بما يعود بالفائدة على المواطنين والاقتصاد السوري المتراجع.
مرح ماشي
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد