المعايدة في عصر وسائل الاتصال الحديثة

أدى التزايد المطرد في اعتماد الناس على تقنيات الاتصالات الحديثة ضمن مفاصل حياتهم اليومية، إلى تسخير هذه التقنيات لإتمام العديد من المراسم الاجتماعية وعلى رأسها تبادل التهاني بقدوم الأعياد. فقد شهدت السنوات الأخيرة إحلالا واسع النطاق لتهاني العيد الإلكترونية محل التهاني التقليدية، وعلى الرغم من محافظة الشريحة الأوسع من المجتمع على تأدية المباركات بطريقة مباشرة عبر التزاور، إلا أن ذلك لم يمنع استخدام المباركة الإلكترونية سواء عبر رسائل الجوال أم الانترنت، في اليوم الأول للعيد ريثما يتم استدراك اللقاء الشخصي. وتعد شريحة الشباب الأكثر إقبالا على نقل تهانيهم عبر شبكة الإنترنت والجوال، مسلحين بكم هائل من المواقع الإلكترونية التي تهتم بتقديم مختلف أشكال وأنواع البطاقات الإلكترونية المحملة بالورود وأناشيد العيد، بما يتناسب مع جميع الفئات العمرية، وسط تسابق محموم تخوضه تلك المواقع في تقديم نغمات العيد القديمة والحديثة بمختلف اللهجات التي تتحدثها الدول العربية.
 وفيما يجمع معظم الشباب على أن المعايدة الإلكترونية تعد طريقة فعالة لتبادل التهاني مع الأقرباء والأصدقاء، وخاصة من لا تسمح الظروف بلقائهم المباشر، يرى الشاب علي سليمان أن وسائل الاتصال الحديثة، ومنها الإنترنت بما تتميز به من كلفة رخيصة في التواصل، أتاحت لمختلف شرائح المجتمع تقديم شعائر التهاني بالعيد حتى لأولئك الذين كانت الكلفة والمسافة البعيدة، أو «قلة المروة» والانشغال، تحول دون التواصل معهم.
تبدو الفكرة التي ساقها سليمان حول دور وسائل الاتصال في رأب فجوة كانت تتأتى عن بعد المسافات منطقية ومعاكسة للاعتقاد السائد حول دور وسائل الاتصال الحديثة في تقطيع الروابط الاجتماعية، إلا أنه يعتبر أن المعايدات الإلكترونية لا تصلح سوى للتواصل مع الدرجات المتأخرة في صلات القربي، مضيفاً: «على حين يمكن لهذا النوع من المعايدة أن يسد فراغا في العلاقة الاجتماعية مع الزملاء في مجال العمل أو العلاقات البعيدة، إلا أنه غير كاف بالنسبة للأقارب الذي يجب زيارتهم والسلام عليهم وتقديم التهاني بالعيد، حفاظا على دفء العلاقات الأسرية وصلة القربى.
ويرى نوفل عيد ذو الـ47 عاماً أن التهاني الإلكترونية لا تغني عن الزيارة الشخصة، فهو وتبعا لوضعه العائلي، يتحتم عليه زيارة عائلته وعائلة زوجته اللتين تتوقان لرؤيته وزوجته وأولادهما في هذا العيد الذي اعتادوا على التئام العائلة في عطلته.
ولا ينكر عيد استخدامه للرسائل القصيرة في توجيه المعايدة لبعض الأشخاص ممن لا تسمح الظروف بمعايدتهم شخصيا، مشيراً إلى أنه على علاقة طيبة بزملائه في العمل، إلا أنه لا يستطيع ملاقاتهم خلال أيام العيد نظرا لسفر كل منهم إلى محافظته.
ويعتقد عيد أن استخدام المعايدة الإلكترونية سواء عبر الانترنت أو المحمول قد اتسع كثيراً خلال السنوات الأخيرة، لكنه لا يخف امتعاضه من تلك الرسائل التي يظهر بأن مرسلها وجهها بصيغة موحدة إلى جميع من يعرفهم، معتبرا أن هذه الطريقة لا تفرق بين صديق حميم أو قريب أو غيرهما.. ما يؤشر إلى تبلد مشاعر المرسل، وإحساس بالخجل لدى المستقبل «إلا أنه في المحصلة أفضل من لا شيء» كما يختم عيد.
وما يراه عيد دليلا على تبلد المشاعر، يراه الشاب حاتم رسلان، المدمن إلا قليلا على الانترنت، نعمة.. إذ إنه يقضي جل وقته قبل دخول العيد في تصفح المواقع الإلكترونية بحثا عن أجمل بطاقة معايدة ومنها تلك المواقع التي تقيم تصويتا على أجملها لتسهيل اختيارها، قبل أن يستقر رأيه على إحداها فيرسلها إلى إخوته وأصدقائه ومعارفه.
ويقول رسلان: إن جهدا كبيراً يصرفه لاختيار البطاقة الأنسب والأجمل، لكنه لا يحتاج لأكثر من ضغطة زر حتى يرسلها إلى جميع من في لائحته البريدية.
ولا يساور رسلان أدنى شك في أن التهاني الإلكترونية ملأى بالإيجابيات، حيث «تساهم في توفير الوقت والسرعة في التواصل.. »، نافيا علاقتها بتحطيم الروابط الاجتماعية التي لم يمنع الانترنت أحدا من وصلها إن رغب في ذلك.
ولعل أكثر وجهات النظر إزاء المعايدات الإلكترونية لفتا للانتباه، هو ما قاله الشاب المحامي عمار حردان الذي أشار إلى أنه لو اكتفى من الإنترنت ببطاقة معايدة معبرة يرسلها إلى صديقه الأصم، فهي رائعة بكل المقاييس..

رسائل نصية ممزوجة بالحب والدين..
لا تكتفي مواقع الانترنت بتقديم طيف هائل من بطاقات المعايدة الإلكترونية بألوانها وأشكالها المختلفة، بدءا بتلك المعبرة عن الحب، مرورا ببطاقات المعايدة ذات الطابع الديني، وصولا إلى بطاقات معايدة مخصصة للأقرباء والأصدقاء وغيرهم.. بل تتعداها إلى تقديم رزم هائلة من اقتراحات رسائل الجوال التي يمكن إرسالها في هذه المناسبة السعيدة. والمقاطع النصية المقترحة للمعايدة تندرج تحت تصنيفات أوسع من تلك المعتمدة في البطاقات، فيما لا تخلو في بعض الأحيان من نفحات ومفارقات وجناس وطباق وسجع وغيرها من الفنون اللغوية.
وتتنوع الرسائل المقترحة بتنوع اللهجات العربية كافة، لينتقي منها كل ذي لهجة ما يناسبه منها.
ويقترح أحد المواقع رزمة من الرسائل الممزوجة بنفحات الهيام ندرج بعضا منها: «تهنئة مليانة بورد وفل أرسلها قبل العيد مايهل علشان أكون قبل الكل»، «تغرد طيور الحب مع إشراقة العيد …… لتقول لك «كل عام …… وأنت في قلبي سعيد»، «الناس عيدها يومان وانت طول العمر عيدي»، «حبيبى وينك؟ رد اللـه لا يهينك وإن شاء الله العيد يصلح اللي بيني وبينك»، «اتحرى العيد أكثر من طفل وأتعذر فيه لأجل أسأل عليك»، «انطلقت مني أحلى التهاني بالعيد فأرجو من قلبك أن يسمح لها بالهبوط»، «إن كنت مشغولاً بالعيد فأنا مشغول بكيف أعايدك».
موقع آخر يقترح رزمة من الرسائل بنفحة دينية، فتقول إحداها «هنأك اللـه بالقبول وأسكنك الجنة مع الرسول ورزقك بالعيد بهجه لا تزول»، بينما تقول ثانية «ليس العيد لمن لبس الجديد إنما العيد لمن نجا يوم الوعيد»، وثالثة «ليس العيد لمن فرش البساط إنما العيد لمن عبر الصراط»، وخامسة «هنأك اللـه بالقبول وأسكنك الجنّة مع الرسول ورزقك بالعيد بهجة لا تزول».
موقع ثالث يعنى بالرسائل ذات الطابع الاجتماعي اللطيف، فيقول في إحداها «ممكن تزورنا؟ محتاجينك ضروري عاملين كيك وماعندناش سكر ((عيدك مبارك))»، وثالثة تقول «أكيد سبقني كثير وقالوا (كل عام وإنت بخير) بس يارب تكون مني طعمها غير».
نوع آخر من الرسائل يعتمد الطرفة طريقا للمعايدة، فتقول احدى الرسائل «عزيزي المشترك.. نهنئكم بالعيد السعيد ونذكركم بموعد استحمامكم السنوي»، وثانية تفيد «نهنئكم بالعيد.. مع تحيات: جمعية مرضى الزهايمر»، وثالثة «بعد عمري بعد روحي بعد عيني بعد قلبي بعد بكرة العيد.. روح استحمى»، فيما تغمز رابعة من قضية ازدحام خطوط الاتصالات خلال العيد فتقول «قبل زحمة السير وقبل رسايل الغير والإرسال لسه بخير كل عام وانت بخير».

فتاوى أيضاً..
ومن وحي المناسبة، تتجه بعض المواقع الإلكترونية نحو البحث عن «حكم التهنئة بالعيد»، فترى أحدها يبحث عن «حكم المصافحة والمعانقة بعد صلاة العيد». وبحمد اللـه لم تفض المراجعات التاريخية والدينية للموقع إلى حكم قاطع بتحريم المعايدة، إذ إن صحابة رسول اللـه كان «يهنئ بعضهم بعضاً بالعيد بقولهم: تقبل اللـه منا ومنكم».
لكن ذلك لم يمنع الموقع من إيراد أمثلة تفيد بأنه المباركة ليست واجبا تبعا لافتقار الشريعة إلى أصل لها، فيما ذهب إلى أبعد من ذلك حين أورد بأن بعض المؤمنين لا يلقون تحية المعايدة، لكنهم يجيبون عنها نظرا لوجوب رد التحية.

المصدر: الوطن السورية