مونادا محمود السيد ودمشق
رحل الشاعر السوري المبدع محمود السيد منذ عشرين يوماً عن دنيانا، تاركاً لنا إبداعاته الشعرية الخاصة، وسيرة هادئة خاصة أيضاً، وفي خصوصية محمود السيد تكمن أسراره، ذلك الشاعر الذي نشر أواخر الستينات قصيدته الشهيرة “مونادا دمشق” في كتاب أخّاذ شعراً وتشكيلاً وتصميماً، وكنتُ قد احتفظتُ لنفسي أيام الجامعة في الثمانينات بنسخة مصورة
بواسطة الفوتوكوبي نظراً لعدم توفر النسخ الأصلية منها، كانت مونادا دمشق صرخة في عالم القصيدة العربية، ولم يبق شاعر أو كاتب إلا وتحدث وقتها عن المونادا، سواء كتابة أم شفاهاً، وفي بداية التسعينات أسسنا مجلة ألف للكتابة الجديدة، واخترنا محمود السيد ليكون رئيس تحريرنا بالإجماع، وخابرناه، وإلى بيته توجهنا، لم يكن ليخرج من البيت، وانطلقنا برفقته معيدين اكتشافه من جديد، وفي تلك الفترة كتب قصيدته “سهر الورد” وهي تتحدّث عن محنة ومأساة السهروردي، ونشرها على دفعات في ألف، ثم عاد ونشرها فيما بعد في كتاب، كانت صوفية محمود السيد صوفية خاصة، صوفية صِدامية جريئة، لم يكن منكفئاً في نصه على الرغم من العزلة التي أحاط نفسه بها، ولستُ الآن بصدد تعداد أعمال محمود السيد الشعرية، ولا إنجازاته الثقافية، فقد كان من المفروض أن نقرأ ذلك في صفحاتنا الثقافية بعد يومين من وفاته على أكثر تقدير، أو بعد أسبوع إذا كان المنبر أسبوعياً، فمن المتعارف عليه أن الصفحة الثقافية والملاحق الثقافية في أيّ جريدة معنيةٌ بتغطية هذا النوع من الأحداث المهمة، وعادة ما يتمُّ تخصيص صفحة عن الراحل يكتبها العديد من الكتَّاب والأشخاص الذين يختارهم محرر من القسم الثقافي، لكن أي قسم، وأي ثقافي، وأي ملحق، وأي ملف؟!.. لا حياة لمن تنادي، حتى الجرائد اللبنانية لم تفعل شيئاً على الرغم من حرفيتها المعهودة، عثرتُ على مقالات فردية نُشرت هنا وهناك، لكن لا ملفات على الرغم من أن موضة الملفات دارجة بها الأيام، لا شهادات، لا اهتمام.. والراحل قامة عالية جداً من قامات الشعر العربي الحديث، لا أريد أن أستعيد ما كتبه عنه كبار الشعراء والنقاد، فذلك ما سوف تعرفونه لوحدكم بالتأكيد، فلماذا لم يتوقف أحد من المعنيين عند هذا الحدث الجلل، لماذا لم يكلف عضو من أعضاء اتحاد الكتاب العرب خاطره باتصال هاتفي يعزّي فيه عائلة الفقيد، لماذا لم تكلف جريدة نفسها عناء التواصل مع تجربته وأخذ بعض الأقوال؟!!!!!!!!!!
أقول قولي هذا والملاحق الثقافية عندنا تنكش من تحت أظافرها الملفات ليكتب (الكتَّاب)، فهنا ملف عن الحقيبة، وهناك ملف عن الغرفة، وهنيهنالك ملف عن الحديقة، فاكتبوا ما تجود قرائحكم أيها (الكتَّاب) مواضيع تعبيركم تحت هذه العناوين التي اختارها لكم موظفو الثقافة، جودوا بالإنشاء، لكن عند الحدث.... لا حديث، صمتٌ مبين.
رحل الشاعر محمود السيد بهدوء كما عاش، ولعلَّ أهل العلم في الصحافة الثقافية كانوا يعرفون عن الراحل هذه السمة، فآثروا أن يسِموا موته بها، كما حياته، وإنهم بهذا فعلوا عين الصواب، لأن شاعراً وإنساناً راقياً مثله لا يستحق أن تستنفر على جسده النحيل تلك الأبواق.
لقمان ديركي
إضافة تعليق جديد