ارتفاع الضرائب يستنزف مداخيل السوريين... ومدّخراتهم
لم تعد سوريا بلداً ينعم مواطنوه بخدمات أساسية شبه مجانية. الدور الاجتماعي للدولة، بما تضمّنه من مجانية في التعليم والصحة، بات مهدّداً بأن يضاف إلى قائمة الذكريات الجميلة والبعيدة لدى السوريين؛ فإلى جانب ارتفاع أسعار المواد الأساسية، كالكهرباء والمياه والمحروقات، فضلاً عن الخبز الذي كان «خطاً أحمر»، تشهد الرسوم والضرائب ارتفاعات غير مسبوقة في مختلف مجالات الحياة الإدارية والتنظيمية.
يقول الباحث الاقتصادي إبراهيم غرز الدين: «تعد الضرائب إحدى آليات إعادة توزيع الدخل في اقتصادات البلدان، ذلك يعني أن المطلوب من الضرائب أن توفّر للدولة مورداً لدعم الخدمات الاقتصادية والاجتماعية العامة». هذا بنحو عام، أمّا في الخصوصية السورية «فبلادنا هي إحدى الدول القليلة في العالم التي انتهجت أثناء العقود السابقة سياسة الدعم الحكومي والدور الاجتماعي للدولة. ففي مقابل مجانية التعليم والصحّة، كانت الدولة تجبي حزمة واسعة من الضرائب لتلبية تلك المكتسبات، فإذا قارنّا بين الضرائب في سوريا ومثيلاتها في بلدان أخرى، نجدها كثيرة ومتنوعة بما يتناسب مع خدمات الدولة». إلا أن أموراً عديدة طرأت خلال الفترة الماضية، يضيف الباحث: «أولاً: الدولة بدأت تتخلّى تدريجاً عن دورها، منذ ما قبل الأزمة، من خلال التوجهات الليبرالية للحكومات المتعاقبة وسياسات الخصخصة. ثانياً: أدى نشوب الحرب إلى تدهور البنية التحتية والخدمات مع بقاء حزمة الضرائب بتنوعها ذاته». لذا فإن المشكلة بالنسبة للمواطن هي «ليست فقط بكثرة الضرائب وتنوّعها، بل في ارتفاعها إلى جانب ارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة، في مقابل انحسار الخدمات».
شهدت الضرائب خلال العام الماضي ارتفاعات بنسب عالية، وخصوصاً تلك المرتبطة بمعاملات الدولة، يقول طالب جامعي: «تتراوح رسوم التسجيل في الجامعة الحكومية ما بين 1600 ليرة سورية لطلاب السنة الأولى حتى 4400 لطلاب السنوات الأخيرة، بينما كانت قبل بضعة أعوام 700 ليرة للطلاب النظاميين». في وقت أضيفت فيه طوابع جديدة لكل معاملات الدولة تقريباً، «كطابع إعادة الإعمار، وزيادة عدد الطوابع المالية في المعاملات». أما بالنسبة لمعاملات السفر، فيقول أحد المطلعين: «ارتفعت تكلفة استصدار جواز السفر من 2000 ليرة إلى 6000 ليرة. وبالنسبة للذكور الذين هم في سن الخدمة العسكرية أو خدمة الاحتياط (مواليد ما بين عامي 1973-1992)، فعليهم أن يدفعوا 300 دولار إضافية للحصول عليه». أما في ما يتعلق بالضرائب المتعلقة بالخدمة العسكرية الإلزامية، فباتت من الاستحقاقات الجسيمة بالنسبة للشباب: «يبلغ البدل النقدي للإعفاء من الخدمة الإلزامية بسبب الهجرة والاغتراب 8 آلاف دولار، أما بالنسبة لتأجيل الخدمة بداعي السفر فهو 50 ألف ليرة. وللحصول على موافقة منح جواز سفر من شُعب التجنيد، على الطلاب الجامعيين دفع مبالغ تتراوح بين ألفي ليرة حتّى 50 ألفاً». وبالنسبة لسيارات النقل العام «تبدأ ضرائب ترسيمها من 45 ألف ليرة سورية، سنوياً، للسيارات الصغيرة وتزداد بحسم حجم المركبة»، بالإضافة إلى «ضريبة الرفاهية» على السيارات التي تحولت إلى مادة للتندّر لدى السوريين: «هي تُفرض على السيارة المستوردة إلى البلاد، وتعادل ما يساوي ثمنها تقريباً، ما يجعل أسعار السيارات في سوريا ضعف مثيلاتها في بقية البلدان».
وأخيراً ظهرت ضرائب جديدة في التعليم ما قبل الجامعي الذي من المفترض أن يكون مجانيّاً بالكامل، مثلاً «الفحص الترشيحي للتقدّم للشهادة الثانوية يستوجب من الطالب دفع رسم ما بين 1200 ليرة حتى 5 آلاف، بحسب الوضع الدراسي للطالب (مستجد أو راسب أو ناجح)». يروي رب أسرة دمشقية قصته مع الضرائب خلال العام الجاري: «ما دفعته خلال هذا العام من ضرائب يعادل راتبي لـ 10 أشهر». يحصي مجموع مدفوعاته على «تأجيل الخدمة الإلزامية لاثنين من أولادي، واستصدار جوازات سفر لبعض أفراد العائلة، ودفع رسوم البلدية والكهرباء والماء. كلها بـ 200 ألف ليرة، بينما بلغ مرتّبي خلال عام نحو 240 ألف ليرة (20 ألف ليرة شهرياً)».
ليث الخطيب
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد