أسباب ثبات الموقف العراقي تجاه الآزمة السورية
وسط الخلاف الدائر بين الكتل السياسية الرئيسية في العراق حيال الآزمة السورية، وشبه الإجماع على أن شظاياها المتطايرة وأثارها المستقبلية ستمس البلاد، جددت حكومة بغداد موقفها الذي أعتبر "داعما" لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، عندما أعلن وزير خارجيتها هوشيار زيباري تحفظ بلاده على قرار فرض العقوبات العربية على دمشق.
تصريحات زيباري هي أول موقف رسمي يتخذه بلد عربي بعد ساعات على أنتهاء المهلة "الممددة" التي منحتها جامعة الدول العربية لسورية من أجل التوقيع على بروتوكول المراقبين بالصيغة التي أعتمدها المجلس الوزاري في أجتماعه بالرباط، دون إقدام دمشق على ذلك، وهو ما يعني إنتقال الملف السوري أوتوماتيكيا الى إطار العقوبات العربية والتدويل.
وقال زيباري في مؤتمر صحافي عقده في مدينة النجف الاشرف، صباح السبت للأطلاع على أستعدادات المحافظة كعاصمة للثقافة الإسلامية، إن "العراق أعلن عن تحفظه على مشروع قرار الجامعة العربية الذي ستتم مناقشته السبت لفرض عقوبات اقتصادية على سورية".
وأضاف، إن "لبنان والاردن أعلنا ايضا تحفظهما على فرض العقوبات، لوجود علاقات اقتصادية كبيرة مع سورية"، مؤكدا ان وجود الكثير من العراقيين في سورية دفع أيضا باتجاه التحفظ على مسألة فرض عقوبات عليها.
"سياسة الحياد" التي اتخذها العراق حيال القضية السورية تعتبر من وجهة نظر مراقبين وساسة محليين "منفذ مقبول للوضع العراقي الراهن غير المستقر داخليا، سيما وأنه ينأى بالبلاد عن الصراعات الإقليمية والدولية التي تحيط بالمنطقة".
تجاهل سورية للإنذارات التي وضعتها الجامعة العربية لها من اجل التوقيع على بروتوكول المراقبين، رفع من سقف التوقعات بأن تضغط بعض الدول العربية وتحديدا الخليجية السائرة في ركب التصعيد الدولي والاقليمي باتجاه فرض عقوبات اقتصادية على دمشق.
الآدلة على توقعات عدم دخول العراق في سرب المعاقبين لسورية، كثيرة في مقدمتها ثبات حكومة بغداد على موقفها "الداعم" للنظام السوري والذي لم تطرأ عليه تغيرات ملحوظة منذ لحظة إنطلاق الأحتجاجات في عدد من المدن السورية، رغم الضغوط (الداخلية والخارجية) الهائلة التي تعرضت لها بغداد والتي يحاول فيها ممارسوها تغيير الموقف الرسمي العراقي.
ومنذ منتصف مارس/اذار الماضي - موعد إنطلاق الحراك الاجتماعي في سورية - لا زال العراق بطابعه الرسمي يقف الى جانب النظام هناك، مما جعل العلاقة بين البلدين على أحسن ما يرام، مع إستثناءات تمثلها بعض القوى السياسية ذات التوجهات الطائفية.
حزمة العقوبات الأقتصادية من المحتمل جدا ان تطبق بحذافيرها في بلدان عربية عديدة في مقدمتها امارات الخليج ومملكاتها، لكن لا يبدو لها ان تجد طريقا معبدا للتطبيق في العراق.
إذ تعتبر سورية ممر رئيسي لدخول البضائع الى العراق كما تعتبر موانئها الجوية قاعدة رئيسية لتنقل العراقيين وتواصلهم مع العالم الخارجي، إذ ترفض الدول المحيطة ببلاد الرافدين دخول العراقيين الى اراضيها من دون تأشيرة حتى ولو كان مرورهم مجرد "ترانزيت".
في حين تسمح السلطات السورية للعراقيين دخول اراضيها من المنافذ الحدودية البرية والبحرية والجوية من غير ان يتم مساءلتهم او احتجازهم كما يحصل معهم في بلدان عربية أخرى! دون ادنى سبب فقط لكونهم عراقيين.
يضاف الى ذلك التنسيق الأمني والاقتصادي "عالي المستوى" القائم منذ اشهر بين بغداد ودمشق والذي تتضح معالمه من خلال الزيارات التي تتبادلها الوفود الرسمية ذهابا وايابا بين البلدين، والاتفاقات الثنائية الموقعة بينهما مؤخرا في مجالات عديدة.
فعلى الصعيد الأمني، تشير مصادر نيابية مطلعة ان حملة مطاردة السلطات العراقية واعتقالها لبعثيين سابقين متهمين بزعزعة الامن والاستقرار في البلاد، كان وراءها "معلومات ووثائق وقوائم اسماء لقيادات بعثية داخل وخارج العراق قدمتها دمشق لبغداد مؤخرا" وقابلها من الجانب العراقي تأمين الحدود المشتركة بهدف منع تسلل مسلحين او اسلحة داخل الاراضي السورية.
أما على الجانب الأقتصادي، فقد وقعت اللجنة الوزارية السورية - العراقية المشتركة عدداً من الاتفاقيات في مجال النقل والصحة وتسهيل مرور البضائع، فضلاً عن برنامج للتعاون الفني والتسهيلات المقدمة لدمشق التي تم بموجبها استثناء البضاعة المستوردة من سورية من الخضوع لفحص البضاعة الذي تتبعه السلطات المحلية، وهو ما لم تجيزه بغداد مع دول اخرى مجاورة كايران والاردن.
كما ان العراق يأتي في المرتبة الاولى من حيث التبادل التجاري مع سورية، وبمبلغ ملياري دولار اميركي عام 2010، يتوقع ان يرتفع المبلغ الى ثلاثة مليارات دولار بنهاية العام الحالي.
إذ تتجه البضائع السورية نحو العراق بنسبة (31,4) بالمئة من حجم التبادل التجاري السوري مع الدول العربية والعالمية، وفقا للمركز السوري للاحصاء. وبهذه الارقام يبدو ان المسؤول السوري الذي قال ان العراق سيكون بمثابة الاوكسجين الاقتصادي لبلاده لن يكن مخطئا.
مواقف العراق الرسمية من القضية السورية، جاءت لتفادي صراعات داخلية قد تنشب بين الكتل السياسية الرئيسية في البرلمان والتي انقسمت بين مؤيد لمواقف الحكومة ومنتقد لها، فمنذ اتخاذ بغداد موقفها بالامتناع عن التصويت على قرار الجامعة العربية، لاتزال الانتقادات اللاذعة توجه نحو المؤسسة الحكومية والسياسة الخارجية لديبلوماسية هذا البلد ذي "الديموقراطية الناشئة".
وتنوعت ردود الافعال المستهجنة للقرار الحكومي المتحفظ على فرض العقوبات الاقتصادية على سورية من قبل اطراف سياسية بعضها مشارك فعلي في سلطة اتخاذ القرار الرسمي، حتى ان البعض ادعى وقوف ايران وراء قراري "الامتناع" و "التحفظ" وهذا ما جاء على لسان نواب في قائمة "العراقية" النيابية التي يتزعمها رئيس الوزراء الاسبق إياد علاوي.
بينما أكد رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الشيخ همام حمودي، ان الموقف الرسمي لبلاده من الازمة السورية كان مدروسا وخاضعا لجملة معايير مرتبطة في الاحداث الجارية بالمنطقة، مؤكدا ان بغداد تتعاطى مع الاتجاهات الديموقراطية وترفض اللجوء الى التدخل الخارجي الذي رجحته الجامعة العربية.
وعلى ما يبدو فان أماكن تموضع الكتل السياسية من الملف السوري دفعت الحكومة العراقية إلى النأي بنفسها عن الموافقة التامة أو الرفض التام، وهو على ما يبدو استمرار لسياسة "حياد" ينتهجها نظام الحكم العراقي الجديد في المحافل العربية والإقليمية والدولية.
حيدر نجم
المصدر:عربي برس
إضافة تعليق جديد