الأسد يتحدث عن إصلاح سريع لكنه غير متسرع
رأى الرئيس بشار الأسد أن الإصلاح في سوريا يجب أن يكون «سريعا ولكن ليس متسرعا»، مشيرا إلى أن الاستجابة للمطالب الإصلاحية باعتبارها «انعكاسا لموجة في المنطقة سيكون مدمرا»، واعتبر الرئيس الأسد في خطاب أمام مجلس الشعب هو الأول بعد بدء الاضطرابات في سوريا، أن التحدي الذي تواجهه سوريا في هذه العملية هو تحديد «نوع الإصلاح الذي نسعى إليه والذي يجب أن يعكس عشر سنوات للخلف، وعشراً أخرى للأمام». ولم يتوسع الرئيس الأسد في حديثه عما هو مقبل، مختصرا بالإشارة إلى الاستحقاقات المقبلة من انتخابات مجالس محلية ومجلس الشعب والمؤتمر القطري التي ستأتي «بدماء جديدة، وعلى هذه الدماء الجديدة نحن ننتقل إلى مرحلة أخرى» كما قال. وأضاف أنه تم اتخاذ إجراءات لم تعلن، مرتبطة بتعزيز الوحدة الوطنية ومكافحة الفساد، وبالإعلام، ومنح المزيد من فرص العمل ورزمة إجراءات اقتصادية، مضيفا ان العمل يجري على قاعدة أن «نسرع لا أن نتسرع».
وفي هذا السياق قالت مصادر سورية مسؤولة إن عددا من المراسيم والقرارات ستُحال إلى الحكومة المقبلة التي يفترض أن تتشكل خلال أسبوع تقريبا، والتي بدورها سترسلها بعد دراستها، وفق الأصول الدستورية والقانونية لمجلس الشعب.
واعترف الرئيس الأسد بوجود تأخير في العملية الإصلاحية، مشيرا إلى أن هذا ناتج من الضغوط التي تعرضت لها سوريا من جهة، وتغير الأولويات من جهة أخرى، حين اعتبر أن الأولويات في الأعوام الماضية كانت في اتجاه الحفاظ على استقرار سوريا، ومواجهة الهم المعيشي للمواطنين، وقال «لكن لم يكن هناك تركيز على الجانب السياسي كقانون الطوارئ والأحزاب وغيرها من القوانين. السبب ربما يكون أحياناً إنسانياً.. نستطيع أن نؤجل بياناً يصدره حزب.. نؤجله أشهرا أو سنوات ولكن لا نستطيع أن نؤجل طعاماً يريد أن يأكله طفل في الصباح».
وإن أشار الأسد إلى أنه كان هنالك بطء وروتين في سير إلاصلاحات، إلا أنه رفض في الوقت ذاته ربط الإجراءات الحالية «بالموجة التي في المنطقة»، وقال «إن الإصلاح هو ليس صرعة موسم، فعندما يكون مجرد انعكاس لموجة تعيشها المنطقة، فهو مدمر بغض النظر عن مضمونه».
وكان لافتا إشارة الأسد إلى أن فريقه ليس معارضا للإصلاح كما يحلو للبعض أن يشير، كما لفت الى أن «التحدي الآن ما هو نوع الإصلاح الذي نريد أن نصل إليه، وبالتالي علينا أن نتجنب إخضاع عملية الإصلاح للظروف الآنية التي قد تكون عابرة، لكي لا نحصد النتائج العكسية».
وتابع الرئيس الأسد قائلا إن الإجراءات الجديدة ستكون ضمن إطار زمني تحدد سرعته وفقا لطبيعة الإجراء، ورأى الأسد أنه يجب عدم وضع الحلول بأية طريقة، وأنه «الأفضل أن تبقى من دون حلول إن لم تكن تعرف تماما انك ستجد حلا للمشكلة».
وإلى جانب العملية الإصلاحية التي بات عنوانها العريض قانون الأحزاب، وحزمة من الإجراءات الاقتصادية، كان التركيز في خطاب الأسد على موضوع الفتنة الطائفية التي قال إن وعي الشعب السوري هو الذي واجهها، مضيفا أنه لا مكان في هذه المواجهة لمن يقف في الوسط، ووجه الأسد بعض كلامه لمدينة درعا التي قال إنها «في قلب كل سوري»، وان أهلها في النسق الأول المدافع عن سوريا ووصفهم بـ«أهل الوطنية الصادقة والعروبة الأصيلة.. أهل درعا هم أهل النخوة والشهامة والكرامة وهم من سيقومون بتطويق القلة القليلة التي أرادت إثارة الفوضى وتخريب اللحمة الوطنية».
وقال الأسد إن «أهل درعا لا يتحملون مسؤولية ما حصل، ولكنهم يتحملون مسؤولية في وأد الفتنة»، وقال ان دماء الضحايا التي سقطت هي دماء سورية «ومعنيون بها لأنها دماء إخوتنا وأهلهم وأهلنا».
وحيال ما جرى في درعا من اضطرابات قال إنه «من الضروري أن نبحث عن الأسباب والمسببين ونحقق ونحاسب، وإذا كان الجرح قد نزف فليكن ذلك من اجل وحدة أبناء الوطن لا من أجل تفريقهم»، مضيفا «ولنعمل بأقصى سرعة على رأب الجرح لنعيد الوئام لعائلتنا الكبيرة ولنبقي المحبة رابطاً قوياً يجمع بين أبنائها».
ورأى الأسد أن مرحلة الفتنة الطائفية كانت إحدى مراحل الخطة التي واجهتها سوريا، وأن المرحلة الأخيرة في هذه المواجهة هي في «أن تضعف سوريا وتتفتت...»، وقال إن «التحريض بدأ قبل أسابيع طويلة من الاضطرابات في سوريا... وانتقلوا بعدها خلال الفتنة إلى موضوع التزوير» ثم المحور الطائفي الذي «اعتمد على التحريض وعلى رسائل ترسل بالهواتف المحمولة، رسائل قصيرة تقول لطائفة انتبهوا الطائفة الأخرى ستهجم، ويقولون للطائفة الثانية إن الطائفة الأولى ستهجم، ولكي يعززوا مصداقية هذا الشيء أرسلوا أشخاصاً ملثمين يدقون الأبواب على حارتين متجاورتين من طائفتين لا أقول مختلفتين أقول شقيقتين، ليقولوا للأول الطائفة الثانية أصبحت في الشارع انتبه، انزل إلى الشارع، وتمكنوا من إنزال الناس إلى الشارع، قاموا بهذا العمل ولكن تمكنا من خلال لقاء الفعاليات من درء الفتنة.. فتدخلوا بالسلاح وبدأوا بقتل الأشخاص عشوائياً لكي يكون هناك دم وتصعب المعادلة، هذه هي الوسائل». وكشف الأسد أنه لم يتم «اكتشاف البنية بعد» ولكن ما ظهر كان من «بنية منظمة» تتمثل بـ«مجموعات دعم لها أشخاص في أكثر من محافظة وفي الخارج.. هناك مجموعات إعلام.. هناك مجموعات تزوير.. وهناك مجموعات شهود العيان.. هي مجموعات منظمة مسبقاً».
وقال الأسد إنه كان هنالك تعليمات واضحة خلال المواجهة «لمنع جرح أي مواطن سوري»، ولكنه أضاف أن المواجهة في الشارع تحيل الأمور إلى فوضى، «ويصبح رد الفعل هو السائد، وما نسميها أخطاء اللحظة تصبح هي السائدة وتسيل الدماء، وهذا ما حصل وكلكم تعرفون هذا الشيء.. سقطت ضحايا».
ورأى الأسد أن وأد الفتنة «واجب وطني وأخلاقي وشرعي، وكل من يستطيع أن يساهم في وأدها ولا يفعل فهو جزء منها»، وقال إنه «لا مكان لمن يقف في الوسط.. فالقضية ليست الدولة بل الوطن». وأضاف «المؤامرة كبيرة ونحن لا نسعى لمعارك... الشعب السوري شعب مسالم وودود ولكننا لم نتردد يوما في الدفاع عن قضايانا ومصالحنا ومبادئنا.. وإذا فرضت علينا المعركة اليوم فأهلاً وسهلاً بها».
وعلى مستوى آخر قال الأسد إن الذي يوجه السياسة الداخلية والخارجية في سوريا هو «بوصلة الشارع ورأي المواطن»، ورأى في الشأن الإقليمي أن التحولات التي جرت في المنطقة «ستؤدي إلى تغيير مسار القضية الفلسطينية الذي سارت عليه خلال عقدين على الأقل وربما أيضاً أكثر من ثلاثة عقود تقريباً من مسار التنازلات إلى مسار التمسك بالحقوق، ففي كل الاتجاهات نعتقد أن ما يحصل إيجابي في مقدماته».
وفي واشنطن، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر إن الأمر يعود إلى الشعب السوري للحكم على خطاب الأسد، لكنه اعتبر «أنه من الأسهل بكثير البحث عن نظريات المؤامرة، من التجاوب بطريقة حقيقية مع دعوات الإصلاح». وأضاف تونر «نتوقع ان يخيب أمل (الشعب السوري). ونشعر بأن الخطاب جاء مقصرا في ما يتعلق بنوع الاصلاحات التي طالب بها الشعب السوري، وما أشار مستشارو الرئيس الأسد إلى حدوثه». وتابع قائلا «من الواضح بالنسبة لنا أن الخطاب لم يحمل كثيرا من الفحوى... ولم يتحدث عن إصلاحات بعينها، كما تم التلميح سابقا».
وأعرب وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه عن «أسفه» لكون خطاب الرئيس بشار الأسد جاء «عاما جدا»، داعيا السلطات السورية الى تقديم «اقتراحات ملموسة» للرد على «غضب» الشعب السوري. وقال الوزير الفرنسي في حديث مع شبكة «فرانس 3»: «انه خطاب عام جدا. لست متأكدا من انه يلبي تطلعات، وأقول حتى غضب الشعب السوري. يتعين اليوم تقديم اقتراحات ملموسة للاستجابة لتطلعات هذا الشعب». وأضاف «اننا ندعو بقوة السلطات السورية الى المضي في هذا الاتجاه»، مذكرا بأن فرنسا تدين «بقوة استخدام العنف ضد التظاهرات الشعبية».
وتابع جوبيه قائلا «اليوم لم يعد مقبولا ان يحصل ذلك. ينبغي ألا تستخدم الحكومات بعد اليوم الاسلحة ضد شعوبها عندما تعبر عن رأيها مطالبة بحريات ديموقراطية». وردا على سؤال عما اذا كان يمكن ان يفرض على الاسد ما فرض على معمر القذافي، أجاب جوبيه «لكل وضع خصوصيته».
إلى ذلك، سمعت طلقات نارية في أحد أحياء جنوب اللاذقية حسبما أفاد الصحافي عصام خوري مدير مركز التطوير البيئي والاجتماعي. وقال خوري «سمع دوي طلقات نارية في حي الصليبة (جنوب اللاذقية) لكنه لم يكن من الممكن معرفة تفاصيل» إضافية. وأفاد أحد الشهود بأن قوات الامن فتحت النار لتفريق متظاهرين كانوا يعربون عن استيائهم بعد خطاب الاسد، مشيرا الى إطلاق نار غزير في حي الصليبة.
التلفزيون الرسمي من جهته أشار الى إطلاق نار من قبل «مسلحين» بدون إضافة أي تفاصيل. وكان 300 محتج قد نفذوا في وقت سابق اعتصاما رافعين لافتة تطالب بـ«السلام والحرية». وقال شهود ان الجيش كان على مقربة من المكان ولم يتدخل.
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد