الاقتصاد السوري صامد حتى إشعار آخر
البحث عن الدعم الحكومي هو ما تريده قطاعات اقتصادية سورية عدة تأثرت بالأحداث الأخيرة، وفي مقدمتها السياحة والقطاع المالي في بعض جوانبه. هذه المطالبة بالدعم تأتي بعد طول فترة الأزمة التي دخلت شهرها العاشر، خوفاً من الوصول الى نقطة اللاعودة. في المقابل، يرى المعنيون أن الاقتصاد السوري استطاع أن يكون ممانعاً للضغوط والعقوبات رغم تباطؤ نموّه. وبالحديث عن معدلات النمو، يفضّل وزير الاقتصاد والتجارة السوري محمد نضال الشعار (الصورة)، الابتعاد عن إعطاء رقم محدد لمعدل نمو الاقتصاد السوري في العام 2011، ويكتفي بالقول إنه ستكون هناك معاناة، لكن ليس بالشكل الذي يجعل من الوضع مأسوياً. حتى أنه يبشّر بأن الوضع «يتجه ليكون مستقراً نسبياً، لكننا لن نعطي أرقاماً حتى لا ندخل في الجانب التحليلي».
في المقابل، يؤكد الوزير أنه «بالمقارنة مع ما يحصل من عقوبات وضغوطات، فإن الوضع الاقتصادي مطمئن، وذلك يعني أن درجة مناعة الاقتصاد السوري كانت كبيرة». ويرى الشعار أن أهم ما يجب معالجته حالياً هو أسعار الفائدة التي تتعامل بها المصارف، ومن الواجب خفضها لإنعاش الدورة الاقتصادية وحتى تستعيد المصارف قدرتها على الإقراض الذي يراه «أمراً مهماً جداً نظراً لأن العمل المصرفي هو الدورة الدموية». ويتابع الشعار أنه «ما دام الاقتصاد يعمل، فالمصارف تقوم بدورها بلا شك. قد يكون هناك انخفاض جزئي في أرباح هذه المؤسسات المالية أو تراجع في حجم نشاطها، لكن هذا لا يؤثر على استمرارية المصارف لكونها الداعم لحركة الاقتصاد».
وكان التأكيد على متانة النظام المصرفي السوري هو الأهم منذ بداية الأحداث حتى الآن في سوريا، لذلك لم تتوقف المصارف عن تلبية طلب المودعين بسحب ودائعهم. وبموازاة ذلك، اضطرت المصارف إلى ايقاف الإقراض فيما عدا ما يكون منها لحالات استثنائية حتى تبقى السيولة المصرفية في حدودها الطبيعية. أما المصرف التجاري السوري، فيشير مديره العام دريد درغام إلى أنه «بما يرتبط بمصرفنا، فقد كانت ولا تزال سياستنا مستمرة بعمليات الإقراض والتسليف لمن تنطبق عليه الظروف المناسبة للتسليف، وهذا ما أثبتته الأيام من خلال تلبية متطلبات جميع المواطنين بمن فيهم المودعون، حيث إن المصرف التجاري السوري كان ولا يزال الأكثر ملاءةً بين المصارف العامة والخاصة، ما يفسر تهافت الدول الغربية عليه بعقوبات ظالمة بهدف خفض الثقة به».
لكنّ المصرف المذكور استطاع مواجهة هذه العقبات، بحسب درغام، الذي يقول إنه «في ظل الظروف التي نمر بها، نسعى إلى قراءة متأنية لواقع العمل المصرفي عموماً بحيث تكون السياسة التسليفية رشيدة حتى تنتهي الظروف الخاصة، مع الحرص الدائم على تأمين سحوبات أي مودع لدينا وأي مقترض تثبت سيولته وقدرته على السداد». وبسبب تأثُّر قسم كبير من أصحاب الأعمال بالأزمة الاقتصادية، تراجع نشاطهم وعوائدهم، ممّا جعلهم غير قادرين على سداد التزاماتهم من أقساط مصرفية. لذلك، صدرت قرارات أعطت المقترضين إمكانية إجراء تسوية وجدولة لقروضهم المصرفية.
وهنا يطرح التساؤل: ماذا يعني توقف المصارف عن الإقراض، سواء بقرارات واضحة أو غير واضحة، منذ ستة أشهر حتى وصلنا الى سياسات نقدية انكماشية؟ يجمع المراقبون على أنه حان الوقت لكي يتدخل المصرف المركزي، وهذا ما لم يحصل بعد، فعليه أن يدعم سيولة المصارف لاستئناف الإقراض وإنعاش الوضع الاقتصادي، بدلاً من منح مهل إضافية للمقترضين، وهو ما يؤثّر سلباً على سيولة المصارف في ظل السحوبات حتى تبقى المصارف قادرة على مواجهة تأجيل سداد الديون؛ فسيولة المصارف لا بد من الحفاظ عليها في حدودها الدنيا كي لا تصل المصارف إلى درجة يصبح لديها تدفق نقدي سلبي، أي ما يخرج من خزائن المصارف أكثر مما يدخل.
مصادر مصرفية أخرى تؤكّد أنّ السيولة متوفرة بالحد الطبيعي «وبعض المصارف توقفت عن إعطاء المودعين الودائع التي تستحق لأجل، وما يقدم من قروض يكون على شكل استثناءات تمنح بموافقة وزير المال وبمبالغ ليست كبيرة، فالإقراض كان يصل في السابق إلى مبالغ تتراوح بين 3 و4 مليارات ليرة». ويبقى القطاع الأكثر تضرراً هو السياحة الذي لم يحقِّق عوائد، لذلك ستكون المنشآت السياحية في الفترات المقبلة بأمسّ الحاجة إلى جهات تقديم الدعم لها، بحسب ما يوضحه رئيس غرفة سياحة دمشق رامي مارتيني، الذي يقول إنه «إذا استمرت حال الإشغال على ما هي عليه، نتوقع أنه في بداية العام المقبل ستسوء أوضاع المنشآت السياحية أكثر لأن قدرتها على الاستمرار في تمويلها الذاتي في ظل مواردها المحدودة لن تستطيع الصمود أكثر من عام، ونحن كمسؤولين عن قطاع السياحة نرى أن المطلوب ومن الضروري تدخل الدولة القادرة على فعل ذلك بعدة طرق». طرق يلخصها مارتيني باقتراحه أن تمنح المنشآت إمكانية للاستمرار بتأمين الحد الأدنى من التشغيل، كأن يكون هناك حجز غرف لمصلحة النقابات، أو أن تقوم وزارة السياحة بتخصيص جزء من موازنة الترويج السابقة لتشغيل المنشآت الفندقية، إضافة إلى فتح تسهيلات استثنائية بالعملة المحلية بضمانة رخصة المنشأة حتى يؤمن صاحب المنشأة الحد الأدنى الكافي لتوفير رواتب العمال، على حد تعبيره.
ويختم مارتيني بالكشف أنه «تم الإعلان عن إعادة جدولة لقروض المنشآت السياحية من المصارف وتقسيط فواتير الكهرباء والمياه العائدة لها على مدى عامين، ونعمل الآن على معالجة مستحقات مؤسسة التأمينات الاجتماعية». ويشدد مارتيني على ضرورة تدخل الحكومة، لأنّ «القطاع السياحي لم يصبه ما أصاب القطاعات الأخرى بل هو المتضرر الأول والأكبر لأنه عانى من ضغوط داخلية وخارجية».
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد