تعلموا من نقابة معلمي بإدلب
أحد المعلمين المعلولين الطيبين الذين أرسلهم فرع نقابة المعلمين بإدلب إلى حلب من أجل عمل روتيني إلى حد الملل والتثاؤب، أعني كتابة قائمة بالأدوية التي يستخدمها هذا المريض المعلول مرة واحدة كل ستة أشهر، سألني، بعد أن ذاق الأمرين في الذهاب إلى حلب، والإياب، وتكبد من نفقات السفر ما تكبد:
- ترى، لماذا مارست النقابة بحقنا هذا النوع من التعسف؟!
قلت: هما برأيي سببان، لا ثالث لها، الأول أن أعضاء المجلس الفرعي للنقابة بإدلب لا يثقون بالمعلمين الذي سبق لهم أن وثقوا بهم وانتخبوهم! ويعتقدون أن المعلم لا يحتاج لبعض الأدوية التي يشتريها، ولكنه يتواطأ مع الطبيب، ويطلب منه أن يكتبها له في الوصفة، لكي (ينصُب) على النقابة ببعض المال، ليُفقر النقابة، ويصبح هو غنياً بفقرها! والثاني أنهم لا يثقون بالأطباء الموجودين في محافظة إدلب، كلهم، على لَمّ الفراش، من الأطباء الممارسين، إلى الأطباء المختصين، سواء أكان اختصاصهم في الجامعات المحلية، أو الجامعات الاشتراكية المرحومة، أو الجامعات الرأسمالية والإمبريالية العولمية، رغم أنه لا يوجد طالب طب سوري واحد، يتخرج، ويُعْطَى رخصة بمزاولة هذه المهنة النبيلة، ويعلق في واجهة عيادته آرمة أكبر من ملحفة اللحفاف، تشير إلى أنه قد (تدكتر)، دون أن يؤدي قسم أبقراط، على ألا يخون الأمانة، وأن يقيم شرف المهنة مقام الوالد، وهؤلاء الأطباء غير الموثوق بهم من قبل النقابة، يتواطؤون مع المعلمين المعلولين غير الموثوقين بهم، المتهمين، على نحو مضمر، بالاحتيال، فيوقعون النقابة في خسائر مالية فادحة.
قال: حسناً، أنا سأسألك سؤالين آخرين، فأرجو أن يبقى حلمك علي واسعاً..
قلت: تفضل.
قال: إذا كان الأطباء، كلهم، أبناء آدم وحواء، وكلهم مولودون على التسعة أشهر، وكلهم مواطنون سوريون، يتمتعون بحقوق المواطنة وتقع عليهم واجباتها، فكيف يكون أطباء حلب، من حيث الأمانة، والإخلاص، على النقيض من أطباء إدلب؟ ولماذا يرسلوننا نحن المعلولين الغلبانين إلى حلب، مثلاً، ولا يرسلوننا إلى حماه أو اللاذقية أو دير الزور؟
والحقيقة أن السؤال الأخير الذي وجهه إلي ذلك المعلم المعلول قد أثار استغرابي في البداية، ثم إنه، رويداً رويداً، شرع يفتح أمامي عدداً كبيراً من الأسئلة والاحتمالات التي يربط بينها رابط واحد هو الغرابة!
وقلت لللمعلم الغلبان: إذا كانت نقابة المعلمين بإدلب على خطأ، فلماذا لا تتراجع عن قرارها وتترك هؤلاء الناس التعبانين بحال سبيلهم؟
قال: هي، بالطبع، على خطأ. فهل يوجد عاقل في العالم يقبل بمثل هذا التصرف؟
قلت: وإذا فرضنا، من باب المماحكة، أنها على صواب (!).. فلماذا لا تستفيد فروع نقابة المعلمين المنتشرة في أنحاء القطر من هذه التجربة الفريدة، وترسل كل منها معلميها المرضى إلى محافظة أخرى؟
ضحك المعلم، رغم علله وبلاويه وقال: وقتها سوف تحصل أمور تنتمي إلى ما يسمونه في اللهجة العامية "خلطبيطة".
قلت: أي نعم. وإليك بعض الأمثلة التي نشطت مخيلتي في استنتاجها:
نقيب المعلمين في اللاذقية، مثلاً، يرسل كتاباً خطياً إلى نقيب المعلمين بحمص، ينص على ما يلي:
حضرة الزميل، تحية نقابية وبعد:
نرسل إليكم المعلمين ذوي العلل والأمراض الدائمة في محافظتنا راجين منكم معاينتهم في المركز الطبي العائد لكم، وتزويدهم بوصفات مختومة أصولاً والإعادة، شاكرين تعاونكم. والخلود لنضالنا النقابي.
فيأتي الجواب من حمص على النحو الآتي:
حضرة الزميل فلان رئيس المكتب الفرعي للنقابة باللاذقية، نعتذر عن تلبية طلبكم، ونحيطم علماً أننا أحلنا معلمينا أصحاب العلل الدائمة إلى محافظة درعا! والخلود لنضالنا النقابي.
وكل محافظة ترسل مثل هذا الطلب إلى محافظة أخرى، ويأتي الجواب بالاعتذار، إلى أن تكتشف فروع نقابة المعلمين المختلفة أن أكثر الأطباء امتلاكاً لوقت الفراغ على مستوى القطر كله إنما هم أطباء إدلب، ووقتها يأتي المعلمون من كل المحافظات لكي يتعاينوا، ويأكلوا شعيبيات بالقيمق في إدلب، ويعودوا إلى أهاليهم سالمين غانمين!
صحتين يا خاي!
خطيب بدلة
المصدر: النور
إضافة تعليق جديد