الأولمبياد السوري الرابع في المعلوماتية
كشف «الاولمبياد السوري الرابع للمعلوماتية» مدى الحاجة لإعادة النظر في برامج المعلوماتية التي تقدّم في المدارس السورية، بعد أن اجمعت آراء عدد كبير من الاختصاصيين على ضعف هذه المناهج وعدم قدرتها على الارتقاء بمستوى ذكاء الطالب، واقتصارها على نواح تطبيقية بسيطة لا تتناسب مع التطور المستمر في عالم المعلوماتية.
وعلى رغم أن الإحصاءات تشير الى أن 60 في المئة من سكان البلاد (19 مليون نسمة) هم من فئة الشباب ما دون العشرين عاماً، أي ان هناك نحو عشرة ملايين شاب، لم يجد القائمون على الاولمبياد من بين هؤلاء الشباب سوى واحد او اثنين لديهم مهارات عالية في البرمجة المعلوماتية، بمعنى القدرة على التصدي لحل بعض المسائل بطريقة تناسب علوم الكومبيوتر ثم تحويلها إلى برنامج حاسوبي رقمي!
ويبدو ان هذا الرقم المذهل في عدد الشباب المؤهل للتعاطي مع الشأن المعلوماتي، دفع برئيس اللجنة المنظمة للاولمبياد مهند علوش إلى تشبيهه بالمادة المشعة في التفاعل النووي «إما أن يتولّد منها الكهرباء فتكون مصدراً طيباً ومعطاء لطاقة لا تنضب، وإما أن تنفجر فتحرق الأخضر واليابس»!
يهدف الاولمبياد، الذي درجت «الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية» على إقامته سنوياً، إلى انتقاء عدد من الشباب تقل أعمارهم عن 20 سنة وممن لديهم قدرات عالية في برمجة الكومبيوتر، للمشاركة في «الاولمبياد الدولي للمعلوماتية» International Olympiad in Informatics الذي تُشرف عليه منظمة «اليونسكو» وتنظمه سنوياً منذ 19 عاماً. واستضافت مدينة زغرب، عاصمة كرواتيا، الدورة الراهنة لهذا الأولمبياد العالمي بين يومي 15و22 آب (أغسطس) الجاري. والمعلوم أيضاً أنه واحد من ثمانية أولمبيادات علمية تُشرف عليها «اليونيسكو». وتدور منافسات السبعة الباقية في مجالات العلوم العامة والرياضيات والبيولوجيا والفلك والفيزياء واللغويات والكيمياء.
وانطلق الاولمبياد السوري الأول قبل نحو أربعة أعوام متضمناً ست فئات، تقلّصت لاحقاً فوصل عددها إلى أربع في العام الماضي، ثم إلى ثلاث هذا العام. وتختلف الأسئلة التي يجرى اختبار الطلاب المشاركين في المسابقة بواسطتها، من فئة إلى أخرى. وتتركز الأسئلة التي تعطى إلى طلاب الفئة الأولى (ما دون 12 سنة) على المستوى الذهني، وتبتعد من مهارات البرمجة المعلوماتية.
وفي المقابل، تقترب الأسئلة لطلاب الفئة الثانية (ما بين 12 و 15 سنة) أكثر من البرمجة البسيطة جداً. كما تتناول أسئلة الفئة الثالثة (ما دون الـ20 سنة) موضوعات برمجة الكومبيوتر بطريقة تُشبه تلك التي تدور في إطارها منافسات «الاولمبياد الدولي للمعلوماتية»، وهي عبارة عن مجموعة من المسائل العملية التي يُطلب من المتسابق تحويلها (ضمن وقت مُعيّن) إلى برنامج حاسوبي فعّال.
وفي تعليقه على الموضوع، رأى عضو اللجنة العلمية في الاولمبياد عمار نحاس «أن المستوى الثالث من المنافسة يتضمن أسئلة لا يستطيع حلها إلا الطلاب الذين يتمتعون بذكاء عال وخبرة كبيرة في البرمجة، وقدرة على إيجاد الحلول بسرعة... نحن نفتقر إلى هذا النوع من الطلاب». ولاحظ أيضاً «ان مادة المعلوماتية التي تعمل وزارة التربية على تطويرها راهناً، لا تصل إلى المستويات العالمية».
وفي تصريح الى «الحياة»، أعرب نحاس عن اعتقاده بأن «البرامج التي يحاولون تطبيقها ما زالت ضمن مستوى كيف يستخدم الطالب الكومبيوتر، وليس كيفية التعامل معه وصنع برامج تُحركه... نريد ان تكون البرامج بمستوى اكبر، أي كيف يفكر الطفل مع الكومبيوتر لا أن نعلم الطفل كيفية الكتابة على برنامج «وورد» مثلاً وغيره».
وفي سياق مماثل، جاء كلام زميله عبدالرحمن أدلبي، الذي أعرب عن اعتقاده بأننا «نعتمد في الغالب على الطلاب القادمين من الجامعة، أما طلاب المدارس (تحت سن 18 سنة) فليس لديهم فكرة عن الموضوع، الا اذا كان هناك طالب لديه جهد شخصي... لقد وجدنا ان البرامج التي تطبقها وزارة التربية لا تناسبنا وهي بعيدة كل البعد من مستويات «الاولمبياد الدولي للمعلوماتية» الذي نسعى للبروز في مسابقاته».
وفي ما يتعلق بالبنية التحتية الالكترونية في سورية، يجدر الانتباه الى أن عدد مشتركي الانترنت المسجلين حالياً يبلغ 430 ألفاً بحسب مؤسسة الاتصالات، فيما يقدر عدد مستخدمي الانترنت بأكثر من 1.1 مليون مستخدم، ما يوحي باستخدام الحساب عينه من أكثر من شخص، تماماً كما يحصل بالنسبة الى جهاز الكومبيوتر نفسه سورياً.
وبدأ المشرفون عن الاولمبياد اختبارات المشاركين منذ بداية العـــام الجـاري، عبر شبكة الانترنت، بهدف اختيار أفضل أربعة طلاب للمشاركة في «الاولمبياد الدولي للمعلوماتية»، الذي يتوقع أن يشارك فيه نحو 200 متسابق.
وأوضح الادلبي: «في الدول المشاركة في الاولمبياد، يتقدم إلى المسابقة أكثر من ثلاثة آلاف مشارك. وفي كل دولة أوروبية يشارك في التصفيات التمهيدية مئتا مدرسة على الأقل... ولكن في سورية لا توجد مدرسة مشاركة، وإنما تعاوننا يقتصر على الأفراد».
ويشارك في المسابقة، إضافة إلى الأربعة الذين يتم اختيارهم عبر شبكة الانترنت، 84 طالباً من مختلف المحافظات السورية بمعدل 6 طلاب من كل محافظة.
ويخضع الذين يُجرى اختيارهم من هذه المحافظـــات لدورات تدريبية ولإعداد يمتد لأكثر من عامين قبل المشاركة في «الاولمبياد الدولي للمعلوماتية». وقال الطالب طارق معراوي، أحد الذين شاركوا في الاولمبياد لهذا العام: «غالباً ما تحتاج مسائل المسابقة إلى فكر متمرس في علمي برمجة الكومبيوتر والرياضيات». وأشار إلى انه دأب منذ صغره على تنمية هوايته في الرياضيات وبرمجة الحاسوب، كما ألف مطالعة مواقع الانترنت للبحث عن مسائل في الرياضيات لكي يحاول حلها. وأضاف: «الفريق الأميركي لديه موقع على الانترنت يضع فيه مسائل عامة... يستطيع أي شخص أن يشترك في حلها... كل المشتركين في «الاولمبياد الدولي للمعلوماتية» يحاولون حل هذه المسائل، وهي مفيدة لنا».
نور الدين الأعثر
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد