خمسة عشر دقيقة أمريكية
قبيل 11 أيلول بوقت قصير أنتجت هوليود فيلماً لم ينل ما يستحق من اهتمام رغم أنه كان يشير إلى ملامح مرحلة قادمة وفيرة بالأحداث العالمية الخطيرة،الفيلم الذي عرض يومذاك في إطار مهرجان دمشق السينمائي حمل عنوان (15 دقيقة) و كان يحكي عن مجرمين قدما إلى أميركا من أوربا الشرقية للانتقام من شريك جريمة استولى لوحده على أموال سرقة مشتركة وهرب بها تاركاً زميليه يواجهان عقوبة الجريمة ،وفي مسعاهما وراء الزميل الخائن يكتشف المجرمان القادمان من الشرق نقطتي ضعف المجتمع الأميركي اللتين تتيح لهما ارتكاب جرائم محمية من العقوبة والحصول على ثروة كبيرة، إنهما حرية الإعلام ، وحقوق الإنسان ،أي الأمران اللذان تباهت بهما على الدوام (الديمقراطية الأميركية) ، وفي إطارهما حق المتهم في الدفاع عن نفسه وتبرير دوافعه الإجرامية بتشوه بنائه النفسي ، وظروف نشأته القاسية والظالمة.وبعد سلسلة من الأحداث المثيرة يقود الفيلم مشاهده إلى إدانة الحرية الإعلامية ، ورفض حق المتهم في الدفاع عن نفسه ، والانحياز - في المقابل - إلى خيار وحيد وهو حل المشكلة بالقوة ، وبدقة أكبر بالقتل دون محاكمة ،فهذا ما يحقق العدالة الصحيحة، وهذا ما ينقذ أميركا من أخطار الغرباء الذين إن اختار الفيلم أن يكونوا حينذاك من أوربا الشرقية ، فإنه أيضاً لم يلغ احتمال أن يكونوا من جنسيات غيرها كالعرب مثلاً الذين شاهدنا ممثلين عنهم بثيابهم التقليدية عند بوابة القادمين في المطار، وحتى مواطني أميركا السود الذين قدمهم الفيلم – كما العادة – كمجرمين ومدمني مخدرات.. وبطبيعة الحال فإن الإنسان الوحيد الذي تجتمع فيه قيم الخير والعدالة والتحضر هو الأميركي الأبيض.. هذا الموقف العنصري الذي ظل المحور الأساسي للإنتاج السينمائي – والتلفزيوني – الأميركي على امتداد تاريخهما (عدا بعض استثناءات قليلة).منذ أن قدم الهنود الحمر ، سكان البلاد الأصليين،على أنهم كائنات همجية بدائية ونسبت إليهم كل جرائم الإنسان الأبيض الغازي لأرضهم ،مروراً بتقديم الأميركي الأسود بصورة الدخيل القبيح والمتوحش رغم أنه لم يجيء إلى أميركا بملء إرادته، وإنما أختطف من وطنه ومن بين أهله وأولاده وجيء به ليعمل عبداً في مزارع المستوطنين البيض..
تضخمت هذه الروح العنصرية التي روج لها النتاج السينمائي - التلفزيوني بعد أن بدأت أميركا حروبها الخارجية ، وهي طالت الأعداء والأصدقاء معاً ، فالأفلام التي صنعت عن الحرب العالمية الثانية طفحت بالنظرة العنصرية المتعالية على الأعداء الألمان والإيطاليين واليابانيين، لكنها أيضاً لم توفر الحلفاء البريطانيين والفرنسيين والروس ، ولو بنسب متفاوتة،وفي زمن الحرب الباردة نالت صورة الروس من التشويه ما يصعب وصفه ،وإن لم تبلغ الدرك الذي بلغته صور الكوريين والفيتناميين، الذين كان على الأميركيين احتلال بلادهم حتى لا يضطروا إلى قتالهم على شواطئ ميامي ،كما حاولت السينما وباقي وسائل الإعلام الأميركي إقناع الأميركيين في تلك الأيام.ثم جاء دور العرب والمسلمين ومعهم الأفارقة الذين لم ينجوا يوماً من النظرة العنصرية للسينما الأميركية تجاههم..وقد توج فيلم (من باريس مع حبي) الذي عرض في دمشق أخيراً هذه النظرة العنصرية ، فالفرنسيون حمقى وخونة ، والصينيون مجرمون ومروجو مخدرات، والعرب (والمسلمون) إرهابيون قتلة،وليس في مواجهة كل هؤلاء الأشرار سوى الأميركي السوبرمان ، والذي يضحي براحته واستقراره مضطراً لقتل مئات الأشخاص ، بمن فيهم حبيبته المسلمة، دون أن يحظى حتى بكلمة تقدير من حكومته ..ولكنه مع ذلك سيستمر بالقتل دفاعاً عن أميركا إلى أن ينتهي المليار صيني ومعه الإرهابيون العرب والمسلمين..
ألا يفسر ما سبق سر حرمان فيلم تفوقت عناصره جميعاً من أي جائزة في (الأوسكار) كما هو حال (أفاتار) ،وقد حلق بعيداً عن هذا الخط العنصري ؟
سعد القاسم
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد