مستقبل الصراع التونسي الداخلي مع اقتراب نهاية ولاية بن علي
الجمل: تزايدت توترات الساحة السياسية التونسية خلال اليومين الماضيين، وذلك بسبب الخلافات حول ترشيح الرئيس زين العابدين بن علي لولاية رئاسية جديدة، والأطر الدستورية والقانونية المتعلقة بذلك: ما هي طبيعة النظام السياسي التونسي؟ وما هي طبيعة صراعات السلطة-المعارضة؟ وما هو سيناريو الصراع السياسي التونسي وفق المعطيات الجارية على الصعيدين الداخلي والخارجي؟
* البيئة السياسية التونسية
تعتبر تونس من بين بلدان المغرب العربي الخمس، وتبلغ مساحتها 163610 كم2 بعدد سكان في حدود 10.5 مليون نسمة، هذا ويبلغ الناتج الإجمالي المحلي الصافي في حدود 40.2 مليار دولار بمتوسط دخل سنوي للفرد في حدود 3851 دولار أمريكي.
• السياسة الداخلية: نالت تونس استقلالها من فرنسا في 10 آذار (مارس) 1956م، وانتهجت منذ ذلك التاريخ النظام الجمهوري كأساس للدولة والحكم، وفي هذا الخصوص نشير إلى النقاط الآتية:
- السلطة التشريعية: يوجد برلمان تونسي يتكون من جزأين: الأول هو مجلس النواب التونسي ويتكون من 189 عضواً، ومجلس المستشارين التونسي ويتكون من 126 عضواً.
- السلطة التنفيذية: وتتكون من مؤسسة الرئاسة التي يجلس عليها رئيس الجمهورية ومن مجلس الوزراء التونسي وبقية الأجهزة الحكومية.
- السلطة القضائية: توجد محكمة دستورية عليا وأجهزة قضائية وعدلية مختصة، ولكن على أساس اعتبارات الاستقلالية هناك خلاف وجدل واسع حول مدى مصداقية تمتع المحكمة الدستورية العليا والأجهزة القضائية بالاستقلالية التامة.
تتميز الساحة السياسية التونسية بالعديد من المقارنات والظواهر المثيرة للاهتمام، فعلى مدى الفترة الممتدة من لحظة استقلال تونس في عام 1956 وحتى الآن 2010، تولى منصب رئيس الجمهورية التونسي شخصان فقط هما: الرئيس السابق الحبيب بو رقيبة، والرئيس الحالي زين العابدين بن علي.
كان الزعيم التونسي الحبيب بو رقيبة مؤسس الدولة التونسية في فترة شبابه من أشد المعجبين بالزعيم التركي مصطفى أتاتورك، وعلى وجه الخصوص لجهة ربط تركيا بأوروبة الغربية، ولجهة الرغبة في استئصال الإرث العربي-الإسلامي عن طريق العلمانية، وتأسيساً على ذلك، فقد كان حضور المفاهيم الأتاتوركية قوياً للغاية في ذهن الزعيم بورقيبة، بما أدى إلى جعل دستور الجمهورية التونسية نسخة مطابقة مع دستور الجمهورية التركية.
وهكذا، فقد ظلت الجمهورية التونسية أكثر انفتاحاً نحو الغرب الأوروبي، وعلى وجه الخصوص فرنسا، وأكثر وحشية في قمع الحركات والقوى السياسية ذات التوجهات العربية والإسلامية. وحتى الآن، مازالت التوجهات الأتاتوركية تلقي بظلالها على الصراع السياسي الداخلي التونسي.
* بيئة السياسة الخارجية التونسية
تتحرك مفاعيل السياسة الخارجية التونسية ضمن أربع دوائر أساسية هي:
- الدائرة الأوروبية: وترتبط تونس بعلاقات دبلوماسية مع كل دول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى اتفاقيات خاصة مع تكتل الاتحاد الأوروبي.
- الدائرة العربية: تونس عضو في جامعة الدول العربية، وبرغم أن تونس ملتزمة بمواثيق الجامعة العربية، فقد ظلت أكثر اهتماماً بتبني المواقف التي لا تنسجم مع توجهات الجامعة العربية، وعلى وجه الخصوص إزاء القضايا المتعلقة بالصراع العربي-الإسرائيلي والعلاقات مع الغرب.
- الدائرة الأفريقية: تونس عضو في الاتحاد الأفريقي وتسعى باستمرار إلى المشاركة بأنشطة الاتحاد الأفريقي وعلى وجه الخصوص مع دول غرب أفريقيا.
- الدائرة الدولية: تتمتع تونس بعضوية في 51 منظمة دولية، وتتمتع بصفة العضو المراقب في منظمتين دوليتين، وبصفة العضو والشريك في منظمة دولية واحدة، وهذا معناه أن تونس مرتبطة بـ 54 منظمة دولية، وهو عدد كبير جداً بالنسبة لدولة عربية، الأمر الذي أدى إلى جعل تونس البلد العربي الأكثر انفتاحاً على النظام الدولي المعاصر.
برغم انتشار الحراك الدبلوماسي التونسي، فإن تونس تتمتع بـ"علاقات خاصة" مع فرنسا و"علاقات خاصة" مع تركيا، وفي هذا الخصوص، تتقاطع الدبلوماسية التونسية مع الدبلوماسية الفرنسية في كل من منظمة الدول الفرانكفونية ومبادرة الاتحاد من أجل المتوسط، أما مع تركيا، فقط ظلت تونس أكثر اهتماماً في السعي لتبني نفس نموذج العلاقات التركية-الإسرائيلية، وبرغم من أن الرئيس التونسي الزعيم بورقيبة كان أول زعيم عربي طالب بالاعتراف بإسرائيل في عام 1965، فإن العلاقات التونسية-الإسرائيلية اتخذت شكل "روابط تحت السطح" وذلك بسبب ارتباطات تونس العربية والإسلامية.
* الصراع السياسي التونسي-التونسي: ماذا تقول المعلومات؟
تشير الوقائع والمعطيات الجارية إلى أن الصراع السياسي التونسي-التونسي، والذي تتواتر شدته بين التصعيد حيناً والتهدئة في أحيان أخرى، قد بدأ هذه المرحلة وهو يدخل حالة من التصعيد، وفي هذا الخصوص نشير إلى خارطة الصراع السياسي الداخلي على النحو الآتي:
• الحزب الحاكم: حزب الحركة الدستورية، وقد ظل يمثل هذا الحزب الحاكم منذ لحظة الاستقلال في العام 1956 وحتى الآن، ويتمتع بأغلبية المقاعد البرلمانية في مجلس النواب ومجلس المستشارين.
• أحزاب المعارضة داخل البرلمان وهي: حزب الديمقراطيين الاشتراكيين، حزب وحدة الشعب، حزب الاتحاد الوحدوي الديمقراطي، حزب حركة التجديد، الحزب الليبرالي الاجتماعي، حزب الخضر من أجل التقدم.
• أحزاب المعارضة من خارج البرلمان وهي: الحزب التقدمي الديمقراطي، الحزب الديمقراطي الليبرالي.
• أحزاب المعارضة المحظورة وهي: حزب التحرير (إسلامي)، مرحة النهضة (إسلامي)، حزب العمال الشيوعي التونسي (ماركسي).
على خلفية اللاعبين في خارطة الصراع السياسي التونسي-التونسي نلاحظ أن أحزاب المعارضة المحظورة ما تزال ضعيفة غير قادرة على زعزعة استقرار النظام السياسي الجمهوري، وتقول التحليلات بوجود سببين الأول يتمثل في نجاح أجهزة الأمن التونسية في احتواء خطر هذه الأحزاب، والثاني يتمثل في تعاون فرنسا والاتحاد الأوروبي مع تونس لجهة حمايتها من انتقادات منظمات حقوق الإنسان، إضافة إلى قيام الدول الأوروبية ليس باستضافة الزعماء التونسيين المعارضين وحسب، وإنما بإدماجهم ضمن المجتمعات الأوروبية، وتشير المعلومات في هذا الخصوص إلى زعيم الإسلاميين التونسيين راشد الغنوشي باعتباره يمثل نموذجاً حياً لمثل هذا الاحتواء الاستيعابي، فقد أصبح يمثل مسلماً بريطانياً من أصل تونسي أكثر من كونه زعيماً إسلامياً متشدداً تونسياً يعيش في المنفى.
يبدو مشهد المؤسسات التشريعية التونسية من الخارج على خلاف ما هو عليه من الداخل، ويمكن الإشارة إلى ذلك على النحو الآتي:
- مجلس النواب التونسي: وهو المسؤول عن سن التشريعات وإصدار القوانين، وقد ظل حزب الحركة الدستورية الحاكم يحصل على الأغلبية العظمى من المقاعد، وحالياً لحزب الحركة الدستورية 161 نائباً مقابل 53 نائباً لبقية الأحزاب المعارضة.
- مجلس المستشارين التونسي: وهو المسؤول عن متابعة الأداء الحكومي، وما هو مثير للاهتمام أن عضوية هذا المجلس تتم عن طريق التعيين: 71 عضواً يتم تعيينهم بواسطة مجلس النواب الذي يسيطر عليه حزب الحركة الدستورية الحاكم والذي يقوم باختيارهم بناء على تعليمات رئيس الجمهورية، و14 عضواً يتم اختيارهم بواسطة النقابات التي يسيطر عليها حزب الحركة الدستورية الحاكم في الأغلب الأعم، إضافة إلى 41 عضواً يتم تعيينهم بواسطة رئيس الجمهورية زين الدين بن علي.
تقول التقارير والمعلومات، بأن مجلس المستشارين التونسي هو الأكثر فعالية لجهة القيام بالفعاليات البرلمانية لجهة متابعة أداء الحكومة، وأيضاً لجهة ضبط الصلاحيات التشريعية في مجلس النواب التونسي وذلك لأن أغلبية أعضاء مجلس المستشارين يتم تعيينهم بواسطة مجلس النواب والرئيس التونسي.
تحدثت التقارير في جولة الصراع السياسي التونسي-التونسي الجديدة، وفي هذا الخصوص، ومع اقتراب انتهاء فترة ولاية الرئيس الحالي زين العابدين بن علي، فقد سعت مجموعة من الناشطين السياسيين والاجتماعيين إلى مطالبة الرئيس زين العابدين بن علي بأن يرشح نفسه لولاية رئاسية جديدة، وبالمقابل، فقد سعت المعارضة إلى إلى إعلان رفض ترشيح الرئيس زين العابدين على خلفية أن عمره قد بلغ 74 عاماً، وإضافةً إلى ذلك، فقد سعت بعض الأطراف المؤيدة للرئيس بن علي إلى السعي باتجاه تعديل دستوري ينص على انتخاب الرئيس بن علي كرئيس مدى الحياة بتونس، وبالتالي، وفي حالة تولي الرئيس بن علي لمنصب الرئيس مدى الحياة، فإن بن علي سوف يتجاوز الثمانين من العمر وهو في منصب الرئيس التونسي.
تقول التقارير والمعلومات، بأن الرأي العام التونسي قد أصبح أكثر اهتماماً لجهة دعم ومساندة عدم تعديل الدستور وفقاً لمنظور رئيس "مدى الحياة"، وفقط من الممكن القبول بتولي زين العابدين بن علي منصب الرئيس التونسي لولاية جديدة ضمن الفترة المقررة. ولما كانت التعديلات الدستورية السابقة قد نصت على جعل الولاية الدستورية 7 سنوات، فإن انتخاب بن علي لفترة سبع سنوات جديدة معناه أن بن علي سوف يتجاوز الثمانين قبل أن يكمل فترة الولاية الرئاسية المقررة.
تشير معطيات الخبرة التاريخية السياسية التونسية المعاصرة، إلى أن الرئيس التونسي السابق الزعيم بورقيبة قد بلغ من العمر عتياً، وقد ظل أكثر ثقة في تلميذه المخلص زين العابدين بن علي في تصريف شؤون الدولة والحكم. وقد وجد زين العابدين بن علي الفرصة سانحة ولم يتردد في استغلال الفرصة والإطاحة بالزعيم بورقيبة. والآن، ومع تقدم الرئيس زين العابدين بن علي في العمر، فهل سيتكرر سيناريو نافذة الفرصة لأحد الموجودين حوله؟ ومن يا ترى سوف يفعلها ؟ وفي هذا الخصوص تقول التسريبات بأن زين العابدين بن علي لم يترك أي فرصة، و لا أي أحد يستطيع تكرار سيناريو إذاقته نفس الكأس التي أذاقها لزعيمه ومعلمه الحبيب بورقيبة أتاتورك تونس القوي الذي أوهنته الشيخوخة!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد