البطاطا تحتل الأسواق والطرقات
حالة من القلق يعيشها مزارعو البطاطا بسبب الاستمرار في تدني أسعارها ما كبدهم خسائر فادحة، إذ بيع الكغ الواحد ما بين 10- 15 ليرة من المزارع إلى التاجر مباشرة، وتعتبر البطاطا من المواد الأساسية التي تعتمد عليها الكثير من العائلات المحدودة الدخل
شهدت في الآونة الأخيرة الكثير من الانتكاسات والمطبات التسويقية التي جعلتها تحتضر، مادفع الكثير من المزارعين إلى هجرة حقولهم، وبيع المحصول على الطرقات بأسعار زهيدة ومن أتيح له القيام بجولة اطلاعية على اوتوستراد دمشق– درعا يمكن أن يلاحظ بالعين المجردة كيف جلس الباعة على جانبي الطريق الممتد من جسر صحنايا وحتى مدخل مدينة دمشق والى جوارهم أكياس البطاطا رفع عليها بطاقة كتب عليها سعر الكغ بـ10ليرات في مشهد يطرح أكثر من سؤال حول مصدر تلك المادة، ويأتيك الجواب سريعا إنها من درعا التي أغرقت أسواق وأحياء العاصمة بالبطاطا من كثرة وفرتها، والمشهد الذي يتكرر يومياً لا يعكس الرؤية السياحية لمدينة دمشق بل واقع مزارعي البطاطا إلى أين وصل بهم الحال؟
اقتربنا من تجار التجزئة في سوق باب سريجة لمعرفة أسباب تدني أسعار هذه المادة وخاصة بعد مشاهدة كميات كبيرة منها تباع بالأكياس وعلى جوانب الطرقات، حيث أكد أحد التجار أن سبب تدني أسعارها مرده إلى أمرين الأول أن أبواب التصدير شبه مغلقة، والثاني وفرة المادة وبكميات كبيرة وحصر بيعها بالمدن المنتجة لها، وهذا سبب خسارة كبيرة للفلاحين.
بطاطا على كيف كيفك
(بطاطا على كيف كيفك) بهذه العبارة يستقبلك شبان يفترشون أكياس البطاطا سعة 20 كغ على جانب الطريق تحت أشعة الشمس الحارقة، وعندما وقفنا نسأل عن أسعار البطاطا ونوعيتها ومصدرها، قال شاهر شاب في العشرين من عمره: إن مصدرها محافظة درعا وهي نخب أول، مضيفاً: أشتري يومياً حوالي عشرة أكياس من البطاطا وأبيعها وأربح فيها، في حين قال بائع آخر يدعى سمير أنه يعمل بالأجرة حيث يبيع البطاطا لصالح شخص يتعامل معه يوميا، وعن الأسباب التي جعلتهما يعملان في بيع البطاطا قالا: فرص العمل باتت غير متوافرة بالشكل الكافي، وبالكاد نجد عملاً نأكل منه رغيف خبز.
تذبذب في الأسعار
أخذت البطاطا جل اهتمام الشارع نظراً لتدني أسعارها تارة وارتفاعها تارة أخرى، وقد تشابهت آراء المواطنين الذين تحدثننا إليهم، حيث قال أحمد متزوج وأب لثلاثة أطفال البطاطا رخيصة جداً في مكان، وغالية في الأسواق الرئيسية وسعرها لم يستقر منذ عدة أشهر? كما أبدت مجموعة من النساء اللواتي التقيناهن بالسوق الشعبي (باب سريجة) قلقهنّ إزاء مشكلة البطاطا التي تعتبر مادة أساسية في مائدة السوريين على اختلاف مستوياتهم وأحوالهم المادية، لكن ارتفاع أسعارها تارة وانخفاضها تارة أخرى أوقع العديد من الأسر في حيرة من أمرهم.
سيدة في الأربعين أشارت إلى أن البطاطا أصبحت بالنسبة إلينا نقتنيها كالفاكهة، بالمقابل أشار عدد كبير من المواطنين إلى أن هذه المادة ضرورية لدى الجميع وعودة سعرها إلى القيمة الحقيقية المتعارف عليه في السابق أصبح ضرورة ملحة.
أحد المواطنين عبر عن عتبه من خلال إلقائه المسؤولية بالكامل على كاهل تجار الجملة الذين يزيدون في الأسعار في كل مرة.
من جهة أخرى طالب عدد من المواطنين وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بإيجاد حلول لمشكلة ارتفاع الأسعار، فما بين الأيام التي تبدأ من شهر رمضان إلى غاية عيد الفطر السعيد والقادم، يبقى المواطن رهين المحبسين وعليه أن يعرف أن هناك أسواق كالبحر فيها حيتان لديها المقدرة لابتلاع مياه البحر.
ويرى معاون مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بدمشق محمود المبيض أن مادة البطاطا تخضع للعرض والطلب وحسب وفرتها، مبينا أن هناك لجنة لسبر سعر المادة في السوق وبالتالي تحديد سعرها الحقيقي، وتشارك فيه أطرف مختلفة منها (وزارة الزراعة- اتحاد الفلاحين- المؤسسة العامة للخزن والتسويق- غرفة الزراعة- لجنة تسيير أعمال سوق الهال)، وعن الأسباب الكامنة وراء انخفاض أسعار البطاطا قال: وفرة المادة لكون الإنتاج جيداً ووفيراً وعدم تصدير المادة وتوفر البدائل (رخص أنواع أخرى من المنتجات الزراعية اثر على المادة وسعرها المنخفض).
بين التسويق والتخزين
من جانبه يرى أسامة قزيز عضو لجنة تسيير أعمال سوق الهال في دمشق أن ثلاثة يتقاذفون محصول البطاطا ويساهمون في تدني أسعارها تارة ورفعه تارة أخرى، إلا أن المزارع الوحيد المتضرر من تدني أسعارها، وأضاف: في الأوقات السابقة كان التاجر يشتري من المزارع والمصدر يشتري من التاجر والمنتج ويقوم الثلاثة بتخزين البطاطا في البرادات للأوقات المناسبة، لكن في العام الماضي وهذا العام لم يحصل ذلك بسبب تخوف هؤلاء من التكاليف الباهظة التي تنتج عن عملية التخزين وغيره فالمازوت غير متوفر لتشغيل مولدات التبريد بالإضافة إلى تقنين الكهرباء.
وقال قزيز: إن البطاطا التي تباع على الطرقات دون الوسط ولا تحمل المواصفات الجيدة.
مؤكداً أن عملية تصدير البطاطا إلى العراق متواصلة حيث يصدر يومياً ما يقارب من 500 طن بالإضافة إلى تصدير المادة للعديد من الدول العربية والأجنبية نظراً لما تتمتع به البطاطا السورية من مواصفات وخاصة أن أسعارها مناسبة، ولفت قزيز إلى أن محافظة درعا ترفد أسواق الهال بدمشق يومياً بما يقارب من 500 طن بالإضافة إلى المحافظات الأخرى التي تسوق للعاصمة أيضاً حوالي 500 طن يوميا.
فك الخناق عن الجيوب
يشير أحد التجار، بأن الأزمة التي تعيشها بعض الأسواق هي أزمة نقص بمادة البطاطا وليست ندرتها، وأن هذه الأزمة عادية بالنسبة للخضر والمنتجات الزراعية، خاصة في الظروف الراهنة التي تسببت في إحجام المزارعين عن نقل محاصيلهم الزراعية إلى بعض المحافظات، مما يدفع تجار المدن إلى استعمال المخزون الذي تأتي أسعاره لتقلب الموازين رأساً على عقب.
مع المزارعين
مزارعون كثر التقيناهم بقصد نقل مشاكلهم حذروا من العوائق والأزمات المحيطة بعملية تصريف الإنتاج لهذا الموسم من مادة البطاطا، ولاسيما ان إنتاج البطاطا وتدني الأسعار باتت لا تغطي سوى 40% من تكلفة الإنتاج.
وطالبوا بخفض سعر مادة المازوت للفلاحين وتأمين الأسمدة بالأسعار الحقيقية وتفعيل دور دعم المنتجات الزراعية مما ينعكس إيجاباً على الفلاحين، وإيجاد حل نهائي لأزمة تصريف الإنتاج التي تواجه مطبات وعوائق عبر الأسواق التقليدية التي يصدرون إليها منتجاتنم الزراعية، والعمل من جانب وزارة الزراعة على إيجاد أسواق جديدة لتسويق هذه المنتجات.
ويقول المزارع مصطفى أبو الخير: استسلمت أخيراً للأمر الواقع وقلعت البطاطا، لأنني كنت انتظر طويلاً على أمل أن يرتفع السعر إلا أنني كنت انتظر حلماً لم يأت، فالحرارة المرتفعة قد تؤدي إلى الإضرار بالمحصول، ومن الأفضل أن نبيع حتى لو خسرنا، المهم أفضل بكثير من فقدان المحصول بكامله، وأضاف: إذا انخفض السعر ستكون الخسارة من نصيبنا وإذا ارتفع السعر سيكون الربح من نصيب التاجر الذي يشرع الآن بتخزين البطاطا في البرادات حيث يطرحها في السوق بعد انتهاء الموسم بالسعر الذي يريد.
وبينما يشتري البطاطا من المزارع بأسعار زهيدة في حين يبيعها بالأسعار التي تحلو له.
تكاليف مرتفعة
أمين سر غرفة زراعة دمشق رفعت الطرشان والذي هومزارع بطاطا قديم أشار إلى أن تكلفة الكغ من البطاطا الصيفية ذات البذرة المحلية يصل إلى 17.5 ليرة في حين تكلفة واحد كغ من البطاطا الصيفية الأجنبية يبلغ 17،98 ليرة، وبعملية حسابية بسيطة، فان الأسعار الحالية لاتكفي للحصول على التكلفة المذكورة، هذا إذا لم تتعرض النباتات لأي عوامل مرضية أو طبيعية تؤدي إلى تدني نسبة الإنتاج.
ولفت إلى أن سعر صرف الدولار اثر سلباً على تكلفة الإنتاج ففي عام 2011 تم توزيع طن بذار البطاطا بحوالي 70 ألف ليرة بينما وزع هذا العام 2012 بسعر وصل إلى حوالي 90- 100 ألف ليرة.
مشيراً إلى أن واقع تصدير البطاطا ليس جيداً وان الإنتاج يفوق الاستهلاك المحلي وان قسماً كبيراً من الإنتاج يخزن مطالباً بأسواق خارجية لتسويق المنتج السوري الذي يتمتع بمواصفات جيدة ومتميزة، ولفت إلى أن المساحة المزروعة بريف دمشق من البطاطا بلغت ألف هكتار ومن المتوقع أن تنتج 50 ألف طن.
وعن الأسمدة والأدوية الزراعية قال: الأسمدة غير متوافرة بالشكل المطلوب وهذا ما اوجد سوقاً سوداء لها، فالأسمدة الموجودة في السوق السوداء سعرها يفوق بكثير عن تلك الموجودة في مراكز تأمين مستلزمات الإنتاج الزراعي، لافتاً إلى أن مواد المكافحة (الأدوية البيطرية هي الأخرى شهدت ارتفاعاً هائلاً ما أدى إلى رفع تكلفة الإنتاج).
وحول معاناة المزارعين من جراء نقص في مادة المازوت أكد أنه وخلال المواسم الزراعية لم يحصل أي مزارع على المادة بالسعر الحقيقي.
وكان المزارع عبدالله البكور من محافظة إدلب أشار إلى أنه إذا ما استمر الوضع على هذا المنوال وعدم إيجاد الطرق المناسبة لتصريف الإنتاج سيؤديان إلى خسائر فادحة إضافية يتكبدها المزارعون بعد تراكم معاناة الفلاحين على مدى سنوات اضطروا معها إلى بيع أراضيهم لإيفاء ديونهم المالية عدا عن الآثار السلبية التي يتعرض لها القطاع الزراعي عموماً لان زراعة البطاطا هي العمود الفقري للإنتاج الزراعي.
ولفت البكور أن معظم المزارعين من أبناء منطقته بعدما شاهدوا كيف بيعت البطاطا (بتراب الفلوس) كما يقولون قاموا بالتعاقد مع أصحاب غرف التبريد الخاصة التي تنتشر بكثرة وسط الأراضي الزراعية في مناطق محافظة ادلب بقصد حفظها وعدم تصريفها في الوقت الحالي وانتظار الظروف المناسبة للتسويق والتصريف.
وبين أن الدونم الواحد في ادلب ينتج من 3- 4 أطنان وحسب طبيعة الأرض ونوعية البطاطا والعوامل الجوية مشيراً إلى أنه يقوم حالياً بتسويق البطاطا إلى سوق الهال في مدينة حلب حيث بيع الكغ الواحد بين 8- 11 ليرة، وقال: باتت أجور النقل تشكل عبئاً كبيراً على كاهل المزارعين وخاصة بعدما رفع اصحاب السيارات أجورهم حيث يتقاضون أجرة شحن كل واحد كغ من البطاطا حوالي 2- 3 ليرات سورية وبعملية حسابية فان أجرة سيارة حمولتها ثمانية أطنان ما يقارب من 16 ألف ليرة.
مكافحة الممارسات الخاطئة
وأرجع توفيق الأسعد رئيس اتحاد الفلاحين في محافظة ادلب تدني أسعار البطاطا إلى المضاربين والوسطاء المتحكمين في سلسلة التسويق بين المنتجين الحقيقيين والسوق، وأوضح الأسعد أن هذا التدني في أسعار الخضر ومنها البطاطا لا يرجع إلى وفرة الإنتاج وإنما إلى المضاربة والاحتكار الواقع في هذه السوق، مبرزاً أن الجهات المختصة في تنظيم ومراقبة السوق لا تتدخل بالقدر الكافي لقمع هذه الممارسات، وقال: إن الفلاحين لا دخل لهم في تحديد قيمة هذه المادة أو تلك على مستوى الأسواق وهم مطالبون بتكثيف الإنتاج فقط، وبالتالي لا علاقة لهم بظاهرة رفع السعر أو خفضه، غير أنه اعترف بأن الأسعار ترتبط أحياناً بمراحل ظرفية منها ما له علاقة بالجانب المناخي ومنها ما هو ذو طبيعة معينة تتعلق كإمكانيات التخزين والتبريد في بعض مناطق المحافظات، وجدد الأسعد دعوته لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك إلى القيام بواجبها من خلال مراقبة السوق ومكافحة الاحتكار والسمسرة على حساب القدرة الشرائية للمواطنين، وأفاد بأن اتحاد الفلاحين يتطرق في جميع اجتماعاته التي يعقدها إلى العديد من المشاكل التي يعاني منها الفلاحون وعلى رأسها المضاربة في المنتجات الزراعية وتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعي.
رعاية وإشراف
المهندس عبد المعين قضماني مدير الإنتاج النباتي في وزارة الزراعة أشار إلى أن البطاطا تزرع في سورية على ثلاث عروات العروة الرئيسية وهي العروة الربيعية وتبلغ المساحة المخطط لها 19277 هكتاراً حيث تزرع في محافظات (حلب- ادلب- حماه والغاب- حمص- درعا- طرطوس)، وتقدر الإنتاجية الوسطية للهكتار الواحد فيها بـ 30 طناً.
وأضاف قضماني زُرع في العروة المشار إليها في الموسم الحالي 16856 هكتاراً بنسبة تنفيذ 86 % حيث تؤمن هذه العروة بطاطا طعام للقطر في الفترة منذ بداية نيسان وحتى تشرين الأول وصل إنتاج هذه العروة /500/ ألف طن وهي اقل من العام الماضي حيث وصل الإنتاج فيه من العروة الربيعية إلى 718 ألف طن.
وحول العروة الصيفية قال : تتركز زراعتها في ريف دمشق وقد بلغت المساحة المخطط لزراعتها 1337 هكتاراً نفذ منها 926 هكتاراً بنسبة تنفيذ 69% وتقلع هذه العروة مع بداية تموز وحتى نهاية أيلول المقبل.
وتابع قضماني يقول: بالنسبة إلى العروة التكثيفية ( الخريفية ) والتي يبدأ موعد زراعتها في 15 تموز ويمتد لغاية 20 آب بلغت المساحة المخطط لها 18281 هكتاراً، وتتركز زراعتها في محافظات ادلب- حلب- حماه والغاب- حمص وتبدأ زراعتها منتصف تموز من كل عام.
معاناة متكررة
وأشار مدير الإنتاج النباتي في وزارة الزراعة إلى أن مزارعي البطاطا يعانون من الظروف الراهنة بالإضافة إلى النقص الشديد في مادتي المازوت والأسمدة وصعوبة النقل والتي انعكست على العروة الربيعية تبايناً كبيراً في أسعار البطاطا بالسوق حيث تباع في أسواق هال دمشق بـ 9- 15 ليرة وحسب الصنف، في حين تباع في حماه مثلاً بأقل من / 4 / ليرات للكغ ويعود السبب إلى عدم قدرة الفلاحين على تسويق منتجاتهم الزراعية إلى أسواق الهال في المحافظات الأخرى.
وكان مدير الإنتاج النباتي لفت إلى أن أشهر شباط وآذار ونيسان وتشرين الأول والثاني هي فترة انقطاع البطاطا من الأسواق حيث يتم تأمين المادة عن طريق الاستيراد. وكان مصدر مطلع أشار إلى أن ما يقارب من ثمانية آلاف طن يتم استيرادها من لبنان خلال الأشهر المشار إليها.
علام العبد
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد