أخبار تسر الخاطر: الثورة مفقودة في حلب
الجمل ـ حلب : بالتأكيد لم يكن هذا البائع الذي أعلنها بالفم الملآن "ثورة ما عاد في" ! ليجرؤ على ذلك قبل سنوات ست، ولكنه يقيناً لم يقصد أي ثورة بعينها في تاريخ سورية أو العالم بل كان يقصد صحيفة الثورة اليومية التي تصدر في دمشق .
توقفت المشادة الكلامية بين البائع وبين أحد الزبائن مع تدخل آخر مواطن حصل على جريدة الثورة وتبرع بها للزبون الغاضب من البائع بسبب إخفائه صحف العاصمة "تشرين والثورة " في الداخل ، كان عليه أن يحسم موقفه فهو ما انفك يخرج في كل مرة خمسة صحف للجمهور مميزاً الزبون الأصيل من الزبون الطيار
" خلصنا خيو ... ثورة ما عاد في ثورة ما في يا شباب افهموها بقى "
ليس من حقك أن تخفي الجريدة وتعطيها لمن تشاء ، فيرد البائع عندي مشتركون يا أخي عندي 30 مشترك الكمية خلصت أهلا وسهلاً ، يتذمر الحشد فيضيف البائع : عيني ورق ما في بالمطابع روح اشتكي على المطابع، لقد نقصوا الكمية والمشتركون عندي أهم منكم .
قد تكون مشكلة الورق في مخازن مطابع الصحف الرسمية طارئة وسيعود سكان العاصمة بعد فترة للحصول على الصحف المحلية بيسر ، لكن سكان حلب والمحافظات الأخرى لن يؤثر فيهم كثيراً توافر الورق من عدمه ، فحصولهم على الصحف بالأساس عسير جداً وهذا ما يفسر قلة استهلاك الصحف في هذه المدينة. فورود الصحف عند الظهيرة يقلل من فرص بيعها ومتابعتها، فإذا كانت الصحف العربية تصل إلى الأكشاك في اليوم التالي أي بعد 36 ساعة من وصولها إلى دمشق فإن صحف العاصمة أيضاً لا توزع على الأكشاك والمكتبات حتى منتصف النهار توفيراً للنفقات، فنادراً ما تصل الصحف قبل الحادية عشرة في مركز المدينة حتى صحيفة الجماهير المحلية المتواضعة لا توزع إلا مع بقية المطبوعات مع أنها تطبع خلال الليل كما يقول أحد الباعة الذين طلب عدم ذكر اسمه حتى لا ينتقم منه وكيل المؤسسة فيقوم بتخفيف الكمية التي يحصل عليها ، فيما تتأخر في الأحياء الأخرى حتى الواحدة وأحياناً الثانية ظهراً .
في العام الماضي نقصت أعداد "السفير" اللبنانية بشكل كبير و حرم منها عدد كبير من المثقفين الحلبيين الذين عقدوا العزم على توقيع عريضة لنشرها في الصحف حول ذلك فكان أن حصل مثيرو الموضوع على الجريدة بشكل مستقر من أحد الأكشاك التي أبلغت الموزع فأعاد له الكمية السابقة رأفة بحال المثقفين واتقاء لصخبهم .
تتركز أكشاك الصحف والمكتبات التي تبيعها في مركز المدينة فيما تكاد أحياء كبيرة يقدر سكانها بعشرات الألاف تخلو من أكثر من كشك أو مكتبة وأحياناً بدون ، كما في الهلك والشيخ مقصود و الكلاسة و النيرب وكرم ميسر وطريق الباب .
أما عن ريف حلب فحدث ولا حرج، و يقتصر البيع في الأحياء الشعبية على الصحف المحلية وبالأخص الرياضية منها فحصة حي الأشرفية الذي يقطنه أكثر من 100 ألف مواطن تخلو من صحف "الحياة " أو "السفير" حيث لا يتجاوز عددها النسختين وكثيراً ما تنقطعان ما يدفع المهوسون بمتابعة الأخبار المكتوبة إلى إرسال أولادهم إلى مركز المدينة لشرائها كما يفعل حسين محمود وهو مهندس كهرباء .
يقول "أسامة" وهو عامل في أحد أهم أكشاك الصحف في حلب " نقصت الكمية اليومية بشكل كبير كان يأتينا 400 عدد وأصبح العدد 100 هذا يسبب لنا مشاكل مع الناس الذين لا يعرفون أن السبب خارج عن إرادتنا ولا وقت لنا للشرح لهم فندخل في مشاكل معهم الكل ينتظر قدوم الصحف :رواد المقاهي المجاورة والعابرون وكلهم يندفعون معاً. الآن لا يوجد ازدحام خمسة أشخاص مع بعضهم مريح جداً .
الصحف اليومية في العاصمة والمحافظات التي فيها صحيفة ، تطبع مجتمعة أقل من 120ألف نسخة ،بما فيها اشتراكات الجيش والمؤسسات الرسمية ، لحوالي الـ 18 مليون مواطن أي نسخة لكل 1500 مواطن وفوق سوداوية المشهد سوء بالغ في التوزيع فهل ستنتهي مشكلة توزيع الصحف خارج العاصمة في العصر القادم مع اكتمال شيوع الانترنيت في ربوعنا الزاهرة وانقراض الصحافة الورقية ؟؟ قولوا إنشاء الله
باسل ديوب
إضافة تعليق جديد