ذعر في سوريا من المقاتلين الأجانب
رصدت داخل المسجد الأموي الكبير في دمشق أمهات يمسكن في أيديهن أعلاما لبلدين مختلفين خلال الحرب الطاحنة في سوريا.
قالت إحداهن، وتدعى لطيفة من تونس، وهي تنتحب "أريد أن اعتذر للامهات السوريات. لم أعرف أن ابني جاء إلى هنا. نريد أن نقول لكن إن أولادنا غسلت أدمغتهم".
وتصطف أمهات سوريات بوجوه متجهمة وهن يمسكن بصور ابنائهن الشباب الذين قتلوا أثناء القتال مع قوات الرئيس السوري بشار الأسد، في الوقت الذي تجلس إلى جانبهن امهات تونسيات وآباء يبحثون عن ابنائهم الذي سافروا إلى سوريا للانضمام إلى صفوف قوات المعارضة وانتهوا إلى السجون.
سافر نحو 20 من الآباء التونسيين إلى دمشق في رحلة يرعاها نشطاء المجتمع المدني التونسي بمساعدة سوريين يغتنمون الفرصة لإخراج أكبر عدد من المجاهدين الأجانب بعيدا عن ساحة المعركة.
ويقول خالد محجوب، رجل صناعة سوري يحمل الجنسية الأمريكية "أرسلت أكثر من 42 دولة مقاتلين من أجل إراقة الدماء في سوريا"، ووصف محجوب هذه الدول بأنها "سلفية وهابية ترعاها دول البترودولار".
وفي الوقت الذي يجتمع فيه زعماء مجموعة الثماني في إيرلندا الشمالية، يرغب سوري على صلة وثيقة بأسرة بشار الأسد في تأجيج مشاعر القلق المتزايدة في أوروبا بشأن ما يعتقد إنه قتال مئات الجهاديين الأوروبيين في سوريا.
وحذر في مقابلة خاصة في دمشق قائلا "تشهد أوروبا حاليا باكستان جديدة على حدودها، المشكلة الحقيقية هي العبور عن طريق تركيا، وأوروبا ترعى جميع هؤلاء المقاتلين الأجانب الذين سيعودون إلى أوروبا".
وأكد هذا التحذير وفد من سياسيي الإتحاد الأوروبي، ينتمي معظمهم إلى أحزاب يمينية متشددة، كانوا قد زاروا دمشق في الأسبوع الماضي تلبية لدعوة من الحكومة السورية.
وقال السيناتور البلجيكي فيليب دوينتر اثناء لقاء جمعنا خارج مركز للشرطة استهدفه هجومان انتحاريان بعد ساعات من وصولنا "إن عادوا الى بلادنا فلن يمارسوا الجهاد في سوريا بعد ذلك، بل على الأراضي الأوروبية."
وأضاف "هذا تهديد كبير للغاية لجميع الدول الأوروبية وليس في بلجيكا وحدها".
يمكن رصد جهادين من دول أوروبية – من بريطانيا إلى السويد – خلال لقطات فيديو على الإنترنت إلى جانب مقاتلين من مناطق دأب الكثير على اعتبارها ساحات قتال دموية من بينها مناطق قبلية في باكستان والشيشيان.
ويحظى حلم محجوب الرامي إلى وضع "آلية تتبع سريعة تتسم بالشفافية" لإخراج المقاتلين من السجون ومن جبهة القتال بتقدم بطيء في تونس التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق على غرار الكثير من الدول الغربية والعربية.
ويواجه حتى هذا الاختبار الأول أجندات متعارضة.
ويفسر مسعود رمضاني، الناشط الحقوقي التونسي، قائلا "نريد محاكمة عادلة في حضور محاميي الدفاع".
ويعرب التونسيون الذين نهضوا بدور في الانتفاضة السلمية في بلادهم ضد الحكم الفاشي عن قلق إزاء عودة الإسلاميين المتشددين إلى البلاد. إذ يتهمون حكومتهم التي يقودها إسلاميون بغض الطرف عن تجنيدهم.
وحينما التقى محامو الجانبين في فندق بدمشق لصياغة بيان مشترك، احتج التونسيون بذكر حق جميع الشعوب في القتال السلمي من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في مسعى للنأي بأنفسهم عن حرب عقابية تشنها القوات السورية.
وكان نائب وزير الخارجية السوري فيصل مقداد أصدر بيانا جاء فيه أن سوريا على استعداد للإسراع في اجراءات تسليم السجناء التونسيين "الذين دخلوا إلى سوريا على نحو غير شرعي ولم يقتلوا أحدا".
لكن شروطا تصاحب البيان تفيد بأنه لا يجب اخضاع المقاتلين الأجانب للمحاكمة فحسب، بل يجب رفع دعوى قضائية ضد جميع المسؤولين عن تجنيدهم.
وتبدو الاعتذارات الصادقة من الامهات التونسيات طبيعية في حد ذاتها، غير أن تقارير من زيارات السجن تفيد بأن الكثير من ابنائهن رفضوا أن يتبرأوا من مهام الجهاد التي جاءوا من أجلها إلى الأراضي السورية.
كما ان الدعوة لجعل قضية هؤلاء قضية عامة لا تجد آذانا صاغية في العديد من العواصم.
ويقول أحد الدبلوماسيين الغربيين "نحن قلقون بشأن المقاتلين الأجانب. لكن ماذا عن جميع الأجانب المدرجين على قائمة الحكومة السورية".
وتبرز القوات التي تؤازر جيش الحكومة السورية على الأرض حاليا في جماعة حزب الله اللبنانية وجيش المهدي العراقي والحرس الثوري الإيراني.
لم تثبط هذه الحقيقة من حماس محجوب الذي دمر مقاتلو المعارضة مصنعه الخاص بأعمال بناء مساكن صديقة للبيئة.
ويقول محجوب، الذي يستعين في كلماته بعبارات معتدلة، "لا بد أن يحل أوكسجين الحب محل ثاني أوكسيد كربون الكراهية".
ويتحدث الزعماء في اجتماعات مجموعة الثماني هذا الأسبوع بلغة السعي للتوصل إلى حل سلمي في سوريا. غير أن هذه المناشدات تخبو أمام حرب التصريحات بشأن تنامي سباق التسلح في سوريا.
ومن المتوقع أن تحذو دول مثل بريطانيا وفرنسا حذو الولايات المتحدة فيما يتعلق بتقديم مساعدات عسكرية لمن يصفونهم بقوات المعارضة المعتدلة.
فيما تؤكد روسيا أنها ستواصل احترام اتفاقيات الدفاع مع دمشق والتي تتجاوز حدود الأسلحة القوية.
وتطلب الأم التونسية لطيفة في العاصمة دمشق البراءة لابنها سامي وتقول "انا اعرف ابني، إنه لم يقتل احدا".
المصدر: BBC
إضافة تعليق جديد