نتنياهو يشتري حزب العمل ليبقي باراك في الدفاع
في اليوم الذي اختاره أنصار «الترانسفير» في اليمين الإسرائيلي لمسيرتهم الاستفزازية في أم الفحم العربية، التي أدت الى سقوط عشرات الجرحى الفلسطينيين، قرر مركز حزب العمل الانضمام الى حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية. ولم يكن هذا القرار مجرد مصادفة، بل هو تعبير عن الميل الغالب في المجتمع الإسرائيلي الذي يعمل على تعميق الانعزال عن العرب والمحيط. ورغم الإشكاليات التي يخلقها داخل حزبي العمل والليكود، فإن قرار الانضمام هذا يوفر لنتنياهو فرصة الادّعاء بأن حكومته الجديدة ليست حكومة يمين ضيقة وإنما هي حكومة أقرب إلى الوسط.
فالحزب الذي أنشأ الدولة اليهودية قبل ستين عاماً، وقف يوم أمس وكأنه يبيع نفسه بالقطعة لأحزاب اليمين في ظل تساؤلات جدية حول مصير ومستقبل هذا الحزب. وصار بوسع زعيم الليكود أن يتنفس الصعداء بعدما صار يملك حتى الآن ائتلافاً حكومياً من ستة وستين نائباً، وبعدما حطم صفة «اليمينية» الملصقة بحكومته. ومع ذلك، فإن نتنياهو يلتقي صباح اليوم وجهاً لوجه مع المشاكل الحقيقية داخل الليكود الذي يضم أكبر قدر من الزعماء الشرهين للمناصب العليا التي لم يتبق فعلياً منها سوى وزارة المالية.
فقد ذهبت وزارة الخارجية لأول الموقعين مع نتنياهو على اتفاق ائتلافي وهو زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان. كما أن وزارة الداخلية ذهبت لثاني الموقعين على اتفاق ائتلافي مع الليكود وهو زعيم حزب شاس إيلي
يشاي. ومع بقاء حزب العمل في الحكومة، فإن زعيمه إيهود باراك يحتفظ بمنصب وزير الدفاع. ومن الآن فصاعداً، ستبدأ مشكلات نتنياهو مع «رفاقه» في كتلة الليكود من سيلفان شالوم إلى موشيه يعلون وبينهما كثير من الأسماء التي ستضطر للاكتفاء بمناصب أقل أهمية.
وكان باراك المتمسك بمنصبه في وزارة الدفاع، قد خالف كل تعهداته وأبرم في عملية سرية شبه عسكرية اتفاقاً مع الليكود للانضمام للحكومة. وقد أجرى المفاوضات تقريباً من دون تفويض وبشكل يناقض رأي معظم أعضاء كتلته في الكنيست وتوصل لاتفاق أفلح في فرضه على مركز حزب العمل وبغالبية واضحة. وقد تجاوز بذلك الحملات الشديدة التي شنت عليه داخل العمل وخارجه والتي عمدت إلى اعتباره تتويجاً لروح الانتهازية السياسية.
وبدا مركز حزب العمل الذي يضم حوالى 1400 عضو يوم أمس، وكأنه بركان ينفجر. فقد سادت المقاطعات والاحتجاجات بل والاشتباكات بالأيدي أعمال الجلسة التي استمرت بضع ساعات وانتهت بالتصويت. وبدا في الأيام الأخيرة أن هناك صراعاً واضحاً بين كتلتين لا تفتقران في الغالب للعداوة الشخصية: كتلتا زعيمي الحزب الحالي باراك والسابق عمير بيرتس. ومما يزيد التعقيد أن الحزب خلال عام مضطر لخوض انتخابات تمهيدية على زعامة الحزب. وهناك ابتداء من اليوم تساؤلات عن وجهة ومصير حزب العمل: هل سيبقى موحداً، أم سيضطر قريباً للانشقاق؟ ومن المؤكد أنه ليس بوسع أحد التكهن بالإجابة الدقيقة ولكن التقديرات تشير إلى أن الحزب سيبقى موحداً على الأقل حتى موعد الانتخابات التمهيدية المقبلة.
وتبارى معارضو الانضمام لحكومة نتنياهو والمؤيدون له في اتهام بعضهم البعض باللهاث وراء المصالح الشخصية أو إغفال مصالح الدولة والمجتمع. وأسهب باراك في الحديث عن أن انضمامه للحكومة يعني وقف إقالة العمال ومنع انهيار المجتمع والحيلولة دون التطرف في الأمن والسياسة. كما أن المعارضين شددوا على أن الانضمام هي الانتهازية السياسية بعينها وأن الخاتمة السيئة باتت معروفة سلفاً.
ويمكن القول إن المفاوضات التي جرت بين الليكود والعمل من أجل انضمام الأخير للحكومة، هي الأسرع في تاريخ المفاوضات. وهناك من يعتبر أن نتنياهو قدم لحزب العمل العرض الأشد إغراء والذي لا يمكن رفضه. فالحزب الذي يملك في الكنيست 13 عضواً فقط، نال خمسة مناصب وزارية بينها وزارة الدفاع ووزارتا الصناعة والتجارة والرفاه الاجتماعي. كما نال منصبي نائب وزير أحدهما في وزارة الدفاع. وإضافة إلى كل ذلك، نال حزب العمل رئاسة اللجنة الأكثر أهمية في الكنيست، وهي لجنة الخارجية والأمن.
وباختصار، فإن نتنياهو عرض على باراك عقد تشغيل رفيع المستوى لحوالى ثلثي أعضاء كتلة حزب العمل في الكنيست. كما أنه وفر له اتفاقاً ائتلافياً يمكنه أن يدّعي تحصيل إنجازات سياسية واقتصادية واجتماعية. وقد تم التوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق صباح أمس وهو ما أتاح لباراك أن يعرض على مركز الحزب اتفاقاً ناجزاً. ففي الموضوع السياسي، تعهد الليكود بالعمل على بلورة خطة لتحقيق السلام الإقليمي والالتزام بكل الاتفاقيات التي أبرمتها حكومات إسرائيل السابقة. وتقرر أنه في كل ما يتعلق بالعملية السياسية، يكون وزير الدفاع، باراك، شريكاً كاملاً في القرار وفي أي هيئة تناقش وتتخذ القرارات في هذا الشأن.
ونظراً للدور الذي لعبه رئيس الهستدروت عوفر عيني، فإن الجانب الاقتصادي في الاتفاق بين العمل والليكود يعتبر مركزياً وفيه عدد من البنود لصالح الشرائح الدنيا والمتقاعدين. وتقررت إقامة صندوق لتقديم العون للمصانع المتعثرة وللعمال في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية.
وفي كل حال، فإن اتفاق الليكود مع العمل يبقي في المؤخرة حزب كديما الذي سيضطر لاختبار قدرته على البقاء في صفوف المعارضة. ومعلوم أن استقرار حكومة نتنياهو يضعضع ثقة حزب كديما بقدرته على البقاء. كما أن تضعضع ائتلاف نتنياهو، يعزز فرص كديما في الظهور كحزب معارضة بديل. ومن الآن، يمكن القول إن حكومة نتنياهو بصورتها الراهنة تحوي جملة لا متناهية من التناقضات التي يصعب حلها.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد