10.000عملية قلب مفتوح سنوياًفي سوريا والنساء محميات ومتهمات
أدرك الإنسان أنَّ له قلباً كائناً في جسمه زمناً طويلاً، قبل أن يعرف أنَّ له دماغاً، لأنَّ القلب هو الذي ينبض بين الأضلاع عند الشدائد والأزمات ونبّهه إلى وجوده. فربط الأخير كلَّ شيء بهذا الوجود. ومن هنا جاءت تسميات القلب القوي والقاسي والحجري والحنون وقلب الأسد.. ومنذ منتصف القرن الماضي فُجع العشاق والمحبون بأنَّ القلب ليس إلا مضخة تضخّ الدم بأعجوبة دون كلل أو ملل أو تعب، بعكس عضلات جسده التي تتعب وقد تصبح عاجزة عن التقلص في يوم من الأيام بسبب فرط العمل؛ تماماً كما سقط وهم القمر من أذهان العشاق الذين لطالما حاوروه قبل أن يدركوا مع نزول الإنسان على سطحه أنه مجرد تراب وصخور...
لعلَّ القلب سمّي قلباً لأنه يتقلّب من حال إلى حال؛ فقد يشعر الآن بالخشوع، وبعد قليل يشعر بالقسوة.. وهناك اعتقادات بأنَّ القلب يكنّى عن العقل تارة؛ فقلب الشيء هو حقيقته وموضع سره.
¶ أعجوبة.. 5 ليترات دم في الدقيقة
لا يختلف العلم على حقيقة القلب التشريحية؛ فهو عبارة عن عضلة صغيرة بحجم قبضة اليد تعمل كمضخة؛ حيث تضخ الدم إلى الشرايين، ومنها إلى أنحاء الجسم الأخرى، كما أنها تستقبل الدم العائد من الأوردة، وشكله كحبة الإجاص المقلوبة، يتمركز في الصدر مائلا قليلاً نحو اليسار، مقسّماً إلى أربع حجرات؛ اثنتان علويتان وتدعيان الأذينتان، واثنتان سفليتان وتدعيان البطينان. وينبض 60-80 نبضة في الدقيقة. والنبضات عبارة عن تقلص واسترخاء عضلة القلب، ليتمّ ضخّ نحو 3-5 لترات من الدم في الدقيقة الواحدة، تتغذّى من الأوعية الدموية المحاطة بها. وأيّ انسداد بها يؤدي إلى الموت.
¶ أمراض القلب.. في ازدياد
يوجد في سورية 6 مراكز لجراحة القلب، موزعة بين ما يتبع إلى جامعة دمشق كمستشفى الأسد ومستشفى المواساة وما يتبع إلى وزارة الصحة كالباسل في دمشق وحلب، ومركز في طرطوس لا يُجري سوى عمليتين في اليوم وهو مخصص للجراحة فقط.
الدكتور بسام البابا (نائب رئيس الرابطة السورية لأمراض وجراحة القلب) يؤكد زيادة انتشار أمراض القلب الناجمة عن تصلّب الشرايين الإكليلية المغذية لعضلة القلب في سورية. والسبب الرئيس يعود إلى عدة عوامل؛ كانتشار عادة التدخين بشكل لافت، لا سيما في المحافظات الشمالية الشرقية، ومن سنّ صغيرة نسبياً، إضافة إلى الإقبال على المأكولات الدسمة والوجبات السريعة، إضافة إلى قلة النشاط الفيزيائي عند الجيل الحالي. فقد انتشر شكل آخر من أشكال الحياة يعتمد على الجلوس أمام التلفاز لساعات طويلة، مترافقة مع تناول الدسم، إضافة إلى الاعتماد على السيارات، وشرب النرجيلة التي يعتبر خطرها معادلاً لتعاطي 30 إلى 40 سيجارة، والتي انتشرت بين الشباب والشابات، لاسيما إذا علمنا أنَّ شرايين النساء أصغر وأكثر ميلاً إلى التشنج، وأنَّ أضرار التدخين عند النساء ضعف ما هي عليه عند الرجال. أيّد ذلك الدكتور مروان شامية (رئيس مركز جراحة القلب)، حيث بيَّن أنَّ أكثر مسبب للوفاة هو أمراض القلب، وأكثر أسباب الإصابة به نقص التروية والاحتشاءات، خاصة بعد عمر 40 سنة للذكور و50 سنة للإناث، مع ارتفاع شحوم الدم والبدانة والسكري وقلة الحركة والتوتر النفسي.
يقابل كلّ ذلك وجهٌ إيجابي في تناقص أمراض القلب الروماتيزمية (بسبب الوعي الصحي في علاج التهاب اللوزتين اللتين تسببان هذه الأمراض)، ومنها الحمى الرثوية التي تصيب الأطفال في الأوساط الفقيرة والمهملة والتي استؤصلت في أوروبا بشكل كامل، وانحسرت في بلادنا بسبب تحسن الوضع الصحي..
تطوّرٌ تقف الأموال في وجهه
أشار الدكتور البابا إلى أنَّ التطور يتسارع في مجال القثطرة القلبية في العقدين الأخيرين، وأصبحت سورية في مصاف الدول المتقدمة، لاسيما في مجال توسيع الشرايين والحالات المعقدة وتوسيع الصمامات. وأيّد الدكتور طلال فارس استخدام الشبكات في مخبر القثطرة، حيث أصبحت تحتلّ المرتبة الأولى في العلاجات؛ ما قلّص عدد عمليات القلب المفتوح، إذ تجري في سورية من 200 إلى 250 عملية قثطرة يومياً. وبحسب الدكتور طلال فارس (اختصاصي في جراحة القلب وأستاذ في جامعة دمشق) فإنه لايمرّ يوم إلا ويجري لعراقي أو عراقية عملية قثطرة أو قلب مفتوح».
والحالات غير متاحة الجراحة نادرة حالياً، وتقتصر، بحسب الدكتور البابا، على زراعة الصمامات «الدسامات» عن طريق القثطرة؛ فهي أمر حديث نسبياً في العالم، وذلك للغلاء الفاحش لهذه التقنية، على الرغم من أنَّ استخدامها ليس بهذا التعقيد، وإنما المشكلة فقط مادية.
الأرقام تتحدّث
يتطلب تقدير عدد مرضى القلب في سورية تعاون المستشفيات كافة. لكن، بحسب تقدير الطبيبين فارس والبابا، فإنَّ مجموع عمليات القلب المفتوح التي تجري في المستشفيات الخاصة ومستشفى تشرين، لا يقلّ عن 5000 عملية مع 1500 عملية في مستشفى الباسل، و1000 عملية في مركز جراحة القلب، و600 عملية في مستشفى الأسد الجامعي، و1000 في مركز جراحة القلب في حلب، و400 في حمص. أي بما لا يتجاوز في مجموعه عشرة آلاف عملية قلب مفتوح سنوياً، تُجرى في سورية، التي تبقى من أفضل دول العالم الثالث في هذا المجال، لا سيما أنَّ الخدمات مجانية في مركز جراحة القلب.. و10 % مجانية في مستشفى الباسل، بينما لايتجاوز القسم المدفوع من تكاليف العلاج والعمليات في مستشفى الأسد الجامعي 50 ألفاً، و70 ألفاًَ في مستشفى الباسل. وهو ما يعتبر، بحسب الدكتور فارس، خمس المبلغ الذي يدفعه المريض في المستشفيات الخاصة.. مع علمنا بأنَّ كل مليون إنسان في العالم منهم 1000 يحتاجون إلى عملية قلب مفتوح، وأنَّ كلّ 1000 ولادة حية تعطينا ثمانية أولاد مشوهين قلبياً.
¶قلوب بريئة من المرض
أشار الدكتور شامية إلى أنَّ جراحة قلوب الأطفال في أعمار وأوزان صغيرة تطوَّر في علاج أكثر أمراض القلب شيوعاً، كالفتحة بين البطينين أو الأذينين أو القناة الشريانية. ومركز جراحة القلب هو الوحيد الذي يُجري مثل هذه العمليات، حيث يبلغ عدد المراجعين وسطياً 4 آلاف طفل ونحو 5 آلاف بالغ. ومن بين 1500 إلى 1600 عملية جراحية، يُجرى للأطفال أكثر من
40 % منها، بسبب التشوهات الخلقية الناتجة عن زواج الأقارب أو الوراثة، أو تناول الأدوية أثناء حمل الأم أو إصابتها بالالتهابات والإنتانات أثناء الحمل. وما لايقلّ عن 15 % من الأشخاص الذين لديهم ارتفاع توتر شرياني يصابون بتصلب الشرايين في حال عدم المعالجة. وتظهر النسبة العالمية المصابة به من 20 إلى 40 ألفاً من كلّ مليون شخص، أي ما يعادل مليوناً ونصف المليون سوري. والتدخين هو السبب الأساسي لإصابة من هم دون 40 عاماً؛ لأنه يسبب ارتفاع الضغط، وتسريع القلب. وعملية تصلب الشرايين ونقص التروية عملية مزمنة لا تظهر في وقتها.
¶تحسين المزاج ..علاجاً
أجزاء العلاج مقسّمة بين تحسين نمط الحياة والأدوية ثم اللجوء إلى طرق القثطرة والتوسيع أو عملية القلب المفتوح. وتختلف نسبة نجاح العمليات حسب المرض والمريض.. إلا أنَّ
9 % من الذين تُجرى لهم العمليات يتوفون في مركز جراحة القلب، لاسيما الأطفال المزرقين منهم. وبحسب الدكتور فارس، فإنَّ الإنسان إذا نجا من التشوّه الخلقي والحمى الرثوية، فقد تبدأ مسيرة التنكس في شرايينه بعد عمر 25 سنة. وتزيد العوامل الوراثية من استعدادات المريض للتصلب، بالإضافة إلى عوامل خطورة أخرى كالسمنة والتدخين والضغط والشحوم والشدات النفسية والسكري. وقد يساعد اكتشاف الخارطة الجينية على إيجاد المورثة المؤهلة. كما أنَّ الورم الأذيني المخاطي هو أكثر الأورام شيوعاً بين الأنواع الأخرى في سورية. ولكن رغم ذلك فإنَّ نسبة المصابين به قليلة. وعلى الرغم من كون القلب من الأعضاء النبيلة التي لا تتجدّد ولا يحلّ محلها شيء، إلا أنَّ دراسات أثبتت مؤخراً أنَّ خلايا القلب تتجدّد ببطء. ويبقى من المؤكد أنَّ توقف القلب المفاجئ هو قلبي المنشأ، وأنَّ توقفه لأكثر من 4 دقائق يجعل الدماغ يتوقف عن العمل. وهذه الدقائق يعتبرها الدكتور فارس دقائق ذهبية وثمينة لتمسيد القلب وإعادة تروية الدماغ.
التجربة خير برهان
من الطرافة أن يتكلّم بعض العاملين في مجال الطب عن كون المرأة هي السبب المباشر لحدوث الجلطة القلبية والاحتشاءات للرجل، لاسيما أنَّ الذكور يصابون بتصلب الشرايين في وقت أبكر من النساء؛ لأنَّ المرأة محمية من إصابة تصلب الشرايين في سن النشاط التناسلي، بالمقارنة مع سن اليأس الذي تكون فيه المرأة أكثر عرضة للإصابة. لكن ما أكده الدكتور فارس أنَّ الممارسة الجنسية خير رياضة لعضلة القلب بعد إجراء العمليات. وكثيراً ما يراجعه مرضى يعانون من الكآبة والعنانة النفسية بسبب هبوط المعنويات والتثبيط الاجتماعي.
كما أكدت الدراسات أنَّ الكافئين، بكميات قليلة، منشط للقلب، كذلك مركبات لاكزانتين، على عكس مشروبات الطاقة التي تحتوي كميات كبيرة من المركبات التي ترفع الضغط، وبالتالي تضرّ بالأوعية والقلب.ومن النافع للقلب، لأنه يحتاج إلى طاقة كبيرة ليعمل، تناولُ الدسم النباتية غير المشبعة، بالإضافة إلى الخضار كالسبانخ والبقدونس لتأثيرها الخافض للكوليسترول، والفواكه بما فيها من شوارد وفيتامينات، والابتعاد عن الدهون المعقدة، وممارسة المشي المنظم لفوائده الكثيرة، والهرولة والسباحة وركوب الدراجات.
ويبقى الشعور الذي يعطيه سماعُ نبضات قلبنا لايضاهيه في الصوت شيء جمالاً؛ فهو يعطي للمريض إحساساً بالثقة والأمان. ويؤكد معظم أطباء القلب أنَّ معظم مرضاهم يطلبون سماع نبضات قلبهم بشكل مضخم، للتأكد من أنَّ هذه العضلة العجيبة مازالت تعمل بانتظام؛ ما يعطي دافعاً قوياً لاستمرار الحياة.
وعد زينية
المصدر: بلدنا
التعليقات
شي حلو
إضافة تعليق جديد