استنسابية الغرب في الدعوات إلى الحظر الجوي
تطالب الحكومات الأجنبية وشعوبها بشكل دائم بتدخلات دولية إنسانية في بلدانها.. فلماذا لا نعير اهتمامنا إلا للبعض على حساب آخرين؟
في الربيع الماضي، عقدت الجامعة العربية اجتماعا طارئا في مقرها في القاهرة لمناقشة غارات جوية لحكومة معينة ضد شعب عربي معين. وصفت الجامعة يومها الضربات التي قتلت ما لا يقل عن عشرة مدنيين بـ«العدوان الهمجي». وفي ختام الاجتماع، أصدرت الجامعة العربية بيانا يطالب مجلس الأمن الدولي بعقد اجتماع «عاجل»، وفرض منطقة من الحظر الجوي لحماية هؤلاء المدنيين العرب من الهجمات في المستقبل. وعندما سأل القادة استخدام القوة العسكرية الخارجية، تم تجاهل مطلبهم...
لم تكن الجامعة تؤيد حماية معارضي معمّر القذافي في ليبيا بل المواطنين العرب في قطاع غزة، يوم كانت القوة الجوية الإسرائيلية تقصف ردا على الهجمات الصاروخية وقذائف الهاون التي أطلقت على جنوب إسرائيل.. قبل ذلك بشهر، كانت الجامعة العربية قد طالبت بفرض حظر جوي فوق ليبيا، الأمر الذي اعتبرته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون يومها حدثاً «ذات أهمية تاريخية» وانه «سيكون من المؤسف للغاية في حال تجاهل المجتمع الدولي الأمر». ولكن عندما سعت المؤسسة العربية للنوع ذاته من الدعم العسكري الدولي لقطاع غزة، تجاهل الأمر كل من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بأسره.. وكذلك البلدان ذات القدرة الجوية.. الفرق في تعاطي العالم مع مطلب التدخل الأجنبي بالقوة في كل من قطاع غزة وليبيا، يستحق ان يبقى في الأذهان اليوم مع المطالبة المتزايدة للمدنيين السوريين والمعارضين المسلحين لنظام بشار الأسد بالتدخل الأجنبي في سوريا...
من غزة إلى الصومال، حكومات وجماعات تنادي بالتدخل الإنساني أكثر بكثير مما يُقرأ عنها في الصحف. يتم رفض معظم الطلبات إما لان الأمر «غير عملي» أو لأن استخدام القوة «غير مناسب»... احدث ثمانية أمثلة على طلبات استخدام القوة العسكرية لأهداف إنسانية، بقيت في مهبّ الريح بعد تجاهلها من قبل المجتمع الدولي:
1- في أيار 2010 (وفي تشرين الأول 2011 أيضا)، طلبت دول «ايغاد» في شرق إفريقيا من الأمم المتحدة فرض حظر جوي وحصار بحري في الصومال.
2- في شباط 2011، ناشد رئيس الوزراء الكمبودي الأمم المتحدة إقامة منطقة عازلة على طول الحدود بين كمبوديا وتايلاند لمنع تصعيد المناوشات على الأراضي المتنازع عليها قرب معبد «برياه فيهيار».
3- في حزيران 2011، طلب نائب رئيس جنوب السودان رياك مشار من مجلس الأمن إقامة منطقة دولية عازلة بين السودان وجنوب السودان لمنع المواجهات العسكرية.
4- في قمة إقليمية في أيلول 2011، دعا رئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي الأمم المتحدة لدعم حكومة الصومال الاتحادية الانتقالية، ومساعدة قوات الاتحاد الأفريقي في تنفيذ «ممرات للمساعدات الإنسانية» في الصومال.
5- في تشرين الأول 2011، دعا المسؤولون الحكوميون في كينيا والصومال «الدول الكبرى والمنظمات العالمية» لمحاصرة ميناء كيسمايو، في الصومال، الذي تسيطر عليه «حركة الشباب» المتشددة.
6- في كانون الأول 2011، تقدمت أكثر من 20 منظمة دولية غير حكومية بطلب إلى مجلس الامن يتطلع لفرض حظر جوي على منطقة «النيل الأزرق وجبال النوبة / جنوب كردفان ودارفور وأبيي، وكذلك على طول الحدود بين جنوب السودان وشماله»، وذلك بهدف «حماية المدنيين». (قبل شهر من ذلك، كانت 66 منظمة أميركية غير حكومية تقدمت بطلب مماثل).
7- في كانون الأول 2011، بعث رئيس جنوب السودان سلفا كير برسالة إلى إدارة باراك اوباما طلب فيها من الولايات المتحدة فرض حظر جوي عند الحدود بين السودان وجنوب السودان.
8- في كانون الأول 2011، دعا الاتحاد الإفريقي مجلس الأمن لحصار جوي في الصومال، وهو المطلب الذي تكرر في تشرين الأول 2010 ونيسان 2011 وأيلول 2011.
... لم تنل أيّ من هذه الدعوات آذانا صاغية لدى مجلس الأمن وحلف شمال الأطلسي والإدارة الأميركية أو حتى لدى أي دولة قادرة على تقديم قوتها العسكرية. ليس صعبا تكهّن أسباب هذا الموقف الدولي اذ تتمحور حول 3 احتمالات: فإما ان الجميع لم يجد في مثل هذا التدخل أي مصلحة، أو أن هذه الخطوة تتطلب كمّا كبيرا من الموارد لتحقيق التأثير المطلوب، وإما أنهم رأوا في إرسال بعثة عسكرية خيارا غير مناسب لتحقيق الأهداف العسكرية والسياسية المرجوة...
كذلك، هناك ثلاثة أسباب رئيسية للفرق بين طلبات التدخل التي تثير اهتمام العالم وتلك التي يتجاهلها المجتمع الدولي. أولا، في حالة ليبيا، وسوريا الآن، كان الموقف الاميركي والاوروبي من فكرة استبعاد الحكام المستبدين معروفا بما فيه الكفاية وكان علنيّا طلب العالم من هؤلاء التنحي عن السلطة، لذا ان التدخل «لإنقاذ الأرواح» هنا هو ذريعة مفيدة لتحــقيق الهدف الاستراتيجي الغربي وتغيير النظام. ثانيا، لم تكن الدعوات الاخرى لفرض منطقة من الحظر الجوي، مرفقة بقرار ذات زخم لتحفيز الإرادة السياسية الدولية، كما كان الامر عندما وقعت مجزرة سريبرينيتسا في العام 1995، ومذبحة راتشاك في العام 1999، أو محاولة حصار بنغازي في آذار الماضي. من دون تغطية إعلامية واسعة، تتحول اي منطقة نزاع الى ساحة تتأرجــح بين الأزمة والأخرى. ثالثا، كان واضحا ان سبعة من الطلــبات الثمانية المذكورة اعلاه، مصدرها أفريقيا، والتي لا تحظى بتغطية كافية في وسائل الإعلام الغربية على الرغم من كونها الأكثر عرضة للصراع منذ عقود...
لا يمكنك تصور إنقاذ الأرواح بالقوة العسكرية إذا كنت لا تدرك ببساطة أنهم معرضون للخطر. الدعوة لتطبيق دقيق للمبادئ العالمية يتجاوز ما نقرأه في الصحف عند كل صباح.
المصدر: السفير نقلاً عن «ذا اتلانتيك»
إضافة تعليق جديد