شباب سورية معلّقون بين عالمين حقيقي وافتراضي وبين «ثقافة» المقاهي
وسط إيقاع التغيير المتسارع الذي تشهده سورية منذ بضع سنوات، يجمع الشباب على «ضياعهم» و «تشتتهم» ويصفون حياتهم بأنها «قليلة الفرص». وأدى التغيير الذي ترافق مع انفتاح كبير على العالم إلى تعزيز قدرة البعض على مواجهة الواقع وساهم في تهميش آخرين فقرروا الانطواء وتعميق الفجوة بينهم وبين الحياة.
ولا شك أن الانفتاح ترك بصمته على الجيل الجديد، فمنهم من يحاول جاهداً تحقيق أهدافه عبر تطويـر أدواتـه وملـكـاته ومنهم من لا يكترث سـوى بالـتسلية وإضاعة الوقت.
أيام أحمد (23 سنة) كلها متشابهة. فهو يتسكع نهاراً في عدد من المقاهي ويلعب الورق قبل أن يستسلم في المساء إلى الانترنت. ويقول: «فشلت جميع محاولاتي في إيجاد عمل. مرّ عام على تخرجي من كلية هندسة الاتصالات وما زلت اتنقل من شركة إلى أخرى من دون فائدة». سارة (22 سنة) هي أيضاً تختصر حياتها بكلمة «انترنت» التي تقضي سارة معها نحو 14 ساعة يومياً. وتقول «أصبحت شاشة الكومبيوتر صديقي الدائم. فأنا ألجأ الى الانترنت هرباً من الفراغ الذي أعيشه في عطلة الصيف».
لكن الأمر مختلف لدى سامي (21 سنة) الذي «عاد الملل إلى حياته مع نهاية كأس العالم» كما يقول، «فارتمى في أحضان موقع فايس بوك». ويبحث سامي في الانترنت عن «حريته» فيقضي ساعات على مواقع تحمل في كثير من الأحيان أخباراً وأحداثاً جديدة ويقوم بطرح آراءه حول مجموعة من القضايا التي تخص الدين والعلاقات العاطفية والجنسية على الشبكة منتظراً بفارغ الصبر ردود أفعال الشباب عليها.
وإذ يشكل الشباب ثلث المجتمع السوري، بحسب إحصاءات «مركز الدراسات والبحوث الشبابية» التابع لـ «اتحاد شبيبة الثورة»، فإنه يمكن لهذه الفئة جميعها، إذا جازت المبالغة، امتلاك أدوات النجاح حسبما يقول مختصون لأن «الـخيارات متعددة ومفتوحة». وفي سورية أيضاً الكثير من فرص التسلية وتمضية الوقت، ولا يقتصر الأمر على العاصمة فقط، بل باتت «ثقافة المقاهي» منتـشرة في أكـثر المـحافظات. كـما يُـفتـرض وجود فرص عـمل متـساويـة خـصوصـاً بـعد أن تم افــتتـاح مـصــارف وشركـات وجـامـعـات ومدارس خاصة، بالإضـافة إلـى وجـود نحو 1600 جمعية أهلية لا تقتصر على العمل الخيري فحسب بل توسعت في السنوات القليلة الماضية لتشمل مجالات عديدة منها محاربة الفقر وتحسين المستوى المعيشي ورفع قدرات الشباب وتوسيع خياراتهم في الحياة العملية وما قبلها.
ويشير مراقبون إلى أن غالبية الشباب لا يعتمدون على أنفسهم، فهم في حاجة دائمة لمن «يفكر ويقرر ويحاول وينفذ» معهم وأنهم مازالوا في مرحلة «صدمة الحداثة» التي تشكل العائق أمام طموحاتهم ولم ينتقلوا بعد لاستخدام هذا التطور الإيجابي بطريقة سليمة. والسبب يعود إلى الانفتاح المفاجئ الحاصل دون أية مقومات أو أرض صلبة له. وهذا ما يبرر لجوء عدد لا بأس به إلى الدين حيث يجدون فيه السكينة والأمان. بالإضافة إلى الفرق الواضح بين خريج التعليم الخاص الذي يمتلك العديد من المهارات أهمها اللغة، وبين غيره من خريجي القطاع الحكومي، وهو فرق عززته متطلبات سوق العمل الجديد ما أدى إلى عدم تكافؤ فرص العمل. بينما ترى عينة من الشباب ان أزمة الهوية هي العائق الأكبر، ويشعرون انهم غريبون حتى عن أنفسهم فهم عاجزون عن تحديد أهدافهم فكيف لهم بتحقيقها.
تؤكد سارة أنها لم تبحث بعد عن أي فرصة عمل متسائلة: «كيف أبحث عن شيء لا أعرف ما هو». تضيف «عن أي طموح يتحدثون، لم نعد نملك سوى أحلامٍ صغيرة في بساطتها، أكبرها تأمين عيش كريم». بينما تؤكد مريم (24 سنة) ان على الشبان بذل جهود مضاعفة تمكنهم من تحقيق أهدافهم، «فالنجاح لن يأتينا على طبق من ذهب».
وتشير أرقام المكتب الرسمي للإحصاء أن نسبة البطالة ثمانية في المائة في حين تقدرها مصادر غير رسمية بنحو 20 في المئة تتركز غالبيتها في الشباب.
بين عالم حقيقي مليء بالهموم وآخر افتراضي يعيش فيه الشباب كل ما فشل في تحقيقه على أرض الواقع، ويقول كل ما عجز عن قوله، يزداد هرب الشباب السوري من الأول إلى الثاني. ويؤكد انه لا يزال في مرحلة «البحث عن الذات» وسط دوامة حياة بات من الصعب التوفيق بين متطلباتها وحاجاتهم. مؤكدين أن التغيير الحاصل لم يكن إلا في القشور، حيث يتطلب تعديلاً جذرياً في مناهج التعليم الذي يعد من أهم ركائز المجتمع. خصوصاً في ضوء وجود 13 جامعة خاصة وإحداث كليات جديدة في الجامعات الحكومية «فالتطوير لا يبدأ من منتصف الهرم». حيث يبدو أن «رحم المدارس السورية أصبح عقيماً عن إنجاب جيل قادر أن يكون فعالا في المجتمع» بالنسبة إلى بعض الشباب.
تشير مصادر وزارة التربية إلى أن مشروع تغيير المناهج في المدارس بدأ منذ خمس سنوات، على أن تدخل مناهج جديدة للصفوف الخامس والثامن والحادي عشر في العام القادم، لتكون - وحسب مخططات وزارة التربية السورية - في العام الدراسي 2013 – 2014 كل الكتب «جديدة» من رياض الأطفال وحتى الثانوية العامة والمهنية.
فرح عاقل
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد