محمد ملص: الهمجيون يدوسون أحلامنا التي نرسمها على الورق
مرةً أخرى يجاهر صاحب «الليل، وأحلام المدينة، بمشروعه السينمائي،» وهذه المرة بفيلمه الأخير«محارم» يذهب نحو سينما الأطفال، أو سينما عن عالم الطفولة كما يحب أن يسميها، محمد ملص يعيد في هذا الفيلم افتتانه الأول بالحلم مدافعاً عن مشروعيته رغم قتامة الواقع وشراسته. . يعود مخرج «باب المقام» و«المهد» إلى الرسم بالكاميرا، فرشاته السحرية الأولى.
التقتينا المخرج محمد ملص وكان الحوار الآتي:
ھ فيلم (محارم) الذي عرض قبل أيام على الجزيرة أطفال: هل يعكس توجهاً جديداً لديك نحو سينما الأطفال.
ھھ في الحقيقة لست أنا الذي اندفع إلى هذين المشروعين بقدر ما استجبت للفرصة الإنتاجية التي اقتُرحت عليّ سواء لتحقيق فيلم «المهد» أو لتحقيق فيلم «محارم».
لابد أن يلاحظ المتتبعون أن ثمة اهتماماً طارئاً ومتعدد الوجوه بتنشيط العمل السينمائي في دول الخليج العربي سواءً في إقامة المهرجانات السينمائية العديدة أو في إحداث الأكاديميات والمعاهد السينمائية، أوحتى في وجود العديد من الشركات المنتجة للأفلام.
في إطار هذا الاهتمام الخليجي بالسينما ظهر لدى قناة الجزيرة للأطفال مشروع سينمائي كبير ذو أبعاد وأهداف سينمائية على الرغم من أن المتبني لهذا المشروع هو قناة تلفزيونية،و كما عرفتُ من الجهة المنتجة في قناة الجزيرة للأطفال أن الجهات الرسمية القطرية تعتزم الاحتفال بالعيد العالمي للطفولة خلال عام 2009احتفالاً خاصاً كرّست له الإمكانات الكبيرة، ومنها تحقيق عدد من الأفلام السينمائية من قبل عدد من المخرجين المهمين في العالم العربي بحيث يقوم كل منهم بتحقيق فيلم خاص عن الطفولة في بلده وفق رؤيته الخاصة لهذه الطفولة في هذا البلد، وبدا لي أن الفيلم عن الطفولة وليس للأطفال فقط، ولتحقيق هذا المشروع السينمائي الكبير أجرت الجهة المنتجة منذ بداية عام 2008 الاتصال بالمخرجين السينمائيين الذين اختارتهم. وقد تمكنت من الاتفاق مع سبعة من هؤلاء المخرجين المعروفين في سبعة بلدان عربية، وقد كان اسمي واحداً من هؤلاء الذين اقترح عليهم المشروع وأعطيت له الفرصة لكتابة وتنفيذ فيلم «محارم».
اليوم حقق فعلاً هؤلاء المخرجون السبعة أفلامهم الجاهزة للعرض السينمائي والتلفزيوني والمخرجون هم ؛المخرج برهان علوية ـ لبنان، أحمد الراشدي ـ الجزائر ـ إيزادور مسلم ـ فلسطين محمد بن إسماعيل ـ المغرب، أسامة فوزي ـ مصر،ونوري بوزيد ـ تونس.
ھ تذهب في هذا فيلم الجديد «محارم» إلى أطراف مدينة دمشق لتبحث عن أسرة من نازحي الجولان1967
ھھ يبدو كما يشغلني دائماً حال ومصير أبناء الجولان الذين نزحوا إثر الاحتلال الإسرائيلي للجولان وقد أردت هنا أيضاً أن أبحث اليوم في أحوالهم ومصائرهم المعلقة حتى الآن، وربما هذا هو السبب الذي دفعني للبحث عنهم في العشوائيات المعلقة على سفح جبل قاسيون.
وقد حاولت عبر الصورة أيضاً أن يكونوا بالنسبة للمتفرج وكأنهم معلّقون بين السماء والأرض. فالذي حكم بناء الحكاية وشخصيات أحداثها هو الفكرة الكامنة وراء المشروع ذاته ألا وهي التعبير عن عالم الطفولة في بلدي، وأعتقد أن ما سعى إليه فيلم »محارم« أي ما حاولت أن أقوله في هذا الفيلم هو ما أراه عبرهم ومن خلال عالم الطفولة في حضورها وافتقادها في داخلهم، وكان هذا هو المهم في الحكاية ذاتها. ولم يكن دور الكبار في الحكاية إلا قمع الحلم وإيقافه ووضع حدٍ له.
ھ في الفيلم رؤية لعالمين يعيشون كل منهما على طرفي نقيض، كيف استطعت مقاربة ذلك في «محارم»؟
ھھ أنا أعتقد أن هناك عالمين فعلاً عالم الطفولة الحالمة سواء لدى الصبي أو ابنة الرسام وهما ليسا متناقضين بل يغذي كل منهما الآخر، والعالم الآخر والنقيض هو عالم الكبار سواء والدة الطفلة أووالدة الصبي اللذان يشعر كل منهما برعب من الآخر، فيضع حداً له كي يحمي نفسه، فالتناقض بين الحلم والواقع، وليس في اختلاف الأحلام بين الصبي والفتاة يشكّل الرعب من الآخر والخوف من الحلم يأتي من عالم الكبار كما أراه اليوم في مجتمعنا، هذا الخوف من واحدة من المقولات التي يسعى الفيلم لقولها. فالمشكلة اليوم فينينا نحن الكبار كآباء وليست في الأطفال وأحلامهم.
ھ هل يمكننا اعتبار هذا الفيلم خطوة نحو سينما سورية للأطفال؟
تحقيق هذا الفيلم شيء والواقع الخاص بالإنتاج السينمائي ومنه الإنتاج الخاص بالطفولة والأطفال شيء آخر.
ھھ يبدو أننا نحن هنا في سورية على الصعيد السينمائي مشغولون بأشياء أخرى بحيث لم نتذكر أولا نريد أن نحتفل إلا بالمناسبات التي تروق لنا؛ وهذا حال لا يخص المناسبات فقط، لذلك تبدو الاهتمامات الثقافية ومنها السينمائية مجرد مرايا لهذه المناسبات التي يقررها ويهتم بها هؤلاء الموظفون في المؤسسات الثقافية السائدة والموجودة. فليست هناك سينما في سورية بل هناك أفلام سورية وهذا أمر بديهي، الأفلام التي تم تحقيقها حتى اليوم هي أفلام شكّل عالم الطفولة فيها اهتمامات متناثرة وأحياناً نادرة، لا نستطيع أن نقول أن هناك سينما أو أفلاماً تخص الطفولة بالمفهوم العلمي للكلمة، كما هو في إيران مثلاً حيث يغلب عالم الطفولة على الكثير من الأفلام الجميلة والهامة التي تم تحقيقها حتى الآن، ولا أرى على الإطلاق أية مقدمات لحدوث ذلك في المدى القريب، وأنا لا أقصد الاحتفال بالطفولة بالقدر الذي أقصد فيه الطفولة خارج الاحتفال بها. بل لا نستطيع أن نقول بما هو سائد في الإنتاج السوري حتى اليوم أن هناك أنواعاً مختلفة ومتنوعة في الأفلام السورية، إنما هناك نوع واحد ولون واحد بل هو فيلم واحد في أفلام متعددة.
ھ في نهاية الفيلم تعيد الأسرة الجولانية إلى قريتها «بئر عجم» لكننا لم نرَ سوى الطفل في هذه العودة، إلى ما تلمح من هذه العودة؟
ھھ هل أنا أعيدها أم أهي تعود؟ هل هذا حلم أم حقيقة؟ وهل هي عودة للعيش أم هي عودة لتحقيق حلم الصبي بالرسم؟، ربما يتساءل المتفرج لماذا لم نر أحد غيرالصبي في هذه العودة، وأنا أطرح السؤال ولا أجيب لأن الفيلم هو صراع الحلم مع الواقع. وربما الذي يكسر الحلم ليسوا فقط آباءنا وليس فقط العدو الإسرائيلي الذي يحتل قرانا، بل ذاك الهمجيون الذي يدوسون أحلامنا التي نرسمها على الورق.
سامر محمد اسماعيل
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد