«رمضان سريع»... علينا وعليكم
لم ترد عبارة »رمضان كريم« أو جوابها »علينا وعليك« يوماً على حاجة اقتصاديّة ما للمواطن السوري، بل كانت دوماً تلبي الحاجة إلى تضّرع ملغّز لخالق ما، لعلّه يختزل معاني الأسماء التسعة والتسعين في الشهر »الكريم« إلى اثنين لا غير: الرأفة والكرم. أمّا اليوم فلا محلّ لتلك العبارة، إذ يدرك قائلها أن رأفة الخالق (قد) تتكفل برمضان، وأنّ كرمه (ربما) يستجيب إلى بعض المصاريف المتعلّقة بموسم افتتاح المدارس، لكن من أين له أن يجابه التراجيديا الاقتصاديّة المصطلح على تسميتها »عيد الفطر السعيد«؟! وإذا استطاع، فكيف له أن يعمّم رأفته وكرمه في أوّل رمضان يمر على المواطن السوري، بعد أشهر من تعميمات حكومته القاضيّة برفع أسعار المحروقات بنسبة لا تقل عن ثلاثة أضعاف. وعليه، ربما ستكون الصفة الأكثر ملاءمة للشهر »الفضيل« بالنسبة إلى المواطن السوري هي »رمضان سريع«، بحيث يكون الجواب على هذه التهنئة الرياضيّة: »علينا وعليك«!
ضربات لا تقوّي الظهر
الأسئلة المعدّة لم تكن كثيرة، وهي تشبه الأسئلة التي تطرح على من يتبع دورات »دفاع مدني« وتستعير منها »روحيّتها«. فسؤال: »ماذا تفعل كي »تواجه« رمضان وما يليه من »عيد« وما يتخلله من فتح المدارس؟« مقتبس من سؤال: »ماذا تفعل في حال باغتك زلزال وأنت في مكتب في الطابق الأربعين من بناء مؤلف من سبعين طابقاً؟«. أرمي بنفسي من الشباك؟! لا، هذا ليس جواباً يليق بالشهر الكريم!
يفضي البحث عن إجابات أخرى إلى تمييز يرمي جانباً اعتبارات الإيمان والإلحاد، إنّه التمييز بين فئتين: الأولى من المتزوجين، والثانيّة من الشباب »العابث«. يفاجئك جواب وداد، وهي امرأة محجبّة ومتزوجة وأم لطفل واحد، تقول: »غير معقول، ماذا يمكن أن نفعل لنؤمن كل هذه المصاريف!«، ثم تستعير وداد من قصّة »سيدنا نوح عليه السلام« صفة الطوفان فقط، وفقط لتصف الديون التي »ستركب على رقبتي أنا وزوجي«.
خلوّ جواب وداد من أية إشارة إلى كرم الرّب ورحمته ورأفته، أو حتى إلى النبي أيوب، تجعلك تترّقب الأكثر حدّة في جواب إحدى »السافرات« من الشباب العابث، وهي داليا: »ليست لدي أي مشكلة مع رمضان، لا يتغير شيء في برنامجي، أقيم لوحدي في دمشق بعيداً عن العائلة، أعمل ولا أصوم«. تكبت رغبة وجنتيك في الارتياح، فلا يحقّ لك »مهنيّاً« أن تبدي موافقتك! وجواب داليا هذا يشحنك بجرعة معنويّة كبيرة لكي تتحرّش بسائق »الميكروباص« الذي تجلس إلى جانبه. لكنّ جوابه ينسف جرأتك ومعنوياتك العالية، إذ يشمل، بالإضافة إلى التجديف، سرداً مفصلاً لمصاريف شهر المغفرة و»المدارس لولدين في الابتدائي، والعيد والمازوت لفصل الشتاء، ومازوت السيارة والولد المقبل على الطريق«. وحين تحاول رفع المعنويات بطريقة »نيتشوية« قائلاً: »ياالله، الضربات اللي ما بتكسر الظهر بتقويه«، يأتيك جواب السائق سريعاً: »ليش عاد في ضهر!«. وبعد انحناءة بسيطة وخبيثة نحوك يقول: »الله وكيلك، يوم الخميس...«. ثم قهقهة طويلة ومرتفعة، يليها طلب: »نزّلني على اليمين لو سمحت«، ليس لأنّي وصلت إلى وجهتي بل فقط لأنّي أحب النهايات السعيدة!
لا تمر أو لا للتمر
ليس للأمر علاقة بالسياسة الخارجية أو بمنظمة الدول المصدّرة للتمر، فالأمر مرتبط فقط بمؤشر أسعار يعترف بخجل أن سعر كيلو التمر هو مئة وخمسون ليرة سوريّة (ثلاثة دولارات أميركيّة تقريباً). وعليه، فإن ارتفاع الأسعار سيؤثّر حتماً على عمل ملائكة الكتفين بين تخفيض الحسنات وزيادة السيئات، فالسنّة النبويّة تقضي بتناول حبة تمر قبل المباشرة بالإفطار، الأمر الذي يثاب عليه المؤمن.
يتلّمظ أبو حازم قبل أن يخترع حواره الخاص مع المؤشر السابق فيقول: »إن شاء الله عمْرَينو وبالناقص منّو«. وحين يذكّره حازم، ابنه المراهق ومساعده في محل الكهربائيّات، بحب أمّه للتمر، يأتي جواب أبو حازم صارماً وموحيّاً: »قوم كنّس المحل«.
أما المدام سوسن فلا تريد الإجابة أو حتى التعليق على السؤال، ما يعني أن لديها كلاماً كثيراً لتقوله، لكن الرأفة بالبشريّة تدعوك لترك المدام بحالها مع أطفالها الأربعة، غير أنّ شيئاً من التحريض غير المقصود يفرّج عنها كربها المتمّثل بصراعها مع: »جشع تجار السوق وغباء الحكومة وقسوتها والفوضى التي تعمّ شوارع دمشق أيام شهر الصبر وحياة الفقراء والمساكين«. وبعد وصلة ردح ذات نكهة ماركسيّة، غير مقصودة أيضاً، تضمّنت قوّل الإمام علي »ما اغتنى غني إلاّ بفقر فقير«، تنهي المدام سوسن كلامها بالقول: »الأمر لا يقف على شويّة تمر، خليّها لربك!«.
بين الدولة والتاجر... سلّة!
لا يشي الاستنفار الذي أعلنته الجهات الحكوميّة في سوريا، من مديرية التجارة الداخليّة إلى وزارة الاقتصاد ومنهما إلى أجهزة الرقابة التموينيّة، إلاّ بشعور الدولة بمستوى »الجزع والخشيّة« الذي يعيشه المواطن العادي من شهر »الخير«. استنفار الدولة سيكون تضامناً معنويّاً مع مواطنها، فمن يقدر على التجّار؟ ورغم البشائر التي حملتها بيانات الجهات المختصّة حول التشدد في مراقبة أسعار ما سمّي بـ»سلّة رمضان«، وهي مجموعة من المواد الغذائيّة التي اعتبرت العمود الفقري للمائدة الرمضانيّة، بالإضافة إلى ضبط ثلاثة أطنان من اللحم الفاسد كانت متجّهة إلى العاصمة لتزيّن موائد الصائمين والصائمات في الأيام الأولى من شهر »صوموا تصحوا«، إلاّ أنّ أبو عابد لا يرى في الأمر سوى: »شويّة زعبرة«. بالنسبة إليه، لا يتطّلب الأمر شهراً كرمضان حتى »تستيقظ الدولة«، ويتابع قائلاً: »شو مجانين حتى نصدقن، بكره بيتفقوا علينا مع صحابن... التجّار!«. لكنّ كلام علي عن غشّ هنا وتهريب هناك واحتكار في مكان آخر سيدفعك لطلب توضيح سريع، تفشل في الحصول عليه لأنّ علي سيختصره في عبارة: »إيه واضحة ولك أخي، شو بدك حدا يعلمني ع التجّار، ما أنا كنت تاجر وبعرف خسّتن. وبعدين، واحد وعشرين ركعة تراويح وهون حفرنا وهون طمرنا!«.
لا أطلب المزيد من الإيضاح، فالازدحام الذي يؤخّرني عادة عن حياتي نصف ساعة قد تضاعف مع عودة الصائمين لتناول الإفطار وبات يؤخرني عن حياتي مدة ساعة ونصف الساعة.
يهاتفك صديقك ويقول مستغيباً رمضان: »إن شاء الله يمضى بسرعة«، فتجيبه: »علينا وعليك«.
محمد دحنون
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد