مهن سورية بحاجة إلى محمية كي لا تنقرض

تقاوم بعض المهن عوامل اندثارها بصعوبة ويضطر أصحابها أحيانا إلى وضع أدوات الكار الأصلية جانبا ليجاروا عصر السرعة مكتفين ببيع المنتج المصنع في المعامل أو حتى المستورد من خارج البلد والمهم في النهاية إرضاء زبائن بات يعنيهم غالبا الشكل العصري للسلعة وسهولة التعامل معها إضافة إلى رخص ثمنها قياسا بالمنتج التراثي والمشغول يدويا في الغالب.

من محله قرب سوق مدحت باشا بدمشق بين المنجد رضا قصار أن أيام العز في مهنته ولت بعد انتشار الاسفنج والديكرون والسليب كومفورت بحيث لم تعد الفرشات الثقيلة المحشوة بالقطن اوالصوف تجذب الزبون الباحث عما خف حمله وقل ثمنه مشيرا إلى أن منجد أيام زمان كان يضمن أجرا محترما اذ كان مسؤولا بنفسه عن مراحل تصنيع المخدة أو اللحاف أو الفراش أما اليوم فأبناء الكار مضطرون للانخراط في منافسة تضم آخرين لاينتمون للمهنة بصلة يقومون باستيراد المواد المصنعة مثل الديكرون والاسفنج ويعيدون تشكيلها بآلات حديثة لانتاج الفرش بأشكال وألوان اكثر نوعا من السابق ما يقلل من ربح المنجد من بيع القطعة الواحدة لكونه لم يقم بكامل العمل بنفسه.

وأوضح.. أن ربحه اليوم من بيع القطعة من المنتجات الحديثة لايتجاوز أحيانا الخمسين ليرة بينما كان لحاف الصوف يسعر ب 700 ليرة سورية والفرشة ب 3000 ليرة تذهب كلها للمنجد مشيرا في الوقت نفسه إلى أن قلة من الناس مازالت تفضل الجودة بشكلها التقليدي وهم اناس لديهم ثقافة صحية جيدة ومعرفة بأفضلية القطن والصوف ومنهم ايضا العديد من السياح العرب و الاجانب.

وأضاف ابنه عيد قصار أن سعر لحاف القطن بات يتراوح بين500 و1700 ليرة حسب نوع القطن ومدى الوقت اللازم لتصنيعه بينما لحاف الديكرون يسعر ب 400 ليرة واذا كان يحمل احدى الماركات المشهورة قد يصل سعره الى 1700ليرة وبالنسبة لسوق الصوف في دمشق اوضح انه لم يعد يعبر عن اسمه الا بوجود محل او اثنين يبيعان الصوف الخام ومعه اللحف والحرامات والوسائد الحديثة.

وقال الابن: إن عصر السرعة والعملية اضافة الى الدخل المحدود ساهما بانحسار الطلب على المنتج التراثي وبعد ان كان هذا المنتج اساسيا في جهاز اي عروس سورية باتت السيدة تفضل الفرشة الاسفنجية الخفيفة واللحاف الخفيف زاهي الالوان الذي يمكن غسله بالغسالة ولا يستغرق وقتا طويلا ليجف موضحا انه الوحيد بين اخوته المستمر بمساعدة والده في المحل لان المهنة لم تعد مزدهرة وبالتالي لا تحتاج عددا كبيرا من الايدي العاملة.

من جهته قال أمين سر الجمعية الحرفية للتنجيد العربي بسام الحمصي إن في دمشق ما يزيد على 250 منجداً يعاني معظمهم من ركود في مهنتهم غير القابلة للتقليد مضيفا ان تراجع مردود الحرفة عائد الى تراجع الذوق العام بالنسبة للمشغولات اليدوية وتفضيل السعر الرخيص على جودة واصالة البضاعة.

ولفت إلى أن القضية تمس جزءا مهما من تراث سورية وتحتاج الى توعية بشأن الحفاظ على مكانة هذا المنتج الصحي الذي لا تبليه عوامل الزمن بفضل متانته ودقة عمله وجماله مشيرا الى ان الجمعية تهيئ لإنشاء مدرسة لتعليم الحرفة حفاظا عليها من الاندثار.

وفي شارع صغير يتفرع عن سوق الهال بدمشق تعلو أصوات الطرق على النحاس لتذكر بمهنة يعتقد البعض انها لم تعد موجودة اذ يقول النحاس مصطفى ياغي إن محله بات يقتصر على توريد اواني النحاس الكبيرة الى معامل الحلويات وبعض المطاعم اضافة الى قطع نحاسية للديكور تطلبها مطاعم دمشق القديمة وتجار الشرقيات موضحا ان سوق النحاسين كانت زاخرة بالحركة والانتاج قبل نحو عشرين سنة اذ كانت الاواني في معظم البيوت من النحاس غالبا وكل عروس كانت تجهز مطبخها بعدة كبيرة من القطع النحاسية الصفراء والحمراء.

ولفت إلى أن مطابخ اليوم اصبحت ملأى بأواني الستانلس والالمنيوم والتيفال ولم يعد للنحاس مكان الا كزينة في احسن الاحوال علما انه يصلح لجميع اغراض الطهي مضيفا ان الساخانات النحاسية بدورها لم تعد مطلوبة والناس تتجه تدريجيا الى تجهيزات الطاقة الشمسية لكونها توفر المال على المدى الطويل بعيدا عن تكاليف المازوت اوالتسخين بالكهرباء.

ومن ناحية الاسعار اوضح ان كيلو النحاس بات مرتبط بالبورصة العالمية وسعر الكيلو الخام اليوم هو 250 ليرة تقريبا اما المصنع فيصل الى 400 ليرة واغلى قطعة يمكن ان يعرضها للبيع هي قدر كبيرة مع ملحقاتها حيث قد يصل ثمنها الى 7 آلاف ليرة لكنه لا يشتغلها الا حسب الطلب مضيفا انها مهنة متعبة بالنسبة لمردودها المادي وهو لا يفكر بتوريثها لأي من اولاده كما لا يفكر هو شخصيا بمزاولة غيرها او التحول الى تصنيع الاواني الحديثة.

ومن المهن التقليدية ما غاب عن الانظار نهائيا مهنة ساقي الماء السقا الذي كان يجول بقربة الماء العذب المركب عليها حنفيات من الخلف حيث حل بائع براميل الماء المتنقل بشاحنة صغيرة او كبيرة محله.

وقال أبو هاني أحد موزعي مياه الشرب في بلدة صحنايا بريف دمشق انه امتهن هذا العمل منذ 7 سنوات بسبب تضاعف الحاجة لمياه الشرب في المنطقة اذ ازداد عدد قاطنيها بما فاق قدرة شبكة المياه على الاستيعاب مبينا ان عمله بدأ بالتراجع اثر تدشين التمديدات الحديثة لاستجرار المياه الى البلدة ومحيطها وانتشار أجهزة تصفية المياه في كثير من بيوت المنطقة لجعلها صالحة اكثر فأكثر للشرب.

وأضاف انه رغم ذلك مازالت النوعية الجيدة للمياه التي يحضرها من عين الجوز في جبل الشيخ تستقطب اصحاب البقاليات والمطاعم بسعر 15 ليرة للبرميل الذي سعته20 ليترا وهو سعر حددته المحافظة مشيرا الى ان عملية احضار الماء تكلفه 800 ليرة في اليوم ثمنا الوقود لشاحنته.

رزان عمران-سانا