كفى حبا عنيفا لإسرائيل
أحد أساتذتي المفضلين قال لي يوما : كلما علمت المزيد عن التاريخ كلما أدركت بأن ما تعرفه قليل و أن عليك تعلم المزيد.
الليلة الماضية حزنت و غضبت في آن واحد لما علمت المزيد عن التدمير و الحصار لقطاع غزة. لقد عرض "محمد عمر" ،الصحفي الفلسطيني الحائز على جائزة، صورا و أخبرنا الكثير من القصص المؤثرة عن حياته و آلامه في غزة و من بينها تدمير منزله و موت شقيقه و جيرانه.
أغلب التجارب المحزنة التي شاركنا بها محمد حدثت قبل انتخاب حكومة حماس و حصار غزة و عملية الرصاص المصبوب العدوانية التي شنتها إسرائيل السنة الماضية .و تحدث محمد عن تغير كبير في السياسة العسكرية الإسرائيلية بعد إغلاق المستوطنات الإسرائيلية في غزة عام 2005. فبعد "فك الارتباط" زادت الضربات الجوية الإسرائيلية مسببة دمار البيوت. و قبل عام 2005 كانت إسرائيل تستخدم الجرافات في المقام الأول.إذ كان الجيش حينها يتفادى خطر التأثير سلبا على المستوطنين الإسرائيليين و أطفالهم، فربما شعر أطفال المستوطنين بالخوف لسماع أصوات الانفجار و الأسوأ أن يصاب المستوطنون أو أطفالهم بتقاطع النيران.
و تحدث محمد عن الخبرة التي نالها أطفال غزة في التمييز بين أنواع الرصاص و القذائف المختلفة المستخدمة لتدمير أحيائهم و عائلاتهم.و الكثير من هذه الأسلحة صنعت في أميركا و منحت للجيش الإسرائيلي.
من المهم أن نتعلم من التاريخ كيف نقارن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل بدعمها لدولة تمييز عنصري سابقة. و قد ساعد "ديزموند توتو" ،و هو أول أسود ينتخب ككبير أساقفة في جنوب إفريقيا و حائز على جائزة نوبل للسلام، الناس على القيام بهذا الربط. ففي عام 2008 كتب تقريرا لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة ذكر فيه بالتفاصيل مقتل ثمانية عشر فردا من عائلة فلسطينية واحدة عام 2006 تعيش في بيت حانون. و خلص" توتو" إلى أن هذه الهجمات المتهورة من قبل الجيش الإسرائيلي تعتبر جرائم حرب و يجب التحقيق فيها. أما بالنسبة لجنوب إفريقيا، فقد مثل "توتو"عام 1984 أمام الكونغرس الأميركي و قال:"إما أن تكونوا ضد أو مع التمييز العنصري و ليس بالخطابات فقط.فإما أن تقفوا إلى جانب المظلومين أو إلى جانب الظالمين ، لا يمكن أن تكونوا على الحياد".
و قلة هم من يشكون بأن سياسة ريغان القائمة على "الارتباط البناء" و"الدبلوماسية الهادئة" ساعدت عل استمرار الجرائم من قبل الأبارتيد في جنوب إفريقيا. فإدارة ريغان قاومت التغييرات في هناك بل إنها تعاونت مع العوامل العنصرية في بريتوريا.
و بعد سقوط الاتحاد السوفييتي ،لم تعد حركة التحرير الشعبية و الطوفان الكبير من الاحتجاجات ضد التمييز العنصري توصف بعملاء موسكو أو بالإرهابيين .و كانت الصيحات الدولية و النشاطات السياسية في الولايات المتحدة قوية جدا بحيث أقر الكونغرس أخيرا، مع اعتراض رونالد ريغان، القانون الشامل ضد التمييز العنصري عام 1986 و كان قد طرح منذ عام 1972.
وخلال سنوات "الدبلوماسية الهادئة" كان "شيستير كروكير" نائب قنصل شؤون إفريقيا المعين من قبل ريغان يرفض اللقاء مع قادة سود في حركة التحرر.و تم تجاهل معاناة و آراء الأفارقة المحليين حين قررت الإدارة الأميركية بناء إستراتيجيتها وفقا للاعتقاد بان الحكومة القاسية الاستعمارية ذات الأقلية البيضاء ستتمكن بالتدريج من قيادة البلد تجاه ديمقراطية شاملة عبر تحول سلمي.
ولم تكن هذه الإستراتيجية مبنية على الخيال فحسب، بل شكلت أيضا إهانة للأفارقة السود المعانين من القمع و كان لها معانيها الضمنية في مجال الحياة الإنسانية. فخلال رئاسة ريغان ، مات على الأقل ثلاثة آلاف على يد شرطة و جيش جنوب إفريقيا.و عشرون ألف آخرون بما فيهم ستة آلاف طفل اعتقلوا وفقا لقانون الطوارئ .ومع حديث ريغان عن المصالح الإستراتيجية و عن المعادن و عن كون جنوب إفريقيا دول صديقة كان الناس يعانون على أرض الواقع.
و الولايات المتحدة واجهت و تواجه مسألة دبلوماسية مشابهة في إسرائيل. فالمجتمع الدولي يدرك جيدا بأن إسرائيل تنتهك باستمرار حقوق الإنسان . و سياسات التمييز ضد العرب و الفلسطينيين تعيد للذاكرة بشكل صاعق الأبارتيد في جنوب إفريقيا و تنطبق عليها توصيف العنصرية وفقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
و الاحتلال الإسرائيلي العسكري الوحشي للأراضي الفلسطينية مستمر منذ حوالي نصف قرن.و قطاع غزة واقع تحت الحصار الإسرائيلي منذ عام 2007.
و الهجوم الإسرائيلي العسكري الحديث، الذي وقع بينما الرئيس أوباما في طريقه لاستلام منصبه، استمر اثنين و عشرين يوما ضد شعب مدني و البنية التحتية في غزة و سبب أكثر من 1400 وفاة فلسطينية.و بناء "السياج الأمني" أو " جدار الفصل العنصري" لا زال مستمرا داخل فلسطين ليضم المزيد من الأراضي و المصادر الفلسطينية .
إضافة لذلك ، في زيارته الأخيرة إلى واشنطن،لم يبد رئيس الوزراء الفلسطيني بينيامين نيتينياهو ندما على بناء مستوطنات إسرائيلية جديدة على الأراضي الفلسطينية في القدس الشرقية .
ووسط كل هذه الاتهامات الموجهة ضد حكومة إسرائيل أي موقف اتخذته إدارة أوباما تجاه إسرائيل؟و صفت بعض وسائل الإعلام سياسة الإدارة ب " الحب العنيف".وصحيح أن كلا من الرئيس اوباما و وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون قد شجب توسع المستوطنات الإسرائيلية، غير أنهما أكدا على أن التزام الولايات المتحدة بإسرائيل صلب كالصخر و صامد و مستمر للأبد .
و إلى ما وراء الكلمات، حديثا وقعت الولايات المتحدة مع إسرائيل صفقة أسلحة بقيمة مائتين و خمسين مليون دولار إضافة إلى الثلاثين مليار دولار التي تمنحها الولايات المتحدة سنويا لإسرائيل كمساعدات عسكرية.
و بناء على هذه الحقائق، يبدو أن سياسة أوباما من "الحب العنيف" تجاه إسرائيل أضعف من سياسة "الدبلوماسية الهادئة" أيام ريغان تجاه الأبارتيد في جنوب إفريقيا.و تماما كما كانت "بريتوريا" غير معنية إطلاقا بالإذعان لمتطلبات "الارتباط البناء"، فمن الواضح أن إسرائيل لا ترتدع بشعارات إدارة اوباما التي تطلقها في المناسبات. فهم يفهمون الدور الزائف للرئاسة الأميركية.
و بالنظر لتضحيات أولئك المناضلين ضد الأبارتيد، حان الوقت بأن يقوم الشعب في الولايات المتحدة بمضاعفة جهوده التنظيمية و التثقيفية و مستوى المخاطرة لأجل القيام بتحد غير عنيف للدعم العسكري الوقح لإسرائيل.و علينا أن نستلهم الشجاعة من أصدقائنا في فلسطين و إسرائيل و كل مكان و الذين يواجهون تبعات قاسية لمقاومتهم اللا عنيفة.
و إذا تمكنا من تحدي الوضع القائم أي "الحب العنيف"، عندها سنملك حركة معارضة معبرة يمكن أن تسمعها وتراها إدارة أوباما و شركاتها و إسرائيل. لقد آن الأوان لرفع أصواتنا و إيقاف تدفق أموالنا . لا مزيد من المعونات العسكرية لإسرائيل.
بقلم جوشوا بروليير يعمل في "أصوات لأجل لا عنف بناء" في شيكاغو
ترجمة رنده القاسم
عن موقع Counter Punch
إضافة تعليق جديد