الأغاني«الجديدة»لنصرةغزة:حس وطني لدى الفنانين أم استغلال للحدث؟
هل اختلف مفهوم الأغنية الوطنية بين الأجيال السابقة من الفنانين وبين أبناء الجيل الحالي؟
لا تأتي الإجابة بـ »نعم« متسرعة في هذا الإطار. فاليوم هناك شعور بأن بعض الفنانين يهرعون إلى أقرب ملحن وشاعر مع اندلاع أي عدوان، فينجزون أغنية خلال ساعات قليلة ثم تُصور على طريقة الفيديو كليب لتعرض على الشاشات تزامناً مع الأحداث المؤلمة. بالطبع، لا يطال الانتقاد هنا التفاعل السريع مع الحدث، لكن الملاحظة تتعلق بمستوى الكلمات والألحان وجودة الكليب المصور.
يبدو نمط الاستهلاك السريع للأغنيات الجديدة متعارضاً تماماً مع أغنيات قدمها عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وفيروز وصباح وغيرهم من فناني »الجيل الذهبي«. صحيح أن العديد من أغانيهم ترافق مع أحداث وطنية كبيرة، أو منعطفات في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي تحديداً، لكن الكل لا يزال يذكر »أحلف بسماها وترابها«، »أحمل البندقية وأمضي«، و»بحبك يا لبنان« وغيرها الكثير من الأغاني نظراً إلى مستواها العالي لحناً وكلمات وأداء.
موضة جديدة؟
بالطبع، لا يمكن الحديث عن أثر الأغنية الوطنية من دون التطرق إلى دور جيل من الفنانين استطاع أن يطوّع الفن في خدمة القضية، مثل أحمد قعبور، مارسيل خليفة الذي شكّل مع الشاعر الراحل محمود درويش »ثنائياً« مميزاً قدم أغان متكاملة تميزت بإحساس عال.
وقليلة هي التـظاهرات التي تخلو من أغانٍ للفنانتين جوليا بطرس وماجدة الرومي اللتين تركتا بصمتهما الواضــحة في هذا الإطار، وتحديداً مع أغنيتي »غابت شمس الحق« و»سقط القناع«.
كلها نماذج لأغان عالية الإحساس والجودة من الناحية الفنية أيضاً، لكن يبدو أن ما يحدث في الأراضي المحتلة أتى ليظهّر بشكل حاد ما بات يشبه »الموضة«. فمعظم الفنانين الذين كانوا يحتفلون بقدوم السنة الجديدة من دون أن يلتفتوا لما يحصل في غزة، عادوا بين ليلة وضحاها ليسجلوا ويصوروا أغنيات خاصة تعبيراً عن تضامنهم مع أهل غزة الجريحة.
كعادته، افتتح شعبان عبد الرحيم المعروف باقتناص الظروف لتقديم أغنية مناسبة تماشي الحدث »سباق الأغاني«، ومن بعده جاء تامر حسني وغنى »غزة يا تاج راسي« وراشد الماجد »غزة« وعاصي الحلاني »غزة جريحة يا عرب« ووليد توفيق »فكّوا الحصار«. أما علاء زلزلي (الذي أصرّ على إلغاء حفله في رأس السنة الجديدة) غنى »اسمعي يا غزة« وأطل عبر شاشة »أن بي أن«، وقال إن »أي بلد عربي يطلب رجالاً فهو مستعد لتلبية النداء«. أما أغنية »يا قدس« التي نسمعها بصوت أصالة نصري وصـورتها تحت إدارة زوجها المخرج الفلسطيني طارق العريان، فهي ليست وليدة اللحظة بل صوّرت في دمــشق قبل أسابيع من اندلاع الحرب في غزة.
بين مؤيد ومعارض
تتفاوت آراء الفنانين بخصوص الأغاني »الموسمية« الخاصة بأحداث غزة. حيث كان موقف الفنان ملحم بركات واضحاً ضد الموجة الجديدة هذه »هؤلاء المطربون كاذبون! هم يستغلون الظروف، وأغنياتهم لن تلقى صدى، لأنها بعيدة عن الإحساس الصادق، ولن تقدم أو تؤخر في هذه الحرب الشرسة«. أما المطربة نجوى كرم التي قدمت »الدويتو« الوطني مع ملحم بركات »رح يبقى الوطن«، فاعتبرت أنها لا ترى خطأ في تقديم مثل هذه الأغنيات الوطنية تزامناً مع أية أحداث مؤلمة: »لا أرى ضيراً في ذلك، لأنه عندما أتذكر وجودي داخل الملجأ أثناء الحرب اللبنانية، كانت الأغاني التي تشعل التحدي في داخلي تساعدني على الصمود«، إنما الأهم برأي كرم أن تكون الأغنية جيدة كلاماً ولحناً.
عند اتصالنا بها، كانت الفنانة القديرة ماجدة الرومي منشغلة في الاستوديو وتسجل أغنية بعنوان »فلسطين«، (كتبتها بنفسها ولحنها ايلي شويري ووزع موسيقاها جان ماري رياشي)، سوف تبث خلال الأيام المقبلة. لكن شقيقها عوض الرومي أوضح أن كلمات الأغنية الجديدة موجهة »إلى الإسرائيليين أنفسهم الذين يرتكبون المجازر بحق الأطفال الأبرياء وليس إلى العرب«، وأكد الرومي أنه لا بد للفنان أن يقول وجهة نظره في هذا الخصوص. تجدر الإشارة هنا إلى أن الأغنية هذه كتبتها ماجدة الرومي ولحنها الشويري قبل ثلاث سنوات.
في المحصلة، لا شك في أن الأيام المقبلة ستشهد موجة جديدة من الأغنيات المتضامنة مع غزة. فكم منها سوف يعلق في ذهننا، وكم منها سوف ينتهي مع انتهاء العدوان؟ الجواب سيفرق بين أغنية ولدت كمجرد صناعة من أجل الترويج واستغلال اللحظة، وأغنية تريد إيصال رسالة حقيقية عبر عمل فني متكامل.
هنادي عيسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد