بسطات في ظل اقتصاد السوق الاجتماعي
باحثون عن رزقهم في ظل اقتصاد السوق الاجتماعي وأوجدوا لأنفسهم فرص عمل بعيداً عن الحكومة وقريب من القطاع الخاص، جوالون في اقتصاد السوق الاجتماعي يعملون في ظل القانون تارة على عربات أو سيارات صغيرة أو بسطات. وهذا القطاع من الأعمال ازداد حجمه كثيراً في الآونة الأخيرة إذ لجأ للعمل به الكثيرون نتيجة اليأس تارةً من إيجاد فرصة عمل في القطاع العام أو الخاص لتأمين دخل ثابت إذ يعكس هذا العمل ظروفاً اجتماعية غير طبيعية ويعكس واقع شريحة ليست بالقليلة من أفراد المجتمع لا تعرف الحكومة قيمتها الفعلية لأنها لا تحصى بشكل رسمي ولا تخضع للنظام الضريبي والإداري والتنظيمي ولا يعرف أفراده شيئاً عما يسمى اقتصاد الظل أو القطاع غير المنظم وموضوعنا اليوم هو البسطات والعربات التي تتنوع بضائعها وتجد زبائن للشراء.
- ثمة ألوان وأشكال لباعة اقتصاد السوق الاجتماعي وباعة الأدوات المنزلية والكهربائية والكتب والسيديات والخضراوات والملابس الجديدة والرخيصة.
أحد الباعة على الرصيف قال إنه يقف يومياً ما لا يقل عن 12 ساعة لبيعها وكسب قوته اليومي لأن ليس لديه عمل آخر وليس له القدرة على فتح دكان من أجل ذلك وعن سعر ونوعية البضاعة يقول إن سعرها رخيص الثمن وجودتها ليست عالية وهي مناسبة للسعر لكن والحمد لله هناك زبائن يشترونها ربما لأن ثمنها رخيص أو ليس لديهم القدرة على شراء ملابس غالية الثمن ويضيف: إن رأسمال بسطته لا يتجاوز بضعة آلاف ليرة سورية يشتري البضاعة ويبيعها من أجل شراء بضاعة أخرى قائلاً: أنا مضطر للعمل بهذه الطريقة أفضل من البقاء من دون عمل كما يقول المثل (الرمد أفضل من العمى) كما يؤكد رجل آخر يقف إلى جانبه يبيع الملابس أننا نعاني بشكل كبير من رجال الشرطة والبلدية الذين يلحقون بنا ويصادرون البضاعة.
- كما تنتشر بسطات الملابس المستعملة (البالة) التي أصبحت تستقطب الكثيرين من ذوي الدخل المنخفض والمحدود وكذلك ميسورو الحال لأن الزبون كما يؤكد أصحابها يبحث عن الرخص الذي يناسب دخله كما يؤكدون ازدياد الطلب على بضائعهم وربما يعود ذلك لارتفاع أسعار الملابس الجديدة وعن رأس مال هذه البسطات يقولون: إن رأسمالها ضعيف وهم يشترونها من التجار على شكل طرود مغلقة دون رؤيتها ومعرفة نوعيتها وما يوجد بداخلها بالوزن وليس بالقطعة ويتم بيعها حسب التيسير وبالسعر الذي يحددونه بأنفسهم.
ويقول أحمد الذي يقف خلف عربة لبيع اليانصيب إنه مضطر للعمل على هذه العربة لأنه ليس لدي أي مصدر آخر لكسب «لقمة عيشي» وأن ما أجنيه من عمل أكثر من عشر ساعات لا يتجاوز 400 ليرة يومياً ويضيف: هذا الخيار الوحيد أمامي ولكن بمجرد حصولي على فرصة عمل تؤمن لي دخلاً ثابتاً سأترك هذا العمل الذي يحتم علي الوقوف في الشارع في أحوال الطقس المختلفة وفي أيام المطر لا أستطيع العمل والأرباح من اليانصيب لا تتجاوز 10% من ثمن الورقة وبالنسبة لنا لا تتم ملاحقتنا لأنه مرخص لنا إلا في حالات وضع الدخان والعلكة على هذه العربات.
- ويقول أحد باعة الخضار والفواكه إنه يعمل في هذه المصلحة من منذ أكثر من 15 عاماً لأنها الوسيلة الوحيدة لكسب رزقه وليس لديه عمل آخر أفضل وصحيح أنني مخالف في وقوفي هنا لكن لا حول لي ولا قوة ويضيف: نعاني من موظفين يستغلوننا ويقاسموننا على مربحنا الذي لا يبلغ في أحسن أحواله 500 ليرة. وتنتشر على الأرصفة بسطات الكتب سواء الجديدة أو المستعملة ويقول صاحب أحد بسطات الكتب الجديدة الذي يفرشها على سياج أحد المباني: أنا أبيع الكتب منذ أكثر من عشر سنوات وصحيح أني مخالف ولكن لا أشغل الأرصفة ولا أضايق أحداً. وحول المردود المادي من بيع الكتب يقول: إن المردود جيد وأسعار الكتب لدي أقل من الكتبات بخمسين ليرة وأكثر أحياناً فأنا لا أدفع تكاليف محل أو ضرائب وغيرها وعن نوعية الكتب المباعة يقول: أنا لا أبيع كتباً مخلة بالآداب أبداً.
- وبيع الكتب المستعملة تتمركز في منطقة الحلبوني حيث تشكل هذه البسطات ملجأ للكثير من الناس الذين يودون الحصول على الكتب بأسعار رخيصة الثمن وأحياناً لديهم كتب نادرة وغير موجودة في المكتبات كما يقوم أصحابها بتأمين الكتب التي تطلب منهم كما يؤكد أحد زبائنهم ويقوم باعتها منذ الصباح بترتيب هذه الكتب بانتظار الزبائن وهي رخيصة الثمن وجودتها جيدة نوعاً ما ويؤكد أحدهم أنه يبيع الكتب المستعملة منذ زمن وأصبح لديه زبائن وهم بازدياد وخاصة أنهم يعملون في منطقة وسط المدينة ويمر فيها الكثير من الناس.
ويقول شاب يفترش قطعة كبيرة من القماش على الرصيف وعليها مجموعة من السيديات: أنا أفرشها كذلك من أجل سهولة جمعها وحملها والهرب في حال قدوم دوريات البلدية والشرطة وعند سؤالنا عما يمكن تحويه هذه السيديات ونوعيتها أجاب: أنا لا يهمني ما تحويه من أفلام ونوعية هذه الأفلام المهم أن أبيع أكبر كمية ممكنة لأحقق دخلا لا بأس به والأسعار لدي رخيصة أكثر من المحال فأنا أبيع الـCD بـ15 ليرة وأحياناً عدد 2 بـ25 وأحياناً بعشر ليرات. وتؤكد مجموعة من النسوة اللواتي يبعن الخضار والألبان والأجبان والزيتون على الأرصفة أنه لولا الحاجة لما نزلن إلى الشارع للعمل بهذه الطريقة عدا التعرض للإهانات وسماع الكلمات المزعجة والتنقل من مكان لآخر للهروب من رجال الشرطة خوفاً من مصادرة ما لديهم والذي يشترونه يسهرون ليلاً لتجهيزه من أجل تأمين مصاريف أسرهم.
ولا بد من الإشارة إلى البسطات التي تحوي العطورات والخردة وبسطات بيع الشاي والقهوة والعصير وبعض المأكولات كما لا حظنا انتشار ظاهرة بيع الأدوات المنزلية بالسيارات التي تقف على جانب الطريق إضافة إلى البسطات التي تبيع القطعة بعشر ليرات المتدنية الجودة ولكنها تلقى رواجاً كبيراً ولها زبائنها.
- وتشير الأرقام الرسمية إلى أن اقتصاد الظل بشكل عام يشكل نسبة كبيرة من الاقتصاد السوري أكثر من 40% من الناتج المحلي الإجمالي وتشكل البسطات نسبة منه وهي في تزايد مستمر ولكن نسبتها غير معروفة حتى الآن وهذا ما أكده الدكتور أسامة ماء البارد الذي اعتبر أن هذه البسطات هي قطاع خاص غير منظم بعض أفراده يعمل مقابل أجر معين لدى أشخاص آخرين أو يعملون لمصلحتهم وكاقتصاد ظل فليس هناك نسبة دقيقة عنهم وبالعموم فهم يشكلون نسبة كبيرة في الاقتصاد.
وأشار ماء البارد إلى أن هناك مشروع التمكين القانوني للفقراء وتنظيم القطاع غير المنظم في سورية وتم وضع خطة لتنظيم خمس محافظات هي دمشق وريفها وحلب واللاذقية وحمص والحسكة وهذا المشروع بالتعاون بين الحكومة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي يهدف إلى التمكين القانوني للأشخاص لإدخالهم بعملية التنمية الاقتصادية المستدامة في سورية وصولاً إلى إحقاق حقهم كمساعدين في اقتصاد البلد. والمشروع الآن في مرحلة وضع استمارة المعلومات المطلوبة لإجراء مسح إحصائي وبعدها سيتم تحليل البيانات تزداد الإحصائية من قبل خبراء ليكون الرسم البياني لمعلومات المسح أقرب إلى الدقة.
وأخيراً لا بد من القول إن الذين يعملون على البسطات تزاد أعدادهم يوماً بعد يوم وخاصة من فئة الشباب لدفع شبح البطالة والفقر وهذا يستلزم حلولاً من الجهات المعنية وألا يكون الحال أفضل لهم وللدولة إذا تم تخصيص مكان لهم كما هو في مدينة طرطوس التي عالجت هذه الظاهرة وجمعتهم في سوق واحدة ويقوم هؤلاء بدفع ضرائب بسيطة تستفيد منها الدولة بدلاً من أن تذهب رشاوى إلى جيوب بعض الموظفين.
وسام محمود
المصدر: الوطن السورية
إضافة تعليق جديد