أصحاب الكسارات يتفقون على تخفيض ساعات العمل لرفع الأسعار
شهدت أسعار مواد البناء في السوق السورية استقراراً ملحوظاً خلال آب الماضي بعد أن حققت ارتفاعاً بالغاً منذ آذار الماضي حيث استغل الكثيرون الظروف التي تمر بها البلد لتنفيذ أبنية مخالفة على الأراضي الزراعية وفي مناطق السكن العشوائي وضمن المخططات التنظيمية وكل هذا أسهم في زيادة الطلب على مواد البناء ودخول الكثير من متعهدي البناء والتجار على خط الاحتكار والتلاعب بأسعار المواد ومواصفاتها بدءاً من حجر البناء (البلوك) إلى جميع المواد المتعلقة بأعمال البناء في ظل رضا وقبول الكثير من المواطنين الذين يقومون بتنفيذ أبنية مخالفة.
تراجع في الأسعار
أحد متعهدي البناء في حي التضامن رفض ذكر اسمه قال: إن حركة البناء الواسعة خلال الاشهر الماضية أدت إلى زيادة الطلب وكانت السبب الحقيقي وراء الارتفاع الكبير في أسعار المواد حيث وصل سعر طن الاسمنت إلى أكثر من 9 آلاف ليرة سورية وطن الحديد إلى حوالي 50 ألف ليرة، وسعر البلوكة الواحدة إلى 40 ليرة سورية، أما حالياً فقد تراجعت الأسعار بشكل تدريجي حيث استقر سعر طن الاسمنت لمعظم الأنواع الموجودة في السوق المحلية والمنتجة محلياً أو المستوردة وغيرها ما بين 6500 إلى 7500 ليرة، أما أسعار الحديد فلم تتراجع كثيراً حيث مازالت تتراوح بين 40 – 45 ألف ليرة وذلك بسبب الاحتكار الذي يمارسه تجار الحديد.
تخفيض ساعات العمل
وقال إبراهيم السعيد الذي يعمل في مجال نقل الرمل والبحص: إن هناك العديد من العوامل التي تسهم في رفع أسعار مواد البناء خاصة الرمل والبحص أهمها زيادة الطلب على هذه المواد وتوقف الكسارات عن العمل يومي الجمعة والسبت بشكل دائم الأمر الذي يؤدي إلى الازدحام الشديد في يوم الأحد من كل أسبوع لسيارات النقل حيث تحتاج السيارة إلى أكثر من خمس ساعات للحصول على حمولتها وعملية الالتفاف على زيادة الإنتاج من خلال تعمّد أصحاب المقالع بالاتفاق مع بعضهم على تخفيض ساعات العمل اليومية وبالتالي تخفيض حجم الإنتاج اليومي بغية رفع الأسعار إضافة إلى التلاعب بمواصفات الرمل والبحص وبالتالي الحصول على سعر أعلى مقابل الحصول على مواد من النوع الأول.
كما اشتكى السعيد من الغلاء في أسعار الإطارات وزيوت المحركات التي ارتفعت إلى حوالي ضعف سعرها السابق.
من جهة ثانية أشار بعض أصحاب الكسارات الذين التقيناهم إلى أن أسعار المتر المكعب الواحد من الرمل والبحص وصلت في منطقتي أبو الشامات والرحيبة (البترا) في ريف دمشق إلى 350 ليرة للرمل من النوع الأول و250 – 300 ليرة للنوع الثاني و275 ليرة المستخدم في صناعة البلوك و200 ليرة لكل م3 من رملة البودرة والبحص والعدسية، مع التأكيد على أن هذه هي أسعار الرمل والبحص من مصدرها في الكسارات يضاف إليها أجور النقل التي قد تصل إلى ضعف أو ضعفي سعرها المذكور أعلاه وذلك حسب قرب أو بعد المنطقة من الكسارة.
كما أشار من جانبه المحامي علي بدور الذي يعمل مستشاراً قانونياً لدى فرع اللاذقية لنقابة مقاولي الإنشاءات إلى ارتفاع أسعار مواد الرمل والبحص في المحافظة إلى أكثر من ضعفي مثيلاتها في المحافظات الأخرى وذلك بسبب إغلاق المقالع الرئيسية في منطقة رسيون (اللاذقية) منذ ثلاث سنوات الأمر الذي أدى لارتفاع الأسعار وزيادة التكلفة في تنفيذ المشروعات العامة والخاصة كما انعكس أيضاً بشكل سلبي على مجموعة من معامل البلوك والبلاط التي أغلقها أصحابها بسبب توريد المواد المصنعة من خارج المحافظة وبأسعار أقل من تكلفتها في اللاذقية.
نصف الكمية
أما جمال صاحب معمل البلوك فقد اشتكى من عدم تسليم مؤسسة العمران الكميات الكاملة من مادة الاسمنت المخصصة لمعامل البلوك المرخصة حيث يتم فعلياً تسليم هذه المعامل نصف الكمية المستحقة وهذا ما يدفعهم للتوجه نحو السوق الحرة لتأمين باقي احتياجاتهم والتي هي غالباً ما تكون مرتفعة السعر وهذا يؤدي إلى زيادة في التكلفة تنعكس على السعر النهائي للمادة. كما قال إن هناك صعوبة في تأمين اليد العاملة وذلك لصعوبة هذا العمل وتدنّي أجوره، وأفاد أن أسعار البلوك حالياً في دمشق وريفها هي 18 ليرة لبلوكة قياس 10سم و20 ليرة لقياس 12سم و22 ليرة لقياس 15 وحوالي 30 ليرة لبلوكة العشرينات.
وبالرغم من هذا الانخفاض في السعر مقارنة مع الفترة السابقة إلا أنها مازالت تعتبر أسعاراً مرتفعة مع الإشارة إلى تفاوت الأسعار بين المحافظات.
اختلاف الأجر
كما قال أبو حسن الذي يعمل في مجال البناء إن أجرة بناء البلوكة الواحدة وصل في الفترة السابقة إلى حوالي 15 ليرة وتراجعت حالياً إلى نحو 8 – 10 ليرات في البناء المخالف بينما تنخفض إلى 7 ليرات في البناء المنظّم وإلى أقل من ذلك عندما تكون مساحة البناء كبيرة كما هي الحال في مشروعات الأبنية العامة، كما أننا نلحظ هذا الفرق في الأجور من قبل نجاري البيتون الذين يتقاضون 1000 ليرة عن كل متر مربع في أسطحة البناء المخالف وهذا يعادل أربعة أضعاف الأجر الذي يتقاضونه في البناء المنظّم.
لا أزمة إسمنت
ومن جانبه أفاد أحمد علي صالح المدير العام لمؤسسة العمران إن الخطة السنوية لاستجرار الاسمنت في المؤسسة تتضمن 4.5 ملايين طن موزعة على أشهر السنة حسب الطلب على مادة الاسمنت حيث يتم توزيعها على المحافظات وفق نسبة وحجم المحافظة وعدد المراكز ونسبة المبيعات فيها، كما أشار إلى أنه يوجد في سورية خمسة معامل للاسمنت في القطاع الحكومي (حلب – حمص – دمشق – حماه – طرطوس)، حيث تعمل المؤسسة على نقل مادة الاسمنت من المعامل بواسطة أسطول السيارات الشاحنة الخاصة بالمؤسسة، مبيناً أن عدد مراكز توزيع الاسمنت على مستوى القطر تبلغ 155 مركزاً وأن المؤسسة تعمل على زيادة عدد مراكزها في المحافظات من أجل تخديم المواطن، كما بيّن أن حاجة القطر من الاسمنت تصل إلى 7.5 ملايين طن سنوياً تنتج المؤسسة العامة للاسمنت 5.5 ملايين طن سنوياً منها، بينما القطاع الخاص ينتج حوالي 3 ملايين طن سنوياً.
وأكد الصالح أنه لا يوجد أزمة في مادة الاسمنت رغم الإقبال الشديد على البناء بسبب الظروف العامة التي تمر بها البلاد وأن مادة الاسمنت متوافرة وتباع عبر المراكز بسعر محدد يبلغ 5700 ليرة للطن.
ارتفاع عالمي
كما أفاد مجد حمود رئيس دائرة المعادن في المؤسسة العامة للتجارة الخارجية أن هناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع أسعار مواد البناء منها ما هو عالمي مثل ارتفاع أسعار الخامات عالمياً لمادتي الحديد والاسمنت ومنها ما هو محلي مثل ازدياد الطلب وهذا ما شهده البلد على مدار الفترة السابقة بالإضافة إلى ممارسة الاحتكار من قبل بعض التجار.
كما أشار حمود إلى مجموعة من الرسوم التي تسهم أيضاً في رفع الأسعار أهمها رسم الإنفاق الاستهلاكي على مادتي الحديد والاسمنت حيث يبلغ 1400 ليرة لكل طن اسمنت وهو ما يشكل أكثر من 25% من قيمة الطن الواحد، وبنسبة 1.5% لكل طن من الحديد، إضافة إلى الرسوم الجمركية التي تبلغ 5% من قيمة الطن الواحد للمادتين.
كما بيّن أنه تم مؤخراً رفع رسوم الاستيراد على مادة البيليت (المادة الخام لتصنيع الحديد) من واحد إلى ثلاثة بالمئة ليصبح مجموع الرسوم على هذه المادة بعد إضافة رسم الإنفاق الاستهلاكي 4.5% من قيمة الطن الواحد.
غياب لدور الحكومة
يتبين من خلال ما سبق انحسار وشبه غياب لدور الحكومة في الإشراف على قطاع البناء وتنظيم أسعار مواده وعدم ترك المجال مفتوحاً لممارسة الاحتكار والتلاعب واستغلال الظروف وخاصة أن أسعار مواد البناء تشكل عاملاً مهماً في استقرار أسعار المساكن والعقارات في سورية الأمر الذي ينعكس تأثيره مباشرة على المواطن.
عبد الهادي شباط
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد