الاقتصاد العراقي: الجوع حيث لا يمكن لأحد أن يجوع
- أن العراق بلد (لا يمكن أن يجوع فيه احد) وانه قادر على أن (يوفر الغذاء والمستلزمات الضرورية للعيش).
هكذا قال احد المستشارين الاقتصاديين العراقيين، وكذلك كل من يعرف العراق جيداً، فعلى الرغم من امتلاك العراق ثاني اكبر احتياطي للنفط في العالم واحتياطياً كبيراً من الغاز والمياه الوفيرة وتاريخاً عريقاً من العناية الصحية والتعليم.
إلا أن الاقتصاد العراقي شهد تراجعاً خطيراً في كافة مفاصله بسبب السياسة الخاطئة التي ارتكبتها سلطة الاحتلال، إضافة إلى تدهور الوضع الأمني في البلد الذي أدى إلى تعطيل أو إلغاء أكثر المشاريع الحيوية.
العراق قبل الاحتلال يختلف عما بعده، فلم يكن المواطن العراقي يعتقد ولو بحلم أو بكابوس إن من سيحدثه عن اقتصاده الوطني بول بريمر او ديك تشيني، فقد أصبحت موارده رهينة في أيد جديدة لا تشبهه لا باللون ولا بالتفكير... بعد أن دخل العراق نفقاً طويلاً من الحرمان والبطالة والتهميش وضياع الموارد، ولن يخرج منها بسهولة على الرغم من المساعي التي تبذلها الحكومة العراقية على كافة المستويات داخل العراق وخارجه.
فالحديث عن ( عراق ) قبل الاحتلال او التطرق إلى واقع وآفاق التطور الاقتصادي في العراق خلال العقدين الأخيرين أو في فترة ما بعد السقوط صعب بسبب ندرة ودقة المعطيات الإحصائية، أو بسبب عدم الكشف عنها سابقا لأسباب تتعلق بطبيعة النظام. كما أن صعوبة تحديد حجم الدمار الذي لحق بالبنية التحتية للاقتصاد الوطني وما تم من دمار وتخريب في البيئة الإنتاجية والاستثمارية في عراق ما بعد السقوط يزيد من صعوبة التحليل.
من المعروف أن الشعب العراقي واقتصاده الوطني تعرضا إلى خسائر مادية وبشرية جسيمة يمكن الإشارة إليها بشكل عابر وذلك لتبيان صورة متواضعة للآفاق الاقتصادية وتحديدا في ما يتعلق بحجم الإنتاج المحلي، نسبة التضخم، حجم البطالة ومؤشرات الإنتاج والاستهلاك والتوزيع وحجم الاستثمارات الأجنبية القادمة مستقبلا، كل ذلك في إطار عمليات الخصخصة التي ستأخذ طريقا لها في السياسة الاقتصادية، لا يمكن الاستهانة بمخاطرها على صعيد تركيبة وإعادة هيكلية الاقتصاد وعلى صعيد المستوى المعيشي للفرد الواحد.
والحديث عن الواقع الاقتصادي لعراق ما بعد السقوط، هو الآخر أكثر صعوبة بسبب عجز مؤسسات الدولة عن متابعة الحدث، أو مراقبة المتغير في هيكلية الاقتصاد الوطني نتيجة الدمار والعجز الذي لحق بأكثر من مفصل من مفاصل الفعل الاقتصادي، أو في التشويه الذي رافق الحياة العامة للمجتمع العراقي والعائلة العراقية تحديدا. وكما هو مشخص لكل مطلع اقتصادي، وما هو متداول عالميا، هو أن معيار الشرعية السياسية ومصداقية العمل والنشاط السياسي للقوى الوطنية داخل الحكم وخارجه يقاس بحجم المنافع الاقتصادية وما يتحقق من مكاسب على مستوى دخل ومعيشة الفرد الواحد في إطار تنمية مستدامة لعموم المجتمع, وهو ما يقودنا إلى التأكيد على أهمية الربط بين النشاط السياسي والفعل الاقتصادي.
- ان المحرك الرئيسي للعودة إلى الوضع الطبيعي هو قطاع النفط الذي يشكل نسبة (70%) من إجمالي الناتج القومي وأكثر من (98%) من الصادرات وعوائد الحكومة. حيث يعتبر نشاط حفر واستصلاح الآبار واستخراج النفط والغاز من الأنشطة الرئيسية لهذا القطاع والمصدر الرئيسي لدخل البلد حيث بلغ إنتاج النفط الخام (730) مليون برميل عام 2004 بمعدل يومي قدره (2) مليون برميل في حين بلغ إنتاج النفط الخام (342) مليون برميل في النصف الأول من سنة 2005 بمعدل (1.9) مليون برميل صدر منه (562) مليون برميل بمعدل تصدير يومي (1.5) مليون برميل سنة 2004 و(275) مليون برميل خلال النصف الأول من سنة 2005 بمعدل تصدير يومي (1.4) مليون برميل. أما المجهز للمصافي والكهرباء فقد كان (161) مليون برميل سنة 2004 و(77) مليون برميل في النصف الأول من سنة 2005 وقد بلغت القيمة المضافة الإجمالية التي حققها قطاع النفط الخام (30945.5) مليار دينار وبنسبة مساهمة قدرها (63.9بالمئة) من إجمالي الناتج المحلي لسنة 2004، وتشير هذه النسبة إلى أهمية دور هذا النشاط في الحياة الاقتصادية للعراق وتأثير ذلك النشاط على الأنشطة الأخرى. فإذا ما علمنا إن صادرات النفط الخام تشكل نسبة (98بالمئة) من إجمالي صادرات العراق في سنة 2004 من هنا يمكننا التعرف على دور هذه الثروة في العلاقات الاقتصادية مع العالم الخارجي وتأثيرها الواضح في مفردات الميزان التجاري حيث ان قدرة العراق على الاستيراد في تغطية بقية مفردات ميزان المدفوعات الجارية وذلك لنقص مصادر الإيرادات الأخرى للميزان.
- يشكل الدين الخارجي على العراق والبالغ بين (150-170) مليار دولار من التحديات المهمة للسياسة الاقتصادية العراقية لان عبء الدين الخارجي الذي خلفه النظام السابق جسيم للاقتصاد العراقي تحميله وخدمته ويعيق الجهود التي تبذل لانطلاقته واستعادة عافيته لذلك يسعى العراق بجدية وبالتعاون مع المؤسسات المالية الدولية وبالأخص (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، نادي باريس، نادي لندن) وكذلك الجهود التي بذلها السيد جيمس بيكر وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق للحصول على تخفيضات جوهرية لهذه الديون في جانب الدول الدائنة.
لقد أبدت العديد من بلدان العالم الدائنة عن نيتها للتعاون والتفاوض لإجراء تخفيض كبير على ديونها إلى مستويات يمكن للاقتصاد العراقي ديمومتها وخدمتها دون ان تعيق تحقيق معدلات نمو اقتصادي عالٍ ومستمر، أن العراق مستمر في تجميع البيانات المتعلقة بديونه والمستندات الموثقة لها وقد استعان بشركة محاسبية عالمية لإجراء الفحص والمطالعة مع الدائنين تمهيدا للجلوس مع نادي باريس ولندن للمرحلة الثانية
في تنويع مصادر النمو الاقتصادي والتي تتطلب توسيع وتحرير الخدمات الأساسية كخدمات النقل والاتصالات والخدمات المالية وخدمات البنى التحتية والسياحة والتي تعتبر من المجالات الأساسية لتوسيع التجارة
- عدم استتباب الأمن أدى إلى عدم الاستقرار كون أن العراق أصبح ساحة حرب على الإرهاب ونتيجة للفساد الاقتصادي المستشري في أجهزة الدولة فقد أدى ذلك إلى تصاعد وتيرة العنف وفقدان الأمن، إذ كما هو متعارف عليه إن التنمية والأمن وجهان لعملة واحدة.
كما يتطلب إيجاد المناخ الاستثماري الملائم لتحفيز الاستثمار الخاص واستحداث التغييرات المؤسسية وإعادة الهيكلية والتي تشكل هي الأخرى عاملا أساسيا في تحديث الإمكانيات الاقتصادية وتنشيطها على المديين المتوسط والبعيد.التحديات الإستراتيجية التي يواجهها الاقتصاد العراقي وأسباب نشوئها هناك جملة من التحديات تقف حائلا في طريق الاقتصاد العراقي يعود معظمها إلى تراكمات في الأخطاء والانحرافات التي أدت بدورها إلى تحديد الاختلالات الهيكلية وعدم بلورة نظام اقتصادي سليم واضح المعالم مما افقد العراق إمكانية وجود أفق إستراتيجي بعيد المدى يمكن ان يتم السير في ضوئه في إحداث النهوض الاقتصادي، لذلك اقتصرت معظم المعالجات والسياسات الاقتصادية على آليات إطفاء الحرائق المرحلية دون الولوج إلى حل جذري للمعلومات القائمة بل يتم اللجوء إلى ترحيل المشاكل من مرحلة إلى أخرى لاحقة لها وهكذا دواليك مما افقد البلد الإمكانية في تراكم ما هو جيد بل اقتصر التراكم على ما هو سيئ وبالتالي تم تحديد الممارسات الخاطئة خصوصا في المجال الاقتصادي لقد واجه الاقتصاد العراقي العديد من التحديات في السابق بسبب الحروب التي خاضها النظام السابق إلى جانب الحصار الاقتصادي الشامل الذي فرض على العراق طوال ثلاثة عشر عاما مـن قبل الأمم المتحدة.
- لقد عانى الاقتصاد العراقي ولا يزال يعاني من آثار ظاهرة التضخم وآثارها السلبية ومنذ عام 1990 لغاية الوقت الحاضر، حيث غطت هذه الآثار على المظاهر الايجابية المصاحبة لارتفاع الأسعار، فمن خلال استقرار المؤشرات وبيانات التضخم بشكل عام واتجاهات الأرقام القياسية لأسعار المستهلك بشكل خاص في عام 2005 يمكن القول أن واقع حال الأسواق العراقية وحركة الأسعار فيها سوف تستمر بذات الطابع الذي كان سائدا طوال الفترة السابقة حيث ستعاني الأسواق من تذبذب وعدم استقرار المستوى العام لأسعار المستهلك، فضلا عن ذلك يعاني الاقتصاد العراقي من مشاكل متعددة ومختلفة.
قلل مستشار في البنك المركزي العراقي من شأن التأثيرات التي يمكن أن تظهرها حالة الركود الاقتصادي التي من المتوقع أن يشهدها الاقتصاد الأميركي.
وقال أن البنك المركزي مستمر في سياسته النقدية الرامية إلى تخفيض حجم التضخم في الاقتصاد العراقي وصولا إلى مناخ مستقر للنمو الاقتصادي، وأضاف أن العراق وشركاءه التجاريين يعملون ضمن منطقة الدولار مما يربطه بالتأثيرات الاقتصادية في أميركا ولكنه أوضح أن العلاقة بين انخفاض الدولار وارتفاع أسعار النفط ستسهم في تعديل التأثير على الاقتصاد العراقي.
العراق والمرض الهولندي
إن اكتشاف الموارد الطبيعية تؤدي إلى آثار مرغوب بها على القطاعات الإنتاجية وخصوصاً القطاع الصناعي وسمي بالمرض الهولندي في النصف الأول من القرن الماضي (1900-1950) بعد اكتشاف النفط والغاز في بحر الشمال حيث هجع الجميع للترف والراحة وفضلوا الإنفاق الاستهلاكي البذخي على الإنفاق الاستثماري ولكن دفع ضريبة ذلك بعد أن أفاق على حقيقة نضوب الآبار التي استنزفها باستهلاكهِ غير المنتج فسمي بالمرض الهولندي.
ويمكن القول إن أعراض المرض الهولندي قد أصابت اسبانيا في القرن السادس عشر عندما حصلت على ثروات نتيجة اكتشاف واستغلال مناجم الذهب والماس من مستعمراتها في أمريكا اللاتينية وشهدت استراليا الحالة ذاتها في منتصف القرن التاسع عشر عند حصولها على المعدن النفيس، وفي بدايات القرن العشرين كانت تلك الظاهرة في الاقتصاد الهولندي الذي سبق إليها بشكل خاص في النصف الثاني من القرن العشرين كل من المكسيك والنرويج وأذربيجان بعد اكتشاف النفط والغاز في أراضينا العربية وفي العهود الأربعة الأخيرة من القرن الماضي، قد أصابت ظاهرة المرض الهولندي الاقتصاديات العربية وخصوصاً البلدان الخليجية النفطية والعراق تحديداً وإذا لم تفلح هذه البلدان في استغلال الموارد النفطية في بناء قاعدة إنتاجية متقدمة مثلما حققت تقدماً في الإنفاق الاستهلاكي المظهري.
أما العراق فحالتهُ خاصة فهو لم يصب بأعراض ذلك المرض فحسب بل هناك مضاعفات كبيرة لهذا المرض تمثلت بهدر الثروة دون الاستفادة منها في تطوير البنية الاقتصادية وخدمة الإنسان العراقي ولعل أهم العوامل التي ساعدت على ذلك
فشل السياسات الاقتصادية، الارتباط غير المشروع بين السلطة والثروة،ضعف المبادرة والاتكال على الدولة، حيث إن الاقتصاد العراقي يعيش ظروف قاسية من التهميش والتبعية في ظل المرحلة الاستعمارية، وظهور حالة الركود والقناعة بالأوضاع المتردية وحالة الاسترخاء والركون إلى الراحة، أضعفت حالة المبادرة لدى أفراد المجتمع إن حالة الاتكالية على الدولة في توقير الاحتياجات الشخصية هي عامل إحباط لمساهمة الأفراد في النشاط الاقتصادي بالتالي تمثل أحد أعراض المرض الهولندي
- في صورة تعكس شيئا من واقع الاقتصاد العراقي، يبدو رصيف المشاة في شارع الصناعة وهو قبلة الأعمال التجارية في مجال الحاسبات والتكنولوجيا الرقمية الحديثة، مكتظا بالكثير من الشبان الطموحين الراغبين بصنع ثرواتهم قبل ان يلقوا حتفهم على يد قاتل ما.. إما أروقة ومكاتب دائرة الإقامة التابعة لوزارة الداخلية العراقية فتكشف هي الأخرى صورة جلية للكثير من الرجال والنساء الذين يروحون ويجيئون حاملين أوراقهم في قلق واضح متنقلين من مكتب إلى مكتب أملا في الحصول على توقيع صغير حجم، كبير الأثر يسمح ببقائهم في العراق.
وربما تكتمل الصورة أكثر عند المرور بقرية أم الشباب الهادئة على نهر الفرات حيث تظهر بوضوح اكبر ملامح الاقتصاد العراقي، حيث يستخدم المزارعون وسائل بدائية في حراثة الأرض المتعبة وحصاد محصول الحنطة حتى الحبة الأخيرة.
ومرورا على كل ما ذكر عن ملامح المشهد الاقتصادي العراقي فان من الواضح أن هذا الاقتصاد لا يزال يعاني الخسارة والتبدد فضلا عن بدائية الأساليب فرغم وجود لمسة من الحداثة فان الإقطاعية وتأخيرات بيروقراطية الدولة تستنزف معظم موارد وطاقة البلاد.
يحصي الاقتصاديون إن إجمالي الناتج القومي العراقي نما من 5ر20 مليار دولار عام 2002 إلى ما يزيد عن 30 مليار دولار خلال العام الماضي 2007.
يحصي الاقتصاديون أن إجمالي الناتج القومي العراقي نما من 5ر20 مليار دولار عام 2002 إلى ما يزيد عن 30 مليار دولار خلال العام الماضي 2007.
يضاف إلى ذلك أن الرئيس بوش استشهد مرارا بإشارات كثيرة واضحة وحاسمة عن تحسن الاقتصاد العراقي مثل ارتفاع المبيعات للمستهلكين وبداية وتحسن الأنشطة والأعمال في القطاع الخاص. لكن الاقتصاديين مع ذلك يعتقدون ان هذه القفزات ليس لها سوى اثر وتأثير قليل والفضل في ذلك يعود إلى الافتقار إلى البنية التحتية والعقود الطويلة من الإهمال والتدهور.
وعلى الرغم من أن بعض المسؤولين الأميركيين في بغداد أكدوا مؤخرا أن اقتصاد العراق نما بمعدل بين 3-4% خلال العام الماضي إلا أن البعض من الاختصاصيين في مجال الاقتصاد يقولون أن الناتج القومي العراقي انخفض بمعدل 3% في العام 2005 على سبيل المثال متوقعين في الوقت ذاته أن هذا الناتج سوف يعاود الارتفاع مرة أخرى في العام الحالي 2008.
خولة غازي
المصدر: جريدة "الخبر" الأسبوعية
إضافة تعليق جديد