بن كسبيت : من المريح للأمريكان استبدال صور العراق بلبنان
حمل خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت أمام الكنيست امس، معالم تشديد الحرب النفسية التي تحاول حسم المعركة ومنع نشوء حرب استنزاف طويلة الأجل. وسبق الخطاب وأعقبه، أشد قصف صاروخي ينفذه حزب الله في يوم واحد على أوسع رقعة من البلدات والمدن والمستوطنات من الخط الحدودي وصولا إلى العفولة على مسافة 50 كيلومترا من الحدود.
ولم يقدم خطاب أولمرت للإسرائيليين، سوى مجموعة من الشعارات التي حاول من خلالها بناء عقيدة أمنية جديدة تقوم على ربط الصراع الدائر بالرؤية الأميركية لمحور الشر. وبدا واضحا أن الإسرائيليين الذين منحوا التأييد لأولمرت في الحلبة السياسية وفي الشارع، لم يحصلوا منه على أي جواب شاف حول أهداف الحرب القابلة للتحقيق.
وكان أولمرت قد تعرض لانتقادات حادة من جانب وسائل الإعلام والسياسيين، لابتعاده عن مواجهة الجمهور بشأن الحرب. واختار الكنيست الذي يوجد فيه إجماع صهيوني كامل تقريبا حول وجوب الانتصار على حزب الله في هذه الحرب. ولكن الكثيرين يعتقدون أن ما دفع أولمرت لإلقاء خطابه الذي ظل عاطفيا وخلا من المواقف ذات الأهمية، هو الرغبة في طمأنة الاقتصاد.
ورأى معلقون أن الأهم في خطابه، هو ما لم يتطرق إليه. فقد تجنب الحديث حول الوساطة السياسية التي تقوم بها دول ومنظمات ولم يحدد إطارا زمنيا للعملية. وكان لافتا تجنبه تكرار عبارته ب<عدم التفاوض مع الخاطفين>. وأشار معلقون إلى أن خطاب أولمرت كان خطاب رئيس بلدية أكثر مما كان خطاب رئيس حكومة في ذروة أزمة. وفضلا عن ذلك فإنه لم يقدم أجوبة لمئات آلاف الإسرائيليين الذين يقضون وقتهم في الملاجئ ولا لنحو نصف مليون إسرائيلي هجروا بلداتهم ومستوطناتهم.
وشدد أولمرت في خطابه على أن <أعداءنا أشهروا في الأسابيع الأخيرة علينا راية التحدي لسيادة دولة إسرائيل وسلامة سكانها، في البداية في القطاع الجنوبي، وبعد ذلك على الحدود الشمالية وعميقا
على طول الدولة. إن إسرائيل لم تسع إلى هذه المواجهات. بل على العكس، بذلنا الكثير من أجل منع حدوثها. عدنا إلى حدود دولة إسرائيل التي تعترف بها الأسرة الدولية. وكان هناك من فسر رغبتنا بالسلام، لنا ولجيراننا، بأنها إشارة ضعف. لقد أخطأ أعداؤنا بظنهم أن استعدادنا لضبط النفس هو دليل ضعف. لقد أخطأوا.
وقال اولمرت <سنناضل من اجل تحقيق الشروط التي وضعها المجتمع الدولي>، مضيفا <عودة الرهينتين... والوقف الكامل لاطلاق النار وانتشار الجيش اللبناني في كل انحاء جنوب لبنان ونزع سلاح حزب الله بموجب قرار الامم المتحدة (الرقم) 1559>.
وبعد ذلك، قال أولمرت <إننا نتمنى أن ينشأ هنا ذات يوم تحالف عالمي، لفائدة متبادلة لشعبينا على جانبي حدودنا المشتركة. والمعركة التي نديرها هذه الأيام هي معركة ضد المنظمات الإرهابية التي تعمل من لبنان وغزة. فهذه المنظمات ليست سوى مقاول فرعي تعمل بإلهام ومصادقة، بتشجيع وتمويل من أنظمة راعية للإرهاب وتعارض السلام، في محور الشر الممتد من طهران إلى دمشق>.
وشدد على أن إسرائيل ستبحث عن كل بقعة، وستضرب كل إرهابي يسعى للمساس بمواطني إسرائيل، وسندمر كل بنية تحتية للإرهاب في كل مكان. وسوف نواصل ذلك إلى أن ينفذ حزب الله وحماس التدابير الأساسية والمنطقية المطلوبة منهما من كل المتحضرين. وإسرائيل لن توافق على العيش تحت رحمة الصواريخ الموجهة ضد مواطنيها. وأوضح أن إسرائيل لن تبقى رهينة، لا لعصابات الإرهاب ولا لشبكات الإرهاب ولا حتى لأي دولة ذات سيادة .
وقال أولمرت :إننا نسعى إلى السلام ونتمناه، ولكننا بالدرجة نفسها لا شيء سنقاومه بشدة أكثر من محاولات المساس بنا ودفعنا نحو التنازل عن حقنا في العيش هنا، في وطننا، بأمن وبسلام. وباسم الشعب في إسرائيل، باسم كل سكان الدولة، جئت إلى هنا اليوم للإعلان جهارا نهارا أننا لا نسعى للحرب أو المواجهة الصدامية، ولكننا وقت الضرورة، لن نخشاها. وفقط شعب يعرف كيف يدافع عن حريته، هو فعلا من يستحقها. ونحن نستحق حريتنا ونعرف وقت الضرورة كيف ندافع عنها.
وأبلغ وزير المواصلات الجنرال شاؤول موفاز سكان نهاريا الغاضبين عليه وعلى حكومته من استمرار الحرب، أن عليهم تحمل البقاء في الملاجئ إلى أن يكمل الجيش خططه التنفيذية وتحقيق أهداف العملية. وأبدى تقديره بأن العملية قد تستغرق أسبوعين ولكن إن احتاجت الى أسبوع آخر فسوف نمنحها ذلك الأسبوع.
واعتبر موفاز أن استهداف السيد نصر الله يشكل أحد أهداف الحرب. وقال :إذا أصيب فهذا جيد، ولكن بالوسع تحقيق الإفراج عن المخطوفين، وضرب البنية التحتية وترسانة حزب الله بشكل بليغ وإبعاد قواته عن الجنوب اللبناني من دون المساس به أيضا. ورفض موفاز الدخول البري إلى لبنان لأن هذا يذكر الجميع ب<حملة سلامة الجليل> معتبرا أن بوسع سلاح الجو تنفيذ المهمة.
حلوتس والجيش
وأبلغ رئيس الأركان الإسرائيلي دان حلوتس أعضاء لجنة الخارجية والأمن في الكنيست أن إسرائيل بدأت في تجريف الأرض على مسافة كيلومتر من الحدود مع لبنان، وذلك لأغراض عسكرية ومن أجل الحيلولة دون عودة مواقع حزب الله للمنطقة. وأشار حلوتس إلى كثافة المعركة قائلا إن مئة طائرة كانت تدك مواقع في لبنان في وقت واحد في إطار ما أسماه التهشيم الشديد لقوات حزب الله. وأوضح أن لدى الجيش الإسرائيلي معلومات عن الأماكن التي يخبئ فيها حزب الله صواريخه وأن سلاح الجو يقوم بتدميرها.
تجدر الإشارة إلى أن العديد من العمليات البرية تجري على طول الحدود. وفي الوقت الذي حاولت فيه مجموعات عديدة من حزب الله تنفيذ اقتحامات لموقعي زرعيت وأفيفيم، سعت وحدات كوماندوس إسرائيلية لتنفيذ عمليات داخل الأراضي اللبنانية غير بعيدة عن الحدود. وهناك من يعتقد أن معظم عمليات الكوماندوس هذه تتعلق بإنشاء الشريط الناري وتطهيره، حيث إن الجرافات الإسرائيلية تحاول التحرك ببطء وبتردد خشية تعرضها لألغام أو قذائف مضادة للدروع من جانب مقاتلي حزب الله. ووقعت محاولات الاقتحام البري من جانب الوحدات الاسرائيلية تلك، في مناطق الغجر وعيتا الشعب والناقورة ومزارع شبعا.
وقال رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست تساحي هنغبي إن الجيش الإسرائيلي يواجه تحديا لم نعرف له مثيلا منذ سنوات طويلة. فالعملية العسكرية غدت معقدة في ضوء وجود مختطفين في الجبهتين، ونحن بحاجة إلى الحكمة والإبداع وطول النفس.
ودعم آفي إيتام الحكومة، وقال إنه لا حاجة للدخول في عملية برية في لبنان وإدخال طوابير المدرعات إلى قرى أخرى يتواجد فيها حزب الله. وببساطة فإن نصر الله يرجونا أن يشن الجيش عملية برية، غير أن العملية الاستراتيجية والتكتيكية التي يقوم بها الجيش الآن هي الأصوب. وأضاف إيتام الذي كان قائدا لفرقة الجليل، أن نصر الله فوجئ بشكل كبير من قدرة الجبهة الداخلية الإسرائيلية على الصمود. لقد تجاوزنا سقف الخوف من المجهول.
وأبدى يوفال شتاينتس تقديره بأنه في ضوء الاستعراض الذي قدمه رئيس الأركان، فإن العملية تحتاج إلى أسابيع. وقال إن :مواطني إسرائيل بحاجة إلى نفس طويل كي يتمكن الجيش من تغيير الواقع في الشمال. وأضاف :مثلما أهملنا صناعة الصواريخ في الشمال، نحن نهملها في غزة، وإذا لم تتم معالجة الأمر فإنه خلال سنة أو سنتين سيتم تصديرها من هناك إلى كل الجنوب. ثمة فرصة لاستغلال الوضع من أجل علاجه بشكل جذري.
ونقل موقع يديعوت أحرونوت عن ضابط إسرائيلي رفيع المستوى قوله إن <تقديراتنا تشير إلى أنه في هذه المرحلة ألحقنا الضرر بحوالى 25 في المئة من قدرات حزب الله> بعد ستة أيام من القتال. واضاف انه برغم رضا الجيش عن وتيرة تقدم العملية المسماة تغيير الوجهة، فإن إسرائيل لم تحقق بعد حجم الضرر الذي تريد إلحاقه بحزب الله.
ويقدر الجيش الإسرائيلي أنه لا زالت لدى حزب الله القدرة على إطلاق صواريخ تصيب مناطق محيطة بتل أبيب. غير أن الضابط شدد على أن حكم تل أبيب كحكم كريات شمونة وأن سقوط صواريخ في تل أبيب لن يقود إلى ردود فعل متطرفة من جانب إسرائيل. وقال إن :هناك في لبنان أماكن لم نصل إليها بعد، ولكننا سنفعل كما في الماضي، بشكل محدد مقابل عمليات حزب الله الخطرة. ومع ذلك شدد على أن المساس بالمعامل البتروكيميائية في حيفا يمكن أن يقود إلى تصعيد في فعاليات الجيش الإسرائيلي لوقف التيار الكهربائي في مناطق واسعة من لبنان.
تجدر الإشارة إلى أن معلقين إسرائيليين قالوا إن إسرائيل وجهت إنذارا لحزب الله، عبر العديد من الدول، يفيد بأن استهداف المصانع البتروكيميائية في حيفا سيقود فورا إلى تدمير معامل الكهرباء في لبنان.
وأبدى الضابط الكبير تقديره بأن العملية الجارية في لبنان يمكن أن تنتهي خلال أيام ولكنه رفض التوضيح. وأشار إلى <أننا نعمل وفق خطة مرتبة تستهدف ضرب حزب الله، أولا في مواقعه في بيروت وبعلبك وجنوب لبنان. كما أننا ألمحنا للحكومة اللبنانية عن طريق ضرب المطارات، بأننا ننتظر منها أن تمارس مسؤولياتها. فنحن لا نريد خلق وضع لا تكون فيه الحكومة اللبنانية قادرة على العمل، ولذلك فإننا لا نضرب مراكز ذات صلة بقطاع السياحة مثلا>.
وأضاف الضابط أن لدى حزب الله رغبة في إدخال سوريا في الصراع. وفي نهاية الأسبوع، أطلق حزب الله صواريخ نحو هضبة الجولان في محاولة لإشعال النار قبالة السوريين. ولم يستبعد الضابط قيام حزب الله باستهداف جنود سوريين بشكل مموه لدفع سوريا لفتح جبهة ضد إسرائيل.
اغتيال نصر الله
وأوضحت مراسلة الشؤون العربية في يديعوت سمدار بيري، المعروفة بعلاقاتها الوثيقة مع العائلة الهاشمية الحاكمة في الأردن، أن السعودية ومصر والأردن وقطر تعمل على تفكيك حزب الله. وأشارت إلى أن هذه الدول الأربع أنشأت جبهة عمل ضد حزب الله تعمل بالسر لحل حزب الله وإبعاد النفوذ الإيراني عن لبنان بالتنسيق مع مسؤولين أميركيين كبار، وبالتعاون مع جهات لبنانية. وبحسب الصحيفة، فإن أعضاء هذه الجبهة ينطلقون من فكرة أن المواجهة الحالية تمت بمبادرة من إيران.
وأشار المراسل السياسي لصحيفة معاريف بن كسبيت، إلى أن الولايات المتحدة تحث إسرائيل على استهداف شخص نصر الله. وكتب أن المسؤولين في واشنطن يعتبرون نصر الله من الماضي وأنهم لن يذرفوا دمعة عليه. وأعطت الدوائر الأميركية ضوءا أخضر لاغتيال نصر الله الذي كان الجدل بشأنه غير محسوم بعد في إسرائيل. واعتبر أن الموقف الأميركي الحازم، الذي تبدى في قمة الدول الصناعية هو محاربة حزب الله، تصفية نصر الله.
ورأى كسبيت انه من المريح للأميركيين أن تستبدل شاشات التلفزيون في الولايات المتحدة وفي العالم، ولو لأسبوع أسبوعين، الصور من العراق بالصور من بيروت. مريح للأميركيين أن يتلقى حزب الله ضربة قاضية من إسرائيل. وكتب أن السبب في هذا الموقف هو ما يعنيه حزب الله للمقاومة العراقية ضد الأميركيين. فالمتمردون في العراق ينظرون إلى ما يجري في بيروت بعيون فاغرة. انتصار نصر الله، أو أي مظهر لمثل هذا الانتصار، سيلحق بالأميركيين مزيدا من المصائب.
وفي تقرير لموقع معاريف عن السرب الجوي 101 المكلف بملاحقة الكاتيوشا والأمين العام لحزب الله، جاء أنه أغار على مئات الأهداف من جسور ومخازن أسلحة وراجمات. ولكن كان هناك تركيز على الدور الذي أداه السرب في تدمير ما أسماه الملجأ القيادي الذي يقيم فيه نصر الله في الضاحية الجنوبية. وبحسب التقرير، فإن هذا السرب يعمل على مدار الساعة وحجم الحركة في سماء لبنان جنوني، بحسب قول قائد السرب. وتركز التعليمات التي تصدر للطيارين أساسا على وجوب ألا يحدث لنا ما حدث لسلاح البحرية، في إشارة لضرب البارجة حانيت.
وقال طيار برتبة نقيب شارك في قصف ملجأ نصر الله في الضاحية إن على الجمهور الإسرائيلي أن يعلم أن سلاح الجو والجيش يعملان بجد ويحققان الأهداف، وذلك برغم استمرار سقوط الكاتيوشا على إسرائيل. وبوسع الجمهور أن يطمئن، لأننا نحقق أهدافنا والنتائج ستظهر قريبا. ونحن سنصل إلى كل واحد منهم في كل مكان يتواجد فيه، فلا حصانة لأحد. ولدينا القدرة على ضرب كل البنى الإرهابية لحزب الله.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد