من يبحث في سلة المواطن الغذائية ومن يتحكم بها؟
تتعلق امكانية الحصول على الغذاء في سورية بعدة عوامل اهمها السعر ودخل الفرد.. وفي الواقع فان السعر والدخل لا يؤثران فقط على كميات المواد الغذائية المستهلكة وانما ايضاً على البنية الاستهلاكية..
وهذا ما لاحظناه خلال السنوات الاخيرة حيث ادى ارتفاع الاسعار الى تغير انماط الاستهلاك لدى فئة كبيرة من المجتمع وبالتحديد المواطنين القاطنين في الارياف وكان المؤشر في ذلك ان معدل التضخم تجاوز الـ 10% بشكل عام لكنه قفز في المناطق الفقيرة الى 20% نتيجة الغلاء الذي وصلت نسبته في بعض المواد الاستهلاكية الضرورية كالحليب ومشتقات الالبان والسمون والزيوت والفواكه والخضار الى نسب تتراوح ما بين 50% و 100%.
ويبقى الكلام عموماً في تقييم الاثر لتطور السعر والدخل على الحصول على الغذاء خلال السنوات الثلاث الماضية اذا لم يقترن الحديث بابحاث ودراسات ومسوحات تمت على مناطق مختلفة من القطر وخلال فترات زمنية (في الموسم وخارج الموسم للمواد الاستهلاكية الاساسية) وايضا في بداية الشهر وآخره.
كنا نتمنى ان يكون لدينا مثل تلك الدراسات كي تعطينا مؤشرات يمكن الاستناد اليها اثناء عرض التحليلات والاحتمالات لتأثير ارتفاع الاسعار على حصة كل فرد (مدني،ريفي) من الانتاج الزراعي بمختلف اصنافه ومواسمه.. ولكن للاسف لدى مراجعة هيئة تخطيط الدولة في مديرتي تخطيط الاقتصاد الكلي وتخطيط الزراعة والري تبين لنا انه لا يوجد لدى المديرتين دراسات اوابحاث حول تغيرات انماط الاستهلاك الفردي في سورية بالاستناد الى ارتفاع الاسعار وتزايد او تناقص الانتاج الزراعي لكل محصول بالمساحة والكمية.
والجواب الوحيد الذي حصلنا عليه من المعنيين في المديرتين هو ان مثل هذه الدراسات تحتاج الى كوادر متخصصة وامكانيات ومستلزمات متوفرة للقيام بها مؤكدين على اهمية هذه الدراسات كونها ـ في حال تم تنفيذها ـ تعطي مؤشرات شبه مؤكدة عن مستلزمات الامن الغذائي الكلي على مستوى القطر والجزئي على نطاق المحافظة والمنطقة.
طبعاً هذا ما نريده خاصة واننا دخلنا عصر اقتصاد السوق الاجتماعي وفق قواعد الانتفاح في كل شيء بدءاً بالاستيراد العشوائي دون وضع ضوابط لا لوقت الاستيراد ولا الكميات المستوردة ولا معرفة باي الاسواق تستهلك هذه السلعة او المادة اكثر من غيرها.. وانتهاء بالانفتاح على ارتفاع السعر دون معرفة بمعادلة الاستهلاك والطلب والانفتاح على زيادة الاستهلاك دون دراسة مستويات القدرة الشرائية عند شرائح مختلفة من المواطنين والعرض من السلع والمواد التي تطرح يومياً في الاسواق.
بكل الاحوال فان حصيلة هذا الانفتاح هي متوالية من الازمات (اسعار، محروقات، اسمنت، نقل، اسكان،، الخ) اثقلت ظهر المستهلكين لدرجة ان بعضهم بدأ يزحف على بطنه.. ولما كان اقتصاد السوق متحرراً من رباط الاسعار وان قاعدته الاساسية العرض والطلب وبالمقابل فان الرواتب والاجور مربوطة بعمود القوانين والانظمة لا تزداد الأولى الا اذا عدلت الاخيرة فاننا في هذه العجالة لا بدمن مقارنة بسيطة تبين نقصان سلة الانتاج الزراعي المحلي خلال الاعوام 2005 ـ 2007.
حيث تشير احصاءات وزارة الزراعة الى تراجع في الكميات المنتجة لـ 41 محصولاً زراعياً (خضار وفواكه) من اصل 77 محصولاً تم تصنيفها حسب اهميتها للسلة الغذائية الاستهلاكية اليومية للمواطن.. ونذكر هنا بعض هذه المحاصيل التي انخفض انتاجها بين العامين 2005 ـ 2007 ومنها: ان انتاج القمح تراجع بنسبة 13% والعدس 29% الفول الحب 23% القطن 30% الذرة الصفراء 36% البطاطا 60% الكوسا 29% البصل الجاف 28% الثوم اليابس 36%.. الخ.
ونستنتج من نسب تراجع انتاج بعض المحاصيل الزراعية المذكورة اعلاه ان هناك ايضا وبالتوازي مع هذا التراجع انخفاضاً في حصة المواطن منها حيث تؤكد مقارنة تم اجراؤها بين نسب التراجع والنمو السنوي للسكان بين العامين المذكورين اعلاه ان حصة الفرد اليومية من القمح انخفضت من 75% كيلو غرام باليوم عام 2005 الى 0.57 كيلو غرام عام 2007 وكذلك انخفضت حصته من العدس من 0.024 كغ الى 0.017 كغ، البندورة (الصيفية والبلاستيكية) من 0.17 كغ الى 0.149 كغ، والبطاطا من 0.098 كغ الى 0.034كغ، والكوسا من 0.0192 كغ الى 0.0119 كغ. والثوم الجاف من 2.74 كغ للفرد في السنة انخفضت الى 1.52 كغ في العامل 2007.
والمراقب للاسواق الداخلية يلاحظ وجود كميات من هذه الاصناف الزراعية دخلت القطر من دول اخرى حتى بات المستهلك يفتش عن البطاطا او البصل وحتى الثوم من انتاج حقولنا فلا يجدها الا في الاماكن الريفية والشعبية.
ودخول هذه المنتجات والمحاصيل العربية الى الاسواق المحلية قد يكون له ما يبرره نتيجة وجود انخفاض في كميات انواع من الانتاج الزراعي لكن ذلك ليس دليلاً قاطعاً على وجود فجوة غذائية ما بين كميات الانتاج وحاجة المواطنين خاصة واننا عانينا في السنوات الماضية من بعض الفائض في محاصيل مهمة كالحمضيات والزيتون.. وغيرها وكنا ننادي جهاراً نهاراً بانشاء معامل ومنشآت لتصنيع هذه المحاصيل وفق احدث الطرق الصناعية ولكن شيئاً من هذا لم يتم الا على استحياء شديد.
وبالعودة الى مصادر المكتب المركزي للاحصاء نجد ان الحصول على الغذاء يتأثر بشكل محدود بتطور الاسعار والدخل خلال الفترة 2000 ـ 2005 حيث كان ذلك ممكناً بسبب السياسات السعرية المتبعة من قبل الحكومة لدعم اسعار المنتجين والمستهلكين وحسب الارقام القياسية المتوفرة والتي تقول ان الرقم القياسي لاسعار التجزئة للغذاء خلال الفترة المذكورة سابقاً زاد بمقدار 22% مقابل الرقم القياسي لنصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي الذي ارتفع بمعدل 46% ما يعني ان الاسعار زادت آنذاك بمعدل اقل من الزيادة في نصيب الفرد من الناتج الاجمالي.. ولكن السؤال لو تمت ذلك المقارنة على ارقام عام 2008 هل ستكون النتائج ذاتها ام ستتغير.؟ خاصة اذا ما علمنا ان معدل النمو السنوي للاسعار في تلك الفترة كان بحدود 4.2% في حين تجاوز الـ 35% بعد العام 2005.
وحسب بيانات وزارة الزراعة نجد ان هناك علاقة عكسية بين السعر والطلب على الحبوب والبقول والفواكه والحليب.. اما بالنسبة للخضار فهناك علاقة ايجابية بين السعر والكمية المطلوبة منها نظراً لتفوق التأثير الداخلي على التأثير السعري.
بينما يلاحظ وجود علاقة ايجابية بين دخل الفرد والكمية المستهلكة للمجموعات المذكورة اعلاه ما عدا الحبوب والبقول.
اما بالنسبة للطلب السعري لمجموعتي اللحم والبيض والزيوت والدهون النباتية فان العلاقة ايجابية بين السعر والكمية المطلوبة من هذه السلع وكذلك هي العلاقة ايجابية بين الدخل والكمية المستهلكة من هذه المواد.
وهنا لابد من الاشارة الى ان اهم تأثير لارتفاع الاسعار الى حد لا يناسب دخل المواطن هو انخفاض معدل الحريرات المستهلكة يومياً باكثر من 600 كيلو الكالوري يومياً للمواطن مقارنة مع المعدل في فرنسا وايطاليا وامريكا مايعكس اثر الدخل والاختلافات في الانماط الاستهلاكية وينطبق ذات الامر على استهلاك البروتين اليومي.. وعلاوة على ذلك فان حصة الحريرات من المصادر الحيوانية في تلك الدول اعلى منها في سورية بنسب تتراوح بين 26% في ايطاليا و 37% في فرنسا.
وبشكل عام يمكن القول انه تم تحقيق خطوات هامة على صعيد الامن الغذائي في سورية ولكن ما زالت هناك معوقات في مجال تحقيق التوازن بين المصادر النباتية والحيوانية في استهلاك الغذاء من حيث الطاقة والبروتين وفي مجال تحسين كفاءة القطاع الزراعي السوري من حيث تمركز الانتاج لان تحقيق ذلك يعتبر شرطاً ضرورياً لتحقيق المنافسة والوصول الى الأسواق العالمية.
وبالتالي لوضع الاقتصاد الوطني على منحنى امكانات الانتاج الخاص به ولتحسين كفاءة استخدام الموارد الزراعية النادرة وكفاءة القطاع الزراعي ولتحسين الامدادات من الغذاء وتأمين استقرارها، وامكانية الوصول الى الغذاء عن طريق تحسين الدخل يجب تحقيق خطوات مهمة في مجال تحقيق تكامل السوق السورية مع الاسواق العربية والعالمية.
عمران محفوض
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد