تخوف من انتشار فيروس العين لوردية
دخل سورية وانتشر في عدة أمكنة، لاسيما في المناطق الساحلية، تاركاً وراءه خوف الناس الذي فاق خطورته بأضعاف مضاعفة، وبعوارض قليلة كافية لفهم الحالة، ففيروس التهاب الملتحمة يصيب عيناً ويعدي الأخرى، ثم لا يلبث أن يصيب عيوناً كثيرة بمجرد الملامسة، فعلى الرغم من أنَّ انتشاره مازال في البداية في دمشق، إلا أنَّ النظافة وحدها قد لاتوقفه من دون الحذر والتعقيم، كما من الممكن أن تساعد في انتشاره العوامل الجوية المتغيِّرة في هذه الفترة من السنة..
وتأتي الأماكن المزدحمة لتحتلَّ أفضل وأول الأوساط التي يفضِّل الفيروس البقاء فيها، وقد لايعرف هذا الأخير الأطفال في أيامهم الأولى من المدرسة، فيصيبهم ويزعج عيونهم.
¶ ليس جديداً..
موجة الحر التي اجتاحت سورية مؤخراً، أثارت حالة من الجدل بين الأطباء؛ بين مَن اعتبرها السبب الكامن وراء التهاب الملتحمة، وبين مَن نفى ذلك كون المرض يأتي أيضاً في فصل الشتاء· فالفيروس، بحسب الدكتورة فدوى أبو قاسم (اختصاصية جراحة عينية)، غير منتشر بكثرة في دمشق، إلا أنَّ انتشاره قد يزيد مع مرور الأيام، ومع التغيرات المناخية التي تشهدها في هذه الفترة من السنة التي يكثر فيها الغبار، كذلك الأمر بالنسبة إلى الأوساط المزدحمة، فالفيروس على حدِّ وصفها يشبه إلى حدٍّ كبير الفيروس المسبِّب للأنفلونزا الموسمية، وينتقل بسرعة عن طريق المفرزات العينية والتنفسية، ويترافق غالباً مع الالتهابات التنفسية، لاسيما عند الأطفال، الذين يتجاوبون مع العلاج أسرع من الكبار.
وميَّزت «أبو قاسم» بين الإصابة الفيروسية التي تتميَّز إفرازاتها بأنها مائية تظهر على شكل «دماع حاد»، ويترافق مع نزف تحت الملتحمة واحمرار وحكة، وبين الإصابة الجرثومية التي تختلف بإفرازاتها بأنها قيحية..
ويبقى السؤال، عما إذا كان فيروس التهاب الملتحمة وجد سابقاً أم أنه ظهر حديثاً؟.. وتؤكِّد «أبو قاسم» أنَّ الفيروس موجود منذ الأزل، لكن قلة الإصابات به وخطأ التشخيص أو عدم معرفة الأطباء به وعدم حرصهم على التقيُّد بدواء مركَّز مصنَّع جيداً، أمور سبَّبت التأخُّر في اكتشافه. وعن مسبِّبات المرض، أكَّدت «أبو قاسم» أنها إما وجود البكتيريا أو الفيروسات أو الحساسية أو وجود جسم غريب في العين أو بقعة كيميائية أو وجود قناة أنف غير مفتوحة بالكامل عند المواليد الجدد.. وتعرف مدته على أنها الفترة الممتدَّة من لحظة دخول الفيروس إلى العين وحتى ظهور أعراض المرض، وتتراوح بين سبعة أيام إلى 30 يوماً، ويصبح المريض ناقلاً للمرض لمدة أسبوعين من بداية الأعراض .
¶ عن المرض
للفيروس عدة أنواع منها «A ،B ،C ،D»، ويرتبط ظهور كلِّ نوع بفصل خاص، وله فترة حضانة تصل إلى خمسة أيام دون ظهور أية أعراض على المصاب، ويتمتَّع هذا المرض بسرعة انتشار كبيرة وعدوى سريعة، وهو مرض طبيعي إن بقي في حدوده الدنيا.
ويمكن أن يصاب به أيُّ إنسان بطريقتين؛ الأولى إصابة مباشرة ناتجة عن التهاب البلعوم، ثم انتقال المفرزات والإصابة عبر المجاري التنفسية إلى العين والتسبُّب في التهاب الملتحمة، حيث تتميَّز هذه الإصابة بخطورتها، لإمكانية انتقالها بشكل أكبر وأسرع إلى القرنية، فتسبِّب عدم وضوح في الرؤية يمتدُّ إلى حوالي العام لتمام الشفاء.. أما الطريقة الثانية، فهي الإصابة الخارجية الناتجة عن العدوى من شخص مصاب، من خلال مصافحته أو استخدام أغراضه الشخصية أو ملامسته للمرافق العامة أثناء حركته فيها، ثم ملامسة العين، وهي أقل خطورة، لضعف نسبة انتقالها إلى القرنية.
وغالباً ما يكون الشفاء عفوياً- بحسب الأطباء- في الإصابات الفيروسية، ويحتاج إلى 12 يوماً، مع بعض الراحة، وضرورة الاعتماد على قطرات داعمة ملطّفة لضمان عدم تطوُّر الحالة، ولا يوجد أيُّ خطورة على العين بعد الشفاء أو أية اختلاطات مستقبلية.
من طرطوس كانت البداية
منذ ما يزيد على الشهر، بدأت الحالات الإفرادية من مرضى العيون تزور العيادات العينية الخاصة والعيادات الخارجية في مستشفى «الباسل»، بشكوى تكاد تكون وحيدة، وهي إفرازات دهنية وسيلان الدموع وحكة واحمرار في العينين، وانزعاج من الضوء الباهر، ثم تحوَّلت بعد أيام إلى مراجعات جماعية، عائلية وشخصية، تشتكي من نفس الأعراض، معلنة بذلك انتشار وباء «التهاب ملتحمة العين» في محافظة طرطوس، ذلك لأنَّ إصابة فرد من الأسرة كفيلة بعدوى الأسرة بكاملها، والفيروس لم يوفِّر صغيراً ولا كبيراً في طرطوس، بحيث كانت أولى مناطق انتشاره، ما دفع المواطنين إلى التهافت على عيادات أطباء العيون للمعالجة، ومنهم مَن لجأ إلى الصيدليات. فليس أطباء العينية وحدهم المستفيدين من الوباء، فالصيدليات أيضاً وبنيّة التوفير تبيع القطرات للمواطنين بمجرد شكِّهم في المرض أو في ظهور عوارضه. ولهذا السبب، على الصيدليات أن تحمل على عاتقها أيضاً توعية الناس وإعطاءهم النصائح، خصوصاً نصائح الوقائية، للحدِّ من انتشار الفيروس، بالإضافة إلى حرص الصيادلة والعاملين فيها على التعقيم المتكرِّر بعد دخول وخروج المصابين بالفيروس، لمنع انتقال العدوى إليهم، كذلك الأمر بالنسبة إلى الأطباء في المستشفيات والعيادات.
وفي اللاذقية..
يؤكِّد الدكتور سومر غزال في اللاذقية، أنه سواء أعطي المريض الدواء أم لم يُعطَ، فسيشفى لوحده، لكن حالته تدقُّ ناقوس الخطر في حال وصول الالتهاب إلى القرنية، إلا أن النمط الأكثر شيوعاً في محافظة اللاذقية، اقتصر على التهاب الملتحمة، دون القرنية، خاصة أنَّ الفيروس لا يعيش على سطح ما أكثر من ساعتين، وبما أنَّ العادة درجت لدى معظم العائلات السورية بالتشاركية في استخدام بعض الحاجيات، يبقى تغيير نمط الحياة بشكل بسيط واتخاذ بعض الإجراءات الوقائية، مثل غسل اليدين والوجه بالماء والصابون بشكل متكرِّر وتجنُّب لمس العينين في حال عدم نظافة اليدين وعدم ملامسة الشخص المصاب، أمراً ضرورياً.
وبحسب الدكتور غزال، فإنه منذ 6 أو 7 أشهر كان مرض التهاب الملتحمة وباءً في بعض مناطق الخليج، ثم انتقل بعد فترة إلى لبنان، وتفشَّى فيها بشكل مخيف، نظراً إلى انتشاره الواسع والسريع، لينتقل بعدها الفيروس إلى المناطق الساحلية السورية، مع انتقال السياح إليها (سياحة عبور)، داخلاً إلى سورية بانتشار أقل من تلك البلدان.
ورأت الدكتورة فدوى أبو قاسم (جراحة عينية) أنَّ الإصابات الفيروسية غالباً ما تنتشر في المناطق التي تطلُّ على البحر، بسبب التبدُّلات الطقسية.
وبعيداً عن السبب الكامن وراء السياحة، تبقى الوسيلة، وهي الوقاية والنظافة، أهم العوامل التي تحقِّق الغاية في قتل الفيروس، فالأخير إن لم يجد بيئة مناسبة له لا يعيش، لكن إن وجدها يكون شديد العدوى ومتوسط الخطورة، على حدِّ وصف الدكتور غزال، حيث يتسبَّب في إصابة 30 % من سكان الساحل، كما أنَّ المؤشرات تدلُّ على مراجعة 60 مريضاً يومياً لمستشفى القرداحة في اللاذقية.
الشباب أكثر عرضة
التهابات الملتحمة الميكروبية، خاصة الفيروسية، تكثر في هذا الموسم، وتعدُّ واسعة الانتشار، إذ تشكِّل حوالى 30 % من إجمالي حالات العيون التي ترتاد أقسام الطوارئ، بحسب الإحصاءات العالمية.. وانطلاقاً من هذا الواقع، تابعت وزارة الصحة منذ بداية أيلول مع منظمة الصحة العالمية تطوُّرات انتشار حالات التهاب ملتحمة العين المعروفة بالرمد في بعض دول إقليم شرق المتوسط. وأكَّد الدكتور رضا سعيد، وزير الصحة، أنَّ نمط انتشار الإصابات وخصائصها الوبائية يشيران إلى أنَّ المسبِّب هو فيروس شديد العدوى يصيب العين، مطمئناً المواطنين إلى أنه ليس من الأمراض الخطرة، إذ إنه لا يؤثِّر في القدرة البصرية، إلا أنه في الوقت ذاته يتوجَّب اتخاذ التدابير الوقائية للحدِّ من انتشاره.
كما أكَّد الدكتور سمير أنطاكي، مدير برنامج الرؤية 20/20 المنفَّذ في وزارة الصحة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، أنَّ هذا المرض يصيب الأطفال والكبار من الجنسين، لكن نسبته تزيد عند الشباب لزيادة تعرُّضهم للمحسسات، وتنقل العدوى به بواسطة الاحتكاك المباشر وانتقال الإفرازات الناتجة عن المرض من المصاب إلى الشخص السليم بواسطة المصافحة أو التقبيل والعناق، وبطريقة غير مباشرة من خلال لمس المسطحات والأشياء الملوَّثة، ومن ثم لمس العين أو الأنف أو الفم، وفي حال حدوث إصابة أيّ فرد من أفراد الأسرة بهذا المرض، لابدَّ من اتخاذ جميع الاحتياطات والتعليمات، بما يضمن منع انتقال العدوى إلى باقي أفراد الأسرة وانتشارها إلى الآخرين، وهو الأمر الذي ينطبق على تجمعات الأفراد في الأماكن المزدحمة، مثل المدارس ودور العجزة والأيتام. وكلما التزم المواطنون بالتدابير الوقائية وأخذوها بجدّية، قلَّ تفشِّي المرض، وكانت الحلول أنجع، وإلا سنكون جميعاً أمام أرقام إصابات تفوق المتوقَّع والمعقول.
وعد زينية
المصدر: بلدنا
إضافة تعليق جديد