تشيني يرسم «إحداثيّة خطوط النار» للمدمرات المنتشرة في المتوسط

17-03-2008

تشيني يرسم «إحداثيّة خطوط النار» للمدمرات المنتشرة في المتوسط

تأتي جولة نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني على بعض دول المنطقة متزامنة مع استقالة قائد القيادة المركزيّة الأميركيّة الاميرال وليم فالون. وإذا كان الأخير ـ وفق مجلة ايسكوير ـ الصوت الوحيد ضد القيام بعمل عسكري يستهدف البرنامج النووي الايراني، فإن تشيني يبقى الصوت الوحيد الأكثر تشددا في الدعوة الى قرع طبول الحرب ضد دول «محور الشر»، داخل الإدارة الأميركيّة.
وتأتي الجولة مسبوقة بمؤشرات دالة منها: انتشار البوارج الأميركيّة في المتوسط وقبالة السواحل اللبنانية ـ السوريّة، والتهديد الإسرائيلي المباشر ضدّ «حزب الله»، وتحميل سوريا مسؤولية أي «هجوم قد يشنّه على الدولة العبريّة»، وإقدام (اليونيفيل) على اتخاذ المزيد من الخطوات الاحترازيّة في الجنوب تحسبا لأي طارئ أمني، والبدء بتنفيذ برامج التسلّح وفق العقود السابقة المبرمة مع عدد من دول مجلس التعاون الخليجي.
وفي المطلق، ليست هي الحدث، بل هي جزء مكمّل له، لا بل مكمّل للحضور الأميركي شبه الدائم في المنطقة. قبله كانت كوندليسا رايس، وقبلها كان وزير الدفاع، وفي كلّ حين، هناك المساعدون الدائمون من ديفيد ولش، الى ديفيد ساترفيلد، الى آليوت أبرامز، الى العديد من الوفود المتخصصة بالشؤون والشجون والملفات المعقّدة.
وتصنّف الجولة كجزء متمم ومكمّل لحراك عام شامل يندرج ـ برأي دبلوماسييّن عرب ـ تحت عنوانين: إسقاط النظريّة التي يتسلّح بها المحور السوري ـ الإيراني والقائلة بالرهان على عامل الوقت للإجهاز على المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي في الشرق الأوسط، والرهان على الانتخابات الأميركيّة والتغيير الجذري الذي لا بدّ أن يأتي مع الإدارة الجديدة. ثم عنوان التطبيع في فترة ما بين القمتين العربيّة والإسلاميّة.
يأتي تشيني ليكمّل سياسة الضمانات التي وصلت طلائعها الى المحور المصري ـ السعودي ـ الاردني أولا، ومن ثم الى المحور الخليجي، والمتصلة بالدور الايراني في المنطقة و«المسموح به، وغير المسموح»، وأيضا بالملف النووي و«السقوف المقبولة والمتاحة، وتلك المحظورة وغير المباحة»، والمدى الذي يمكن أن يبلغه التحالف الايراني ـ السوري ـ «حزب الله» في إطار سياسة الممانعة ضدّ الحلول التي ترسمها الإدارة الأميركيّة للصراع العربي ـ الإسرائيلي.
ويؤكد هؤلاء على أهميّة الاختراقات التي تمّ تحقيقها في إطار هذه السياسة المرسومة، بدليل أن قمة داكار الإسلاميّة ما كانت قمة «حماس» أو «القاعدة» أو الإسلام المتطرّف، بقدر ما كانت قمة إسلام الاعتدال والانفتاح والتسويات، إن ما بين الفلسطينيين، أو ما بينهم وبين إسرائيل، أو في لبنان وضرورة وضع المبادرة العربيّة موضع التنفيذ، أو في العراق، أو على مستوى بعض الملفات الساخنة في الشرق الأوسط. وكذلك الأمر بالنسبة الى قمة دمشق التي يرفض الأميركي مسبقا أن تكون قمة «حزب الله» وإيران والمحور السوري ـ الايراني، وأقصى الممكن ـ «المسموح به» ـ أن تكون قمّة المصالحة بين محورين ومشروعين ونظرتين وتوجهين، وتؤسس لدور يتقدم فيه الخيار الدبلوماسي على الخيار العسكري «إذا ما عرفت سوريا كيف يمكن أن تستضيف قمة تخرج معها من الماضي الى واقعيّة الحاضر والمستقبل، وتستعيد من خلالها مرتبة الصدارة في قلب العالم العربي، وفي تفعيل العمل العربي المشترك؟!».
ولم تأت مشاركة السفيرة ميشيل سيسون في «مؤتمر 14 آذار»، من باب الواجب البروتوكولي، بقدر ما جاءت لتؤكد على النهج المتاح ما بين القمتين، بمعنى «أن أبواب الحوار ما زالت مفتوحة، وأن الطريق أمام المعارضة لا تزال سالكة أمام التسويات المضمونة تحت سقف الجامعة العربيّة، ومبادرتها التي استحوذت على تأييد قمة الدول الإسلاميّة، ودول كبرى فاعلة في مجلس الأمن».
وليست مرحلة ما بين القمتين حكرا على الجانب اللبناني، بل إن اللقاءات «المتجددة» ما بين الأمير سعود الفيصل ومنوشهر متكي تدخل في هذا الإطار، وهي لا تغطي فقط المبادرة العربيّة، بل أيضا التراكمات في الملف الايراني ـ الشرق أوسطي بدءا بغزة «حماس»، مرورا بجنوب ـ «حزب الله» و (اليونيفيل)، وصولا الى «صورة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد وهو يدخل عراق العرب دخول الفاتحين؟!»، والى الملف النووي الايراني والجهود التي بذلتها السعودية مع الولايات المتحدة وبالتعاون مع عدد من دول مجلس التعاون الخليجي، لتغليب الخيارات الدبلوماسيّة التسووية، على الخيارات العسكريّة... ولكن ما العمل؟ وكيف يكون ذلك وسط هذه الازدواجيّة الرهيبة في المعايير، وما بين القول والفعل وما بين الظاهر والمضمر؟!
ويأتي التكليف القطري بتدوير ما أمكن من الزوايا السورية ـ الايرانيّة الحادة كجزء متمم لمرحلة ما بين القمتين، ليس بما يتصل بالمبادرة العربيّة وكيفيّة تحصينها عن طريق التنفيذ المبرمج لبنودها، بدءا بانتخاب الرئيس التوافقي، بل ما يتصل أيضا بحركة الاتصالات الأوسع التي تشمل إسرائيل والولايات المتحدة وعواصم دول القرار القادرة على إنتاج تسويات ممكنة «على الرواق»، كبديل عن تسويات الأمر الواقع التي لا بدّ منها بعد «خراب البصرة؟!».
الى أيّ مدى ستنجح هذه المحاولات لإنضاج حلول وتسويات في مرحلة ما بين القمتين، وقبل « هياج البوارج؟!».
يجيب خصوم سوريا «انها فشلت في أن تقدّم نفسها في قمة دكار كشريك متعاون على وضع المبادرة موضع التنفيذ في لبنان، كما فشلت حتى الآن في تقييم نفسها كمحور إيجابي قادر على استضافة قمة لمّ الشمل وإعادة تفعيل العمل العربي المشترك، وهي لا تزال تراهن على الورقة اللبنانيّة، والفلسطينيّة ـ الى حد ما ـ للوصول الى تسوية مع الولايات المتحدة وإسرائيل، إلاّ أن الرياح الأميركيّة لا تزال تهب خارج هذا المسار، والدليل أن بعض متتبعي جولة تشيني يؤكدون على أنه يحمل في جولته «إحداثيات مدافع البوارج، والمدى الناري لحممها»، كما يحمل الى تركيا رسالة أميركيّة ـ إسرائيليّة مشتركة تنصح سوريا «بوضع بعض الماء في نبيذها» وتعديل بعض مواقفها الداعمة لبعض الفصائل الفلسطينيّة، و«حزب الله» والمعارضة اللبنانية، ورسالة الى سلطنة عمان بضرورة تكثيف جهودها التسووية الهادئة تجاه لبنان وفلسطين وبعض الملفات الساخنة في الخليج، وثالثة الى السعودية مفادها: أن ما بعد قمة دمشق، مختلف عمّا قبله، وإذا لم تنجح الجهود في رسم المخارج، فلا بدّ من إعصار البوارج؟!...

جورج علم

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...