حلب: أنباء عن تجارة أعضاء بشرية
بينما كان التلفزيون السوري الرسمي يبث حديثاً هاتفيّاً مع رئيس الوزراء وائل الحلقي يؤكد عبره أن «الخدمات في حلب مقبولة»، كانَ سكّان المدينة منشغلون بتقصي أخبار عودة التيار الكهربائي جزئيّاً إلى مدينتهم، بعد انقطاعٍ كامل دام 10 أيام، ووضع المدينة مجدداً في مهبّ أزمة إنسانية من جرّاء توقف مضخات مياه الشرب وتوقف مولدات الكهرباء في المستشفيات - المتبقيّة داخل الخدمة ــ بسبب نفاد الوقود.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تجد العاصمة الاقتصادية نفسها في وضع كهذا منذ دارت رحى الحرب فيها قبل ثمانية أشهر، ويبدو أنها لن تكون الأخيرة، وسط استمرار الكر والفر في المعارك الميدانية بين الجيش السوري والمسلحين من دون تغير فعلي في خريطة السيطرة. ثمة فقط تبادل للمربعات على رقعة الشطرنج الحلبية، ينتقل معه الموت والدمار من حي إلى آخر.
الشيخ مقصود: مشهد جديد في دراما الرعب
يتذكر الحلبيون جيداً كيف وجدوا أنفسهم في أحد أيام آب الماضي وسط أتون الحرب من دون مقدمات. ولم يستطع أحد حتى اليوم تقديم حلًّ شاف للغز عسكرة حلب.
الحكاية ذاتها تكررت مع حي الشيخ مقصود، الذي تناسبه تسمية «حلب الصغرى» من حيث المقدمات والنتائج. فالحي تحول خلال أشهر الأزمة في حلب إلى ملاذ «آمن» لكثير من أبناء الأحياء الساخنة، وسط اطمئنان الجميع إلى أن قبضة السلطات، وذراعها «اللجان الشعبية»، لن تترك الحي الاستراتيجي يخرج عن سيطرتها، وأن مسلّحي «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي، كفيلون بحراسة شهور عسلهم مع السلطات السورية.
لكنّ الرياح جرت عكس المُشتهى، وتكرر اللغز: «كيف دخل المسلحون؟».. وكما عند كل منعطف عُلّق السؤال على شمَّاعة الخيانة والتواطؤ. المستجدات التي تلت دخول مسلحي المعارضة، وعلى رأسهم «جبهة النصرة»، كانت مفرطة الدّموية، وإمام جامع الحسن الذي قُتل ونُكِّل بجثمانه بطريقة همجية ــ وصلت وفق مصادر من أبناء الحي حدَّ قطع رأسه وتعليقها على مئذنة الحي ــ لم يكن الضحية الوحيدة في هذا السياق.
المشهد تكرر مع عدد من «شبّيحة الشيخ مقصود»، وهي التهمة الجاهزة دائماً، وحكمها «هدر الدم». ثمة أيضاً أنباء غير مؤكدة عن حدوث حالات اغتصاب لفتيات ونسوة من العائلات المؤيدة للسلطات أمام أعين ذويهن. «سمعنا عن ذلك لكني لا أستطيع تأكيده.. فالشيخ مقصود «منطقة كبيرة» يقول مجد، أحد أبناء الحي لـ«السفير»، مضيفاً «الشّيء المؤّكد أن الحي بات عرضة لكل شيء، وجميع الأطراف تتشارك المسؤولية عن هذا. المؤيّدون يشعرون أن السلطة خذلتهم حين لم تحمهم جيداً، والمعارضون يرون أن دخول المسلحين إلى الحي استجلب لهم القصف والموت والدّمار».
تجار الأعضاء البشرية حطُوا رحالهم في حلب
مع تسارع الأحداث في الشيخ مقصود تكررت الأنباء التي تتحدث عن قيام مجموعات من المسلحين بالمسارعة إلى «إسعاف» عدد من الجرحى، قبل أن يتضح أن ما يبدو في ظاهره إسعافاً هو في حقيقة الأمر سرقة أعضاء بشرية، تمهيداً لنقلها عبر الحدود التركيّة، وفق منظومة عمل مافياوية. يؤكّد مجد حدوث واقعة واحدة على الأقل من هذا القبيل. ويقول «نعم، لقد حصل هذا الامر. أحد أبناء جيراننا أصيب وقام مسلحون بإسعافه، لكن أهله عثروا على جثته بعد يومين خاليةَ الأحشاء».
هذه الحالة ليست الأولى من نوعها، كما يؤكد فائز الذي بقي حتى وقت قريب مقيماً في حي بستان القصر الخاضع لسيطرة مسلّحي «جبهة النصرة». ويقول فائز لـ«السفير»، «حال حدوث انفجار لأي سبب من الأسباب، تسارع مجموعة من الأشخاص إلى موقع الانفجار، بحجة إسعاف الجرحى وانتشال الجثث. بعض الجرحى أعيدوا إلى ذويهم بعد فترة من الزمن، أعرف واحداً من هؤلاء، تستطيع القول إنه صديقي، وقد أخبر الجميع بقصته، وملخصها اكتشافه بعد شهرٍ من إصابته وإسعافه أنه بات بكلية واحدة».
أقاويل كثيرة تخرج إلى العلن مؤخراً في هذا السياق، بصورة تذكر بقصص تفكيك المعامل وبيعها في تركيا. تلك القصص التي صنفت لفترة طويلة تحت خانة «الأنباء غير المؤكدة» قبل أن تغدو ملفاً أمام القضاء الدولي، وتصبح الحكومة التركية من بين المتهمين فيه. «الأنباء غير المؤكدة» تتحدث هذه المرة عن بيع جثث الضحايا لقاء مبلغ 10 آلاف ليرة سورية للجثة، و100 ألف ليرة للجريح الحي.
حلب تغني: وصفولي الصبر
في خضم هذه المعمعة الدموية، أدلى رئيس الوزراء وائل الحلقي بدلوه عبر التلفزيون السوري الرسمي، مؤكداً أن «الحكومة لن تدّخر جهداً في تأمين الخدمات الأساسية لمدينة حلب»، واصفاً، وهو نقيب الأطباء الأسبق، «روشتة» الصبر، مؤكداً أن «محافظة حلب ستبقى كما كانت دائماً عبر التاريخ رمزاً للصمود، وستنكسر فوق أرضها وعلى أسوار قلعتها كل المؤامرات التي تحاك ضدها وضد سوريا، وكلنا ثقة بأن صمود وصبر أهلنا في حلب، والتفافهم حول قيادتهم وجيشهم المنيع، سيحقق النصر القريب».
لم أشاهد البرنامج، فالتلفاز لا يشاهد على ضوء الشموع، يقول أحد الصحافيين الحلبيين ، طالباً عدم ذكر اسمه. ثم يضيفُ ضاحكاً بمرارة «كما أكدت أم كلثوم أن الصبر كلام وخيال في الحب، أؤكد للدكتور الحلقي أنه أيضاً كلام وخيال في الحرب».
صهيب عنجريني
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد