الحوار الوطني السوري وخيارات الصراع
الجمل: تشهد العاصمة السورية دمشق حالياً انعقاد فعاليات هيئة الحوار الوطني السوري، الساعية إلى التفاهم وتبادل وجهات النظر بين الأطراف والقوى السياسية السورية بمختلف مكوناتها، فما هي طبيعة العملية السياسية السورية الجارية حالياً، وما مدى مصداقيتها في إحراز التقدم المطلوب بالشكل الذي يجد القبول العام وعلى وجه الخصوص في الشارع السوري وبين الأطراف السياسية السورية المتصارعة؟
* هيئة الحوار الوطني السوري: إشكالية تباين المواقف
يشير مفهوم "حوار" إلى التفاهم والتشاور وتبادل وجهات النظر بين مختلف الأطراف، ويشير مفهوم "هيئة" إلى وجود إطار مؤسسي عام، يجمع مختلف الأطراف، ولكن، برغم ذلك عند مقاربة الحدث السوري ضمن هذا السياق، نلاحظ الآتي:
• قضايا الحوار: تتضمن طيفاً كبيراً من الملفات ذات الأهمية الاستراتيجية لمستقبل سوريا واستقرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، إضافة إلى كافة الجوانب المتعلقة بالتنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية السورية.
• أطراف الحوار: يتضمن طيفاً واسعاً من مكونات النخبة السياسية والاقتصادية والاجتماعية السورية، مع ملاحظة، أن "بعض مكونات هذه النخبة" أبدت حرصاً على عدم المشاركة وسعت عملياً إلى "تغييب نفسها" عن طاولة الحوار.
تمر منطقة الشرق الأوسط بالمزيد من التطورات الحرجة الفائقة الحساسية، وعلى وجه الخصوص سوريا، التي تقع ضمن عصب قوام هذه المنطقة، وتأسيساً على ذلك، توجد حاجة ضرورية ملحة للحوار حول كافة القضايا والمسائل الخلافية، وذلك لجهة تحقيق الآتي:
• تحقيق الإفصاح الكامل بواسطة مختلف الأطراف.
• تحقيق الشفافية الكاملة إزاء مختلف القضايا.
الالتزام بمبدأ الإفصاح الكامل، ومبدأ الشفافية الكاملة، هو السبيل الأمثل الوحيد لجهة تحقيق التقدم المطلوب في المسارات الآتية:
• مسار فهم الآخر، وإزالة سوء الفهم في كافة القضايا الإشكالية والخلافية.
• مسار قبول الآخر، من واقع التعامل المباشر معه بعيداً عن الوسطاء.
• مسار بناء الإجماع، من واقع التوافق المشترك على الحلول المطلوبة.
إن المشاركة في فعاليات هيئة الحوار الوطني، وفي هذه اللحظة بالذات، تمثل واجباً وطنياً ينطوي على ضرورة قصوى، خاصة، وأن هيئة الحوار الوطني لم تضع أية شروط مسبقة، ولم تسع إلى التعامل بانتقائية أو تحيز، وإضافة لذلك فهي تتميز بالانفتاح الكامل إزاء كافة مكونات الخطاب السياسي السوري، مع التميز بالشفافية الكاملة، طالما أن الأطراف المشاركة فيها تعبر عن وجهات نظرها أمام الإعلام ومتابعة مختلف الأطراف الإقليمية والدولية.
* الحوار الوطني السوري: صراع الخيارات
يشكل الحوار الوطني السوري الدائر حالياً الفعالية الأكثر أهمية في تاريخ سوريا السياسي المعاصر، خلال الفترة الممتدة من لحظة استقلال سوريا وحتى اندلاع حركة الاحتجاجات السياسية الحالية، ومن خلال فعاليات هذا الحوار، يمكن التعرف على طبيعة الأسئلة الحرجة الآتية:
• ما هي طبيعة وأسباب الصراع الدائر حالياً، وهل سوف يتحول ليأخذ شكل الصراع الممتد، أم أنه سوف يأخذ شكل الصراع المحدود؟
• ما هو الذي يجعل الحدث السوري مختلفاً عن الحدث المصري والتونسي. وفي نفس الوقت ما الذي يمكن أن يربط الحدث السوري بهذين الحدثين؟
• ما هي مفاعيل الحدث السوري، وما هي منابع هذه المفاعيل، وهل يستطيع الحوار الوطني السوري تجفيف منابع هذه المفاعيل أم أن الأمر سوف يحتاج إلى المزيد من استخدام الوسائل الأخرى.
• ما هو السيناريو النهائي الأفضل لجهة إنهاء الفعاليات الاحتجاجية السورية، الجارية (وإن كانت بشكل متقطع وصغير الحجم).
تؤكد أدبيات العلوم السياسية المعاصرة، على مبدأ أن الفعل السياسي هو ظاهرة سلوكية، وبالتالي من غير الممكن التعاطي بإيجابية أو سلبية مع هذه الظاهرة بعيداً عن سياقها السلوكي العملي الفعلي، وإزاء هذه الحقيقة نلاحظ الآتي:
• وجود أطراف معارضة سورية تسعى باهتمام للمشاركة في الحوار والتعبير بنزاهة وشفافية عن وجهات نظرها المستقلة.
• وجود أطراف معارضة سورية تسعى باهتمام لجهة الابتعاد عن أي مشاركة في الحوار.
• وجود أطراف معارضة سورية تسعى باهتمام لجهة ليس الابتعاد عن المشاركة وحسب، وإنما العمل من أجل تقويض هذا الحوار والقضاء على فعالياته.
الأطراف السياسية المشاركة، يمكن التعامل معها على طاولة الحوار، والأطراف التي تجاهلت المشاركة، يمكن إجراء المزيد من التفاهم معها خارج طاولة الحوار، وذلك على أمل أن تتم عملية بناء الثقة معها بما يجعلها تهتم بالانخراط في فعاليات الحوار، أما الأطراف المعارضة الساعية لتقويض الحوار والقضاء على فعالياته فهي أطراف لا يمكن وصفها، أو نعتها بأي صفة، سوى أنه يتوجب عليها، على الأقل في الوقت الحالي، أن تتخلى عن ارتباطها بالأطراف الثالثة الخارجية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر اليهودي الفرنسي برنار هنري ليفي، وضيف شرف اجتماع المعارضة الأخير في قاعة سينما السان جرمان الفرنسية الإسرائيلي الكسندر غولدفارب، مساعد وزير الدفاع الإسرائيلي الجنرال إيهود باراك.
يعتقد السوريون، وبإجماع كبير للغاية، بأن ما هو مفهوم وواضح، يتمثل في أن الخلاف بين أبناء الوطن الواحد هو أمر مشروع. وأن التفاهم بإفصاح وشفافية بينهم هو أمر مشروع وضروري، ولكن، ما هو غير مفهوم وغير واضح وفي نفس الوقت مثير للشكوك، هو أن يسعى نفر من السوريين لجهة تلبية دعوة اليهودي برنار هنري ليفي، وضيف شرفه الإسرائيلي الكسندر غولدفارب. وفي نفس الوقت يرفضون دعوة دمشق للحوار. مع السعي لجهة تقويض أركان هذا الحوار، وقبل أن يبدأ.
* بناء الثقة والمصداقية: فعاليات الحوار الوطني السوري، إلى أين؟
من المعروف في أوساط خبراء النزاعات والمفاوضات، أن الحوار يأتي أولاً، ويتم وضع أطر التفاوض لاحقاً، ثم بعد ذلك يأتي بناء الإجماع، والقيام بإجراء الإصلاحات المطلوبة، وبرغم هذه الحقيقة الراسخة، فقد شهدت سوريا الآتي:
• قيام دمشق بالبدء في الإصلاحات، قبل البدء في الحوار.
• قيام دمشق ببدء الحوار واعتماده كوسيلة لبناء الإجماع من أجل تحقيق المزيد من الإصلاحات.
وبرغم ذلك نلاحظ أن مسار التصعيد البناء الإيجابي الذي سارت ضمنه دمشق، قد قوبل بقيام أحد أطراف المعارضة بانتهاج مسار التصعيد السلبي، عن طريق الدفع باتجاه حشد المزيد من المواكب والمظاهرات، وفي نفس الوقت من الجهة الأخرى، باتجاه عمليات التصعيد الإعلامي، والتصعيد الدبلوماسي الخارجي، الأمر الذي تضمن رسالة واضحة تنطوي على إطلاق إشارة واحدة مفادها الرفض القاطع للحوار. إضافة إلى وضع المزيد من العراقيل لجهة تقويض هذا الحوار استباقياً وقبل أن تنطلق أجندته.
والآن وبرغم كل هذه الخلافات، وتأسيساً على ما حدث في اجتماع هيئة الحوار الوطني الذي انطلق بالأمس وما زال مستمراً، يبدو مشروعاً أن نقول للذين غابوا أو غيبتهم الأطراف الثالثة الخارجية، بأن وجودهم على طاولة الحوار هو أمر ضروري لأن لحظة الشجاعة من أجل سوريا قد حانت بالفعل!
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
التعليقات
خطوة ايجابية ومحرجة ...
نعم انها ديمقراطية الكلام كيف
الجمهورية الثالثة
العجوز المتفذلك كتير الغلبة التيزيني وجاره الحبش
وظيفتهم تمنعهم؟
إضافة تعليق جديد