الأزمة الحكومية اللبنانية وامتداداتها الداخلية والخارجية
الجمل: عادت الأزمة السياسية اللبنانية المتعلقة بالمحكمة الدولية إلى الواجهة مرة أخرى، وما هو جدير بالملاحظة والاهتمام يتمثل في أن عودتها هذه المرة سوف تنطوي على أبعاد وتداعيات أكثر خطورة: فما هي حقيقة المعطيات الجديدة في ملف المحكمة الدولة؟ وما هي خيارات إدارة الصراع حول ملف المحكمة؟
* ملف المحكمة الدولية: توصيف المعلومات الجارية
تجري حالياً عمليات تمهيد واسعة النطاق لمسرح المواجهة المتوقعة في ملف المحكمة الدولية، ومع اقتراب موعد قيام المحقق الدولي دانييل بلمار برفع قائمة الاتهامات للقاضي الظني دانييل فرانزين والذي سوف يأخذ فترة تتراوح بين ستة إلى عشرة أسابيع وبعدها سوف يتخذ القرار بالموافقة على الاتهامات ورفعها للمحكمة أو رفضها أو إعادتها للمحقق بلمار طلباً للمزيد من المعلومات، أو ربما المطالبة بوقت إضافي لإكمال النظر في الاتهامات.
تقول التسريبات والمعلومات، أنه إذا قام المحقق الدولي بلمار خلال هذا الأسبوع أو الأسبوع القادم برفع قائمة الاتهام إلى القاضي الظني فرانزن، فإن قرار القاضي الظني سوف لن يصدر إلى نهاية شهر آذار (مارس) 2011 أو مطلع شهر نيسان (أبريل) 2011 القادمين.
* التحركات الموازية: النوايا والأداء السلوكي
تسهد الساحات السياسية اللبنانية الداخلية والإقليمية والدولية جملة من التحركات السياسية التي تعكس تبلور النوايا ومعطيات الأداء السلوكي الدبلوماسي والمخابراتي ويمكن رصد ذلك على النحو الآتي:
• لبنان: بدأت قوى الممانعة (حزب الله وحلفاءه) تحركات سياسية مكثفة واسعة النطاق لجهة إنفاذ سيناريو ردع تحركات المحكمة الدولية وذلك لجهة القيام بعملية سياسية استباقية، وتقول المعلومات والتسريبات بأن استقالة وزراء المعارضة من حكومة الحريري قد أصبح هو الخيار الأول، أو بالأحرى الخطوة الأولى التي سوف تتبعها سلسلة من الخطوات الأخرى الأكثر تعقيداً.
• واشنطن: أجرى الرئيس الأمريكي باراك أوباما اتصالاً هاتفياً مع العاهل السعودي الملك عبد الله المتواجد حالياً في نيويورك، وتقول التقارير بأن الرئيس أوباما سوف يعقد اليوم اجتماعاً هاماً مع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري حول ملف المحكمة الدولية، وإضافة لذلك فقد عقد الرئيس الفرنسي ساركوزي خلال الثلاثة أيام الماضية لقاء مع الملك السعودي الملك عبد الله بمدينة نيويورك الأمريكية، وأجرت وزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون لقاءات مكثفة خلال الأربعة أيام الماضية مع الزعماء الخليجيين في دولة الإمارات وقطر وسلطنة عُمان.
• أما في الشرق الأوسط، فإن حالة الانقسام حول ملف المحكمة الدولية ما تزال تمارس حضوراً قوياً، وفي هذا الخصوص يمكن الإشارة إلى الاصطفافات الشرق أوسطية الآتية:
- معسكر الرافضين لملف المحكمة الدولية: يشكل الأغلبية العظمى في أوساط الرأي العام العربي، بما في ذلك الرأي العام اللبناني، إضافة إلى دمشق والبلدان العربية غير المرتبطة بأمريكا.
- معسكر المؤيدين لملف المحكمة الدولية: ويشكل الأقلية الضئيلة في أوساط الرأي العام العربي، بما يشمل الشرائح اللبنانية المرتبطة بتجمع قوى 14 آذار، وعلى وجه الخصوص أنصار حركة القوات اللبنانية التي يتزعمها سمير جعجع وأنصار حزب الكتائب اللبناني الذي يتزعمه أمين الجميل، إضافة إلى تيار المستقبل الذي يتزعمه رئيس الوزراء الحالي سعد الحريري.
- معسكر المترددين: ويشكل أقلية كبيرة نسبياً، بما يشمل عدداً كبيراً من الحكومات العربية والتي برغم عدم اقتناعها بمصداقية ملف المحكمة الدولية فإنها اختارت الصمت حفاظاً على مصالحها مع أمريكا وبلدان الاتحاد الأوروبي، وما هو جدير بالملاحظة، أن العديد من الحكومات العربية التي كانت تؤيد ملف المحكمة الدولية قد اختارت الصمت هذه المرة وعلى وجه الخصوص بعض الأطراف الخليجية.
هذا، ومن المتوقع أن تتزايد حدة الاصطفافات الشعبية الرافضة لملف المحكمة الدولية، وعلى وجه الخصوص بعد أن أدرك الرأي العام العربي حقيقة النوايا الخبيثة التي برزت إشاراتها بشكل واضح من خلال الدور الأمريكي-الإسرائيلي في تحريك الوقائع والأحداث لجهة استهداف خصوم إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط.
* العاصفة السياسية اللبنانية: إلى أين؟
توجد حالياً العديد من السيناريوهات المحتملة الحدوث في الساحة السياسية اللبنانية، وبرغم تعدد هذه السيناريوهات فإن أبرز مفاعيل الأزمة السياسية الرئيسية سوف تتمثل في العوامل الحاكمة الآتية:
- استقالة وزراء المعارضة الـ(11) من حكومة الحريري سوف يترتب عليه حل الحكومة اللبنانية الحالية، الأمر الذي سوف يخلق ما يطلق عليه الخبراء تسمية «فراغ السلطة التنفيذية».
- سوف يضطر رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى الامتناع عن دعوة مجلس النواب اللبناني إلى الانعقاد، الأمر الذي سوف يخلق ما يطلق عليه الخبراء تسمية «فراغ السلطة التشريعية».
بكلمات أخرى، إذا انهارت حكومة الحريري الحالية، فمن الصعب تشكيل حكومة لبنانية جديدة، وحتى إذا قرر الرئيس اللبناني ميشيل سليمان تكليف الحريري بتشكيل الحكومة الجديدة، فإنها لن تكتسب أي شرعية طالما أن مجلس النواب اللبناني لن يعقد اجتماعاً للمصادقة عليها. إذاً، عندما يقوم المحقق الدولي بلمار برفع قائمة الاتهامات للقاضي الظني فرانزن والذي قام بدوره بالموافقة على القائمة وحولها إلى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، فإن الساحة اللبنانية سوف تشهد بالمقابل المزيد من عمليات التعبئة السلبية الفاعلة، وذلك بما يمكن أن يتضمن الآتي:
• تبادل الاتهامات بين الزعماء السياسيين اللبنانيين، وهي اتهامات بدأت منذ مساء الأمس.
• تزايدت عمليات الاصطفاف والحشد التعبوي، وعلى الأغلب أن يزداد الحشد الداعم لموقف حزب الله اللبناني وحلفائه، خاصة وأن الرأي العام اللبناني أصبح أكثر وعياً بحقيقة ملف شهود الزور وملابساته.
وعلى ما يبدو فإن موجة الصراع السياسي اللبناني-اللبناني الداخلية سوف تكون خالية من ورقة تسويق العداء لسوريا وهي الورقة التي استخدمتها القوى السياسية المعارضة لسوريا خلال الأعوام الماضية، والتي لاحقاً وبعد انكشاف الحقائق غيرت مواقفها وأصبحت أكثر حرصاً لجهة تعزيز علاقاتها مع دمشق، أو على الأقل التزام الحياد الإيجابي، وبرغم وضوح هذه الحقيقة، فإن أحد التسريبات التي أوردها تحليل الخبير ميشيل يونغ الذي نشرته صحيفة ديلي ستار وأعاد نشره الموقع الإلكتروني الخاص بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، أشار إلى أن قائمة الاتهامات التي أعدها المحقق الدولي دانييل بلمار والتي سوف يرفعها إلى القاضي الظني دانييل فرانزن سوف لن تسعى لاستهداف حزب الله وحده فحسب، وإنما إلى الربط بين هؤلاء العناصر وحزب الله اللبناني وسوريا، وإضافة لذلك تشير بعض التحليلات إلى أن التطورات الجديدة المتعلقة بملف المحكمة الدولية سوف تؤدي إلى حدوث نتائج مذهلة، أولها أن لبنان لن يستطيع وقف ملف المحكمة حتى لو قررت الحكومة اللبنانية بما في ذلك سعد الحريري الوقوف في وجه المحكمة الدولية، وثانياً أن السعودية سوف تكون خرجت عملياً أو بالأحرى أن أمريكا أخرجتها عملياً من منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي يؤكد الفرضية القائلة بأن البيت الأبيض أصبح خلال الفترة الأخيرة أكثر اهتماماً بتحجيم الدور السعودي في المنطقة وحصر السعودية بحيث تكون مجرد دولة خليجية عادية مثلها مثل سلطنة عُمان والبحرين.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد