«الجوار العراقي»في دمشق غداً وقمة شرم الشيخ تتخلى عن بنود المبادرة

12-04-2008

«الجوار العراقي»في دمشق غداً وقمة شرم الشيخ تتخلى عن بنود المبادرة

في جعبة «المتحفزين» على مقاعد الانتظار، للمشهد الذي تتحضر الولايات المتحدة الأميركية لعرضه أمام الجمهور، الكثير من القلق والتوتر والأسئلة عن الدور والمكانة، ثم عن فواتير الحساب: أجراً بالثواب أو بالعقاب.
لكن ثمة ما يستدعي مزيداً من تحضير الذات لكل الاحتمالات، باعتبار أن المحطات المتتالية والكثيرة، ما سبق منها وما هو آت، ستكتب «السيناريو» الحاسم للمشهد النهائي. ستحذف الإضافات وتزيد من عناصر ومقومات «التشويق والإثارة» التي تجعله قادراً على اجتذاب «المصفقين» إلى «شباك التذاكر» حتى يكون حجم جمهوره كافياً لإرباك «النقاد» ومنعهم من «ممانعة» استمرار العروض...
قد يكون اجتماع لجنة التعاون والتنسيق الأمني لدول الجوار العراقي المقرر عقده في العاصمة السورية غداً، هو أحد أهم المحطات «التأسيسية» لمكونات المشهد وطريقة عرضه وعلى أي شاشة، بل ربما مثّل أيضاً مناسبة لوضع «فكرة السيناريو» وأسلوب صياغته.
فالاجتماع الذي سبقه تصعيد كبير من جنوب العراق، يتزامن مع استمرار التسخين الأمني، وتقدّمه نحو العاصمة بغداد، ومع ارتفاع وتيرة العمليات ونوعيتها ضد قوات الاحتلال الأميركي، المعلن منها والمخفي، حتى بات هذا الاحتلال يخشى أن يتحول مأزقه العراقي إلى «ناخب» رئيس في السباق الجمهوري ـ الديموقراطي إلى البيت الأبيض قبل ستة أشهر فقط على هذه الانتخابات.
وإن انعقاد هذا الاجتماع غداً في دمشق، الذي تشارك فيه دول الجوار العراقي والولايات المتحدة الأميركية والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، تسبب «بتأجيل» مؤتمر للمعارضة العراقية كان مقرراً في التاريخ ذاته في دمشق أيضاً، ما يعني أن النتائج التي سيخرج بها الاجتماع غداً، سترخي بظلالها على الوضع العراقي بكل تشعباته وارتباطاته ومداخلاته.
لكن هذا الاجتماع يسبق أيضاً محطة محورية أميركية في المنطقة، لطالما كانت الناخب الأكبر في الولايات المتحدة، ولذلك يوليها الرئيس الأميركي جورج بوش التفاتة خاصة في منتصف أيار المقبل عندما يحاول الجمع بين الاحتفال بمرور ستين عاماً على قيام دولة إسرائيل، وبين الإعلان عن قيام «فكرة الدولة الفلسطينية» التي ما تزال «هجينة» لدى العرب أنفسهم قبل الإدارة الأميركية. ولهذا فإن التحضيرات التي ستشرف عليها وزيرة الخارجية الأميركية كوندليسا رايس شخصياً اعتباراً من 21 نيسان الجاري خلال جولتها في المنطقة، إنما تسعى لتفكيك بعض «العقد» العربية أمام الخطة والاستراتيجية التي حدد أسسها بوش في مؤتمر «أنابوليس».
بالتوازي، لا يمكن فك الارتباط عملياً بين تتالي القمم الثنائية العربية التي نسفت عملياً مقررات قمة دمشق وأنهت مفاعيلها، وأضعفت إلى الحد الأقصى دور الجامعة العربية، وبين التحضيرات المكثّفة ليكون «إنجاح» زيارة بوش في أيار المقبل بمثابة «تعويض نهاية الخدمة» أو «مهرجان الوداع الحميم» الذي يختتم بتقليده «الوشاح القومي» كهدية، تعبيراً عن «الشكر والثناء» لتلك «الجهود العظيمة» و«المواقف المتعاطفة» مع قضايا العرب، و«التضحيات» التي قدمها لـ«حماية» العرب من «العدو الأخطر» على وجودهم ومستقبلهم وأرضهم المتمثّل بـ«الشيطان الفارسي الأكبر»...
في الشكل، جاءت قمة شرم الشيخ بين قطبي «النهر والبحر» بقرارين يناقضان قمة الجامعة العربية في دمشق:
الأول يقول بتفويض رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس استمرار التفاوض مع الإسرائيليين الذين لم يقدموا شيئاً، وفي هذا نسف لمقررات قمة دمشق القائمة على أساس مبادرة السلام العربية.
والثاني، يربط عودة العلاقات المصرية والسعودية إلى طبيعتها مع سوريا، بأن تسهّل دمشق «اختيار» رئيس الجمهورية في لبنان.
وإذا كان القرار الأول يمسّ مصير الجامعة العربية كمؤسسة، ويأتي في سياق التمهيد لما سيعلنه الرئيس الأميركي الشهر المقبل من المنطقة بشأن مصير «خريطة الطريق» لقيام الدولة الفلسطينية، فإن القرار الثاني جاء ليعلن بالتصريح الجازم «دفن» المبادرة العربية لحل الأزمة في لبنان، التي كانت تقوم على ثلاثة بنود: انتخاب المرشح التوافقي العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية، تأليف حكومة وحدة وطنية وفق معايير بقيت موضع نقاش حول حصة كل فريق فيها، والاتفاق على قانون للانتخابات النيابية. وحسم النقاش بشأن السلة المتكاملة للمبادرة في أكثر من مناسبة وموقع، وكان آخرها عندما كشف وزير الخارجية السوري وليد المعلم بحضور الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى عن فحوى الاجتماع الذي جرى في منزل موسى نفسه، وأقر مبدأ السلة المتكاملة للمبادرة، فلم يعترض موسى على تلك المعلومات ولم يصححها.
لكن الأهم في تفسير ما خرجت به قمة شرم الشيخ، تمثّل بتلك الدعوة «الملتبسة» الصادرة منها «لاختيار رئيس للجمهورية في لبنان». وهذا ما طرح تفسيرات وأسئلة عما إذا كان سقوط المبادرة العربية يتضمن التراجع العربي عن تبني ترشيح العماد سليمان للرئاسة، أم أن هذا «الالتباس» في الدعوة من باب السهو أو الخطأ، باعتبار أن تبني ترشيحه كان علنياً وبنداً أول في المبادرة العربية.
لكن سؤالاً آخر كان يتردد في أوساط بعض المعارضين يتعلق بالموقف السعودي المفاجئ الذي تخلّى عن «حياده المعلن» ليطلب من سوريا «التخلّي» عن حلفائها والرضوخ لمطلب انتخاب رئيس للجمهورية على حساب مطالب فريق المعارضة. فما الذي تغيّر لتجاهر المملكة العربية السعودية بهذا الموقف الذي يجعلها طرفاً أساسياً في الأزمة اللبنانية إلى جانب فريق الموالاة، بعد أن كانت راعية في ما مضى لمشاريع التوافق والتسوية التي كان مكلفاً بها السفير السعودي في بيروت عبد العزيز خوجة؟
ثم، هل يعني انتهاء الدور الوسيط للسعودية وسقوط المبادرة العربية، كسلّة متكاملة، فقدان حلقة التعايش بين الموالاة والمعارضة؟
وهل لهذا السبب جاء موقف رئيس الحكومة فؤاد السنيورة في رفض الحوار مع «شيخ المعارضين» انطلاقاً من أنه وضع نفسه في خانة «شيخ الموالين»؟
إذا كانت هذه المعادلة صحيحة، فإن ذلك يفضي إلى استنتاج «غير مريح»، مفاده أن المشهد اللبناني ينحو إلى مزيد من التعقيد في المرحلة المقبلة، وأن نتيجة التوجهات الكبرى في المنطقة، وهي توجهات ما تزال قيد الدرس، هي التي ستحدد ملامح المشهد اللبناني شكلاً ومضموناً، على اعتبار أن الساحة اللبنانية التي استوعبت الصدمات الكبيرة التي تعرضت لها خلال السنوات الثلاث الماضية قادرة على التكيّف مع «تزاوج» العناوين الداخلية للأزمة بالملفات الكبرى في المنطقة. ولهذا أيضاً يكون احتمال التوصل إلى تسوية في لبنان، ولو موقتة، ينتظر «الوعد الأميركي» بدولة فلسطينية «مستقلة»... وبالاستقرار في العراق «الديموقراطي» ذي «السيادة والحرية والاستقلال»...

خضر طالب

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...